مصر انتكاسة جديدة تطيح بآخر آمال التغيير

احمد عقيل الجشعمي

 

شبكة النبأ: بينما كانت تمثل أمل وحيد وضعيف الا ان الكثير ممن عول على نتائجها اتضحت له الرؤية ان البلاد كانت في الرمق الاخير من الانكفاء، خصوصا بعد فشل الجهود المتشبثة بأمل الديمقراطية في مصر.

حيث اطاحت عمليات التزوير الضخمة التي رافقت الانتخابات البرلمانية المصرية بما تبقى من احلام الشعب، والاحزاب السياسية المعارضة التي كانت تأمل في موطئ قدم يدعم حراك السياسي.

فيما ثبت استباق السلطات المصرية لتلك التطلعات الشرعية الهادفة الى تغيير الواقع المتردي وهيمنة الحزب الوطني على مقاليد السلطة، الا ان الاخير استطاع بجدارة وبعد استبعاد أي منظمة مستقلة لمتابعة اجراء الانتخابات حزم نتائجها لصالحه، وتعزيز فرص الوراثة لنجل الرئيس مبارك في انتخابات الرئاسة القادمة.

التغيير السلمي

فقد ألقت نتائج الانتخابات البرلمانية التي شهدتها مصر الأحد الماضي، بمزيد من الشكوك حول مستقبل تداول السلطة سلمياً في أكبر بلد عربي، بعدما أظهرت انفراد الحزب الوطني بالسيطرة على مجلس الشعب (217 مقعدا)، في الوقت الذي بدت فيه المعارضة "بدون أنياب" حقيقية، ولم يترك لها الحزب الحاكم إلا بخمسة مقاعد فقط، هي كل ما أمكنها الحصول عليه في الجولة الأولى.

وجاءت أحداث العنف التي رافقت عمليات التصويت وفرز الأصوات وإعلان النتائج الأولية، والتي راح ضحيتها نحو تسعة قتلى وعشرات الجرحى، بحسب تقارير، لتعكس مدى الاحتقان الذي أصبح سائداً في الشارع المصري، مما دعا البعض إلى الذهاب بعيداً في قولهم بإن "التغيير بالطرق السلمية أصبح مستحيلاً"، ولكنهم في الوقت ذاته، شددوا على أن ذلك لا يعني بالضرورة اللجوء إلى أساليب العنف.

وشهدت الساعات التي تلت إعلان النتائج الأولية عقد العديد من المؤتمرات الصحفية لقيادات الأحزاب المختلفة، التي عبرت خلالها عن رفضها لتلك النتائج، بوصفها "لا تعبر عن إرادة الناخبين"، كما نظمت العديد من القوى السياسية والوطنية مظاهرات احتجاج، ضد ما اعتبروه "ممارسات تزوير فاضحة" لصالح مرشحي الحزب الحاكم، في مختلف الدوائر الانتخابية.

جماعة "الإخوان المسلمون"، التي خرجت من الجولة الأولى لانتخابات 2010 "خالية الوفاض"، رغم أنه كان لها 88 نائباً يمثلونها في البرلمان المنتهية ولايته، اعتبرت، على لسان مرشدها العام، الدكتور محمد بديع، أن "النظام المصري هو الوحيد الذي خرج خاسراً من هذه الانتخابات، كما أنه الوحيد الذي يتحمل مسؤولية إهانة مصر وتشويه صورتها أمام العالم كله."

وقال بديع، في مؤتمر صحفي ، إن "النظام أصبح هو المعارضَ الحقيقي لإرادة الأمة ولاختياراتها، رافضا حقوقها التي كفلها الدستور والقانون، وأصبح يضرب بها عرضَ الحائط." بحسب السي ان ان.

وأضاف أن "النظام دأب على ممارسة تزييف إرادة الأمة، وتزوير اختياراتها، وأصبح يستمرئ الكذب والتضليل على الجميع، حتى أصبح التزوير سمة ملازمة لعصره."

أما النائب الإخواني السابق، الدكتور حمدي حسن، الذي خسر مقعده بدائرة "مينا البصل" في الإسكندرية، فقد أكد، " أن هناك حالة من الاحتقان تعم الشارع المصري، كما أصبحت هناك قناعة بأن التغيير بالطرق السلمية أصبح مستحيلاً."

ودعا حسن "القوى السياسية الوطنية" إلى "البحث عن وسائل أخرى للتعبير عن الرأي بعيداً عن صناديق الانتخابات."

ولكن الدكتور محمد مرسي، عضو مكتب الإرشاد والمتحدث الإعلامي باسم الإخوان، أكد أن الجماعة "ليس في منهجها الخروج عن النظام، أو الدعوة إلى الثورة، مثلما يروج البعض."

وأكد مرسي أن "ما حدث يؤكد كذب الأقاويل التي كان يردِّدها البعض بأن هناك صفقة مع النظام،" مشيرًا إلى أن "الإخوان لا يعرفون لغة الصفقات، فهده لغة مهينة، ومن يروج لها يُسأل عنها."

أما الدكتورة هالة مصطفى، رئيس تحرير مجلة "الديمقراطية"، الصادرة عن مؤسسة "الأهرام إن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات جاءت كما كانت تتوقع إلى حد كبير، حيث أحكم الحزب الحاكم سيطرته على مجلس الشعب، ليصبح "مجلس الحزب الواحد"، مع وجود معارضة "غير محسوسة"، لن تتعدى نسبتها 10 في المائة.

هالة مصطفى رئيس تحرير الديمقراطية وقالت إن "الجديد في انتخابات هذا العام، أن النظام بدا أنه لم يسمح بالهامش الديمقراطي لأحزاب المعارضة كما كان في السابق، وخاصةً بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، في الوقت الذي سمح ببعض المشاركة لأحزاب معروفة بتوافقها وتعايشها مع النظام، والتي تمارس عملها السياسي بالتنسيق مع الحزب الحاكم."

وعن توقعاتها بإمكانية تزايد أعمال العنف في ضوء ما أسفرت عنه الانتخابات، قالت مصطفى، إنه "من الصعب القفز إلى تلك النتائج بهذه السرعة"، وأوضحت أن هناك عدة أسباب ترتكز عليها في وجهة نظرها هذه، أولها أن "جماعة الإخوان لم تعمل كجماعة تهدد النظام، رغم أن بعض التقارير الغربية تروج لفكرة أن الإخوان يشكلون التهديد الحقيقي للنظام."

وأشارت مصطفى إلى أن الإخوان "يدخلون في صفقات مع النظام السياسي، مثل أي حزب آخر"، كما أن الجماعة، بما كانت تمتلكه من 88 نائباً في البرلمان السابق، "كان دورها غير ملموس، ولم يأتوا (نوابها) بعمل سياسي، سواء يهدد النظام، أو يبرزهم كقوة سياسية مؤثرة."

شفافية التزوير

في المقابل، اعتبر عصام كامل، رئيس تحرير صحيفة "الأحرار"، الصادرة عن حزب بنفس الاسم، خرج أيضاً من السباق الانتخابي "صفر اليدين"، أن ما حدث في انتخابات 2010 يمثل "صدمة لكل الحالمين بتغيير سلمي يتم عبر صناديق الاقتراع."

وأضاف قائلاً: "كافة الشواهد تؤكد أن الحزب المهيمن على مقاليد الحكم في مصر، ليست لديه إرادة حقيقية في القبول بوجود آخر على المشهد السياسي."

وأكد أن "عمليات التزوير وتسويد بطاقات الاقتراع، كانت تجري بشكل علني وواضح وعلى مرأى من الجميع،" مما دعا البعض إلى القول بإن "التزوير هذه المرة اتسم بالشفافية."

وقال كامل، إن الحزب الوطني افتقد في هذه الانتخابات ما وصفها بـ"حالة الإبداع في التزوير"، بعكس ما كان يمتلكه من رؤية واضحة للتزوير في السابق"، ولكنه في المقابل أكد أن "الشارع السياسي، ممثلاً في الأحزاب والقوى الأخرى، ليست لديها رؤية واضحة حول إشكالية التغيير السلمي، إذا أن ما حدث أصاب المشهد السياسي كله بحالة من الضبابية الشديدة."

كما أكد أن "ما حدث هو دعوة صريحة للعنف، واستخدام أساليب أخرى غير الأساليب الديمقراطية، للتعبير عن الرأي،" مشيرا إلى أن المجتمع المصري شهد خلال الفترة الماضية، "أحداث عنف غريبة عليه"، وحذر من أن هذه الأعمال قد تتزايد مستقبلاً بسبب "الإحباط" الذي يعم الشارع المصري.

الحقائق واضحة

أما الدكتورة هويدا مصطفى، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، فقد أكدت أن "من مصلحة النظام السياسي أن يحافظ على هامش الديمقراطية المتاح، وأن يعمل على زيادة هذا الهامش."

وأشارت إلى أنه "لم يعد بإمكان أي نظام أن يخفي حقيقة ما يجري من أمور، نتيجة انتشار أنماط جديدة من الإعلام، بحيث أصبحت الأمور أكثر وضوحاً."

ولكن مصطفى أكدت، رفضها لأن يكون "العنف" وسيلة للتغيير السياسي، واعتبرت أن ذلك "يتعارض مع طبيعة المناخ السياسي السائد في مصر، الذي يتميز بالاستقرار."

وأشارت إلى أن المجتمع المصري لم يعرف ظهور أي جماعات أو حركات، سواء سياسية أو غير ذلك، ممن تستخدم العنف كوسيلة لتحقيق أغراضها.

من جانبه، حذر رئيس حزب "الوفد"، الدكتور السيد البدوي، من "غضب" الشعب المصري، قائلاً إن "غضبه ليس سهلاً، واستفزاز الشعب خطر، والشعب المصري لا يعلم أحد متى يثور وينتفض."

وأكد، في بيان نشره الحزب على موقعه الرسمي، على أن "نواب الحزب الوطني فازوا بالبلطجة والعنف والرشاوى وشراء الأصوات."

وقال البدوي، إن "يوم الأحد 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، كان يوماً حزيناً في تاريخ العمل السياسي، وعدواناً على الديمقراطية، وعلى حرية كل إنسان مصري في الذهاب لصناديق الانتخاب، لكن بكل بجاحه قام مرشحو الحزب الوطني، من خلال استخدام البلطجية والعنف، باغتصاب حق كل مواطن في الاختيار."

وشدد رئيس "الوفد" على أن الحزب "سوف يستمر في طريقه"، وقال إن "ما تعرض له مرشحو الوفد من مشاكل، هو خطوة على طريق الألف ميل في مصر، وهو طريق قد يحتاج حتى للدم أحياناً، و أبناء الوفد هم الطليعة في الدفاع عن حقوق الشعب،" بحسب قوله.

أما "الجمعية الوطنية للتغيير" فقد وصفت يوم الانتخابات بأنه "يوم العار للنظام المصري، الذي سخر فيه النظام كل ما يسيطر عليه من أدوات قوة الدولة، ليغتصب إرادة الشعب المصري، بالتزوير الفاجر، الذي مارسته أجهزة الدولة والحزب الوطني."

وقالت: "لقد بلغ التزوير درجة لم تشهدها أسوأ الانتخابات المزورة في مصر طوال تاريخها، وبرع خبراء التزوير الحكومي في وضع خطط دقيقة للتزوير، بدأت مع أول خطوات التحرك لتنظيم الانتخابات"، بحسب ما ذكرت في بيان على موقعها الرسمي.

التشكيك

من جهتها شككت جماعات لحقوق الإنسان في النسبة الرسمية المعلنة للإقبال على الانتخابات البرلمانية في مصر والتي بلغت 25 في المئة.

وشابت الانتخابات اتهامات من المعارضة بحشو صناديق الاقتراع واستخدام العنف والتحايل.

ودائما ينزل الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم الهزيمة بمعارضيه لكن هذه الانتخابات التي تجرى على جولتين يجري مراقبتها عن كثب لمعرفة حجم الحيز الذي يمنح للمعارضة ولمحاولة معرفة أي معلومات عن استراتيجية الحزب الحاكم فيما يتعلق بانتخابات الرئاسة العام المقبل.

وقال التلفزيون الرسمي في مصر ان اللجنة العليا للانتخابات أعلنت أن ربع الناخبين المسجلين والبالغ عددهم 41 مليونا أدلوا بأصواتهم في الجولة الاولى من الانتخابات. وأضافت أن الانتخابات كانت سلسلة مع وجود حالات فردية من العنف والتزوير والتي تم تسويتها.

وقال مجدي عبد الحميد رئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية ان جمعيته قدرت أن نسبة الإقبال لم تتعد عشرة في المئة استنادا الى ألف مراقب غطوا 40 في المئة من 222 دائرة انتخابية في أنحاء مصر. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقال جمال عيد رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان ومقرها القاهرة ان نسبة الإقبال الرسمية لانتخابات تم قياسها طبقا لعدد بطاقات الاقتراع في الصناديق. ومضى يقول "كما نعلم فان حوالي نصف البطاقات.. الحكومة بتملاها مش (وليس) الناخبين" وأضاف أن مما شاهده فان "نسبة المشاركة بالتأكيد أقل من 2005 .

غياب الرقابة

بينما قالت جماعات حقوقية ان الحكومة المصرية ترفض منح تصاريح لتحالفين من منظمات غير حكومية يرغبان في مراقبة الانتخابات البرلمانية.

وأضافت الجماعات الحقوقية أن الحكومة المصرية رفضت بالفعل السماح لمراقبين دوليين بمتابعة الانتخابات وأن هذا الى جانب القيود الصارمة على المرشحين سيجعل من غير المرجح ان تكون الانتخابات حرة ونزيهة.

وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان في تقرير "رفضت الحكومة دعوات الي وجود مراقبين دوليين مع اصرارها على أن منظمات المجتمع المدني المصرية هي التي ستضمن الشفافية."

واضافت انه قبل ايام قليلة من الانتخابات فان التحالفين الرئيسيين لمنظمات المجتمع المدني المعنية بمراقبة الانتخابات لم يحصلا على أي من 2200 تصريح كانا قد طلباها. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وجددت الحكومة القول بأنها لن تسمح لأي مراقبين دوليين بمراقبة التصويت على الرغم من نداءات تدعوها لتخفيف القيود المفروضة على التغطية الإعلامية للانتخابات والسماح بمراقبة الانتخابات. وتصر الحكومة على أن بمقدورها أن تضمن انتخابات حرة ونزيهة. وقالت هيومان رايتس ووتش ان أحد تحالفي المنظمات المصرية غير الحكومية الرئيسيين لم يحصل على رد بشأن طلبه 1113 تصريحا لمراقبة الانتخابات.

وأضافت المنظمة أن تحالفا اخر "يضم الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية ومركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان ومركز نظرة لم يتلق ردا على طلبه للحصول على 1116 تصريحا."

وفي بيان منفصل قالت سبع منظمات غير حكومية مصرية انها ستراقب الانتخابات حتى اذا رفضت اللجنة العليا للانتخابات التي عينتها الحكومة طلباتها بحلول مهلة تنتهي في 25 نوفمبر. وأضافت المنظمات أن الحكومة منحت بعض المنظمات "نسبة قليلة من التصاريح التي طلبتها." وقالت انه رغم ذلك فانه يتعين على المراقبين الحصول على إذن من رؤساء لجان الانتخابات المحلية لدخول مراكز الاقتراع والفرز.

هزيمة الاخوان

من جانبها أعلنت جماعة الاخوان المسلمين المصرية انه لم يفز أي من مرشحيها الـ 130 في انتخابات مجلس الشعب، وان عددا قليلا سيخوض جولة الإعادة. وكان متحدث باسم الجماعة قد قال ان جماعته خسرت دوائر بالقاهرة والإسكندرية وبور سعيد. جاء ذلك في وقت تواصلت فيه احتجاجات أنصار جماعة الإخوان المسلمين، فيما تستمر عملية فرز الأصوات في الانتخابات البرلمانية المصرية.

وتجمع المئات من أنصار الإخوان المسلمين امام مراكز الاقتراع في مناطق بالقاهرة والاسكندرية متهمين السلطات المصرية بتزوير نتائج الانتخابات لصالح الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم برئاسة الرئيس حسني مبارك، حيث تشير الأنباء الى تقدمه بقوة مقابل المعارضة.

وشهدت احدى دوائر الانتخابات في محافظة الشرقية في دلتا مصر، شمال البلاد، مواجهات أسفرت عن مقتل ثلاثة واصابة سبعة احتجاجا على النتائج الاولية للانتخابات البرلمانية. وقد وقعت تلك المصادمات في دائرة مشتول السوق بمحافظة الشرقية، وهي محافظة زراعية شمال شرق الدلتا. وقد نقلت صناديق الاقتراع وسط إجراءات أمنية مشددة إلى مراكز الفرز بينما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات أنها في حالة انعقاد دائم حتى إعلان النتائج النهائية بالكامل.

التلاعب بالأصوات

فيما تقول بعض الانباء ان ما تسرب من النتائج حتى الآن تشير الى فوز عدد من الوزراء بمقاعد في مجلس الشعب، ومنهم يوسف بطرس غالي وزير المالية، وسيد مشعل وزير الإنتاج الحربي، وسامح فهمي وزير البترول، ومفيد شهاب وزير الشؤون النيابية. بحسب وكالة انباء البي بي سي.

كما فاز عدد من القياديين البارزين في الحزب الحاكم بمقاعد نيابية، مثل رئيس المجلس السابق احمد فتحي سرور، وأحمد عز أمين التنظيم بالحزب، وزكريا عزمي رئيس ديوان الرئاسة.

من جانبه اعلن حزب الوفد المعارض عن فوز ستة من مرشحيه في الانتخابات. واتهمت الجماعة الحزب الحاكم بالتلاعب بالأصوات وشرائها واستخدام العنف خارج مراكز الاقتراع. واكد الإخوان إنهم سيطعنون أمام القضاء في اجراءات ونتائج الانتخابات وسيطالبون بإبطالها. فيما اتهم محمد كمال القيادي في الحزب الحاكم أنصار مرشحي المعارضة بمهاجمة أنصار حزبه، مؤكداً احترام الحزب للقواعد الانتخابية.

وكان عدد من المرشحين انسحبوا احتجاجا على تزوير الانتخابات على حد وصفهم وهي اتهامات نفاها كبار المسؤولين المصريين. وأكد المستشار سامح الكاشف، المتحدث الرسمي باسم اللجنة أن أحداث التي جرت يوم الاقتراع لم تؤثر على الأداء العام للعملية الانتخابية، مضيفا في مؤتمر صحفي أنه تم حل جميع المشاكل بالتعاون مع أجهزة الأمن وأن الانتخابات سارت على ما يرام.

انتهاكات واسعة

الا ان عدد من منظمات المجتمع المدني المصرية، التي راقبت الانتخابات، قالت بوجود انتهاكات واسعة في عمليات الاقتراع. فقد قال التحالف المصري لمراقبة الانتخابات، الذي يضم 123 منظمة حقوقية مصرية، ان "ظاهرة العنف برزت منذ اللحظات الاولى للعملية الانتخابية".

واضاف في تقرير أصدره ان "الانتخابات شهدت جملة من الانتهاكات والتجاوزات تمثلت في المبادرة باستخدام العنف والقوة منذ الساعات الاولى لبدء العملية الانتخابية وهو امر يهدد العملية الانتخابية ويجعل العنف هو سلاح الانتخابات".

وتابع انه سجل "حالات منع لمراقبي المجتمع المدني من دخول مكاتب الاقتراع" كما اشار الى ان بعض المكاتب تم فيها "تسويد بطاقات الاقتراع لصالح مرشحي الحزب الوطني"، أي ملء الصناديق ببطاقات اقتراع مزورة.

واقترع الناخبون المصريون لأختيار 508 نواب في مجلس الشعب بينهم 64 امرأة. وتنافس على مقاعد مجلس الشعب المصري 5064 مرشحا، عدد الرجال منهم 4686 مرشحا للفوز ب444 مقعدا في البرلمان بينهم 1188 مرشحا يمثلون احزابا سياسية و3498 مرشحا مستقلا. وتنافس على المقاعد الـ 64 المخصصة للنساء 378 مرشحة منهن 145 مرشحة عن احزاب و233 مرشحة مستقلة.

موسم للرزق

من جانب آخر، وأمام منفذ صغير لبيع الأدوات الكهربائية في سوق شعبية بالعاصمة المصرية جلس أكرم صاحب محل "الفراشة" يتطلع الى الزحام غير عابئ بالنشاط الدعائي والإعلاني المحموم حوله عشية الانتخابات البرلمانية في البلاد.

وفيما اصطفت على بعد أمتار قليلة مئات من المقاعد وأكوام الأقمشة المطبوعة والقوائم الخشبية اللازمة لنشاطه الذي ورثه عن آبائه فضل أكرم عدم المشاركة في هذا النشاط الدعائي الذي يدر على أمثاله عادة عشرات الآلاف من الجنيهات.

فإقامة "البوابات الدعائية" على نواصي الطرق والشوارع الرئيسية وتعليق لافتات وملصقات المرشحين عليها هي واحدة من أشهر وسائل الدعاية الانتخابية رغم التطور الهائل في وسائل التواصل مع المواطنين في السنوات الاخيرة.

ويقول أكرم من داخل متجره في شارع السوق الشعبي بمنطقة المنيب انه اعتاد في الماضي المشاركة في هذا النشاط لكنه تجنبه هذه المرة لأنه واجه الكثير من المشكلات أهمها الخسارة المادية بسبب احتمال تمزيق او حرق البوابات المؤلفة من أعمدة خشبية واقمشة وأحبال على يد عابثين او خصوم انتخابيين.

ويضيف "أسوأ حاجة (شيء) البلطجية وفيه مرشحين هم أنفسهم بلطجية... أحيانا لا يسددون ما تم الاتفاق عليه (مقابل الدعاية) اذا خسروا في الانتخابات". ويقول أكرم ان بعض المرشحين في الانتخابات لا سيما في المناطق الشعبية يستعينون أحيانا بأشخاص مأجورين للضغط على الخصوم أو على الناخبين بوسائل قد تصل للتهديد بالقوة من أجل التأثير على طريقة التصويت.

ورغم سعي أقرانه في نفس المهنة للاستفادة من فرص الأعمال في موسم الانتخابات الا أن اكرم رفض مبالغ تصل الى 12 الفا و25 الف جنيه مصري (ألفي الى أربعة الاف دولار تقريبا) من الربح المتوقع في موسم الانتخابات عملا بمقولة "هين قرشك ولا تهن نفسك". وهناك اصحاب مهن أخرى يعتبرون الانتخابات موسما مميزا للرزق لكنهم تأثروا حديثا بأسباب أخرى لا علاقة لها بالعنف والبلطجة.

لافتات جديدة

وفي وقت ما كان كتاب المعارضة والادب الساخر في مصر يتندرون بأن ما يستخدم من أقمشة لصنع اللافتات الدعائية خلال موسم الانتخابات يكفي لكسوة ملايين من الفقراء في البلاد. لكن موسم الانتخابات هذا العام شهد ظاهرة جديدة في أسلوب الدعاية وهي الاعتماد على لافتات بلاستيكية مطبوعة بالكمبيوتر اصطلح على تسميتها (بانرات) بدلا من الاعتماد على لافتات القماش التي يعدها خطاط تقليدي يدويا.

وقال جمال بركات (57 عاما) وهو خطاط يدوي يعمل في منطقة المعادي بالقاهرة "أكيد في تأثير على المهنة من يفط (لافتات) الكمبيوتر .. الناس تحب تجامل المرشحين باللافتات الجديدة اللي (التي) ممكن يحط (يضع) صاحب اليافطة صورة للمرشح عليها مش زي (ليست مثل) اليفط القماش العادية." بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقال الخطاط أيمن جلال (35 عاما) ان سعر اللافتة البانر يتراوح بين 18 و20 جنيها للمتر. ورغم أن سعر لافتة القماش التقليدية اقل من ذلك بكثير لكنه أشار الى أن تراجع الاقبال عليها يرجع جزئيا الى تفاخر المرشحين المتنافسين والناخبين فيما بينهم من خلال البانرات.

والهتافات المميزة تعد أيضا من وسائل التأييد التي يتفاخر بها المرشحون الذين يدفعون بسخاء لجماعة "الهتيفة". وما على الهتيف الا أن يقود مجموعة من الاتباع للصياح بشعارات لصالح المرشح تمتدح خصاله وتعدد انجازاته كلما غدا او راح.

ويقول اشرف وهو واحد من هؤلاء ويمارس تلك الحرفة كل موسم انتخابي في محيط قريته بجنوب الجيزة ان ذلك لا يكلفه الكثير سوى إعداد مجموعة "منتقاة" من الشعارات يؤلفها بنفسه أو بمساعدة أصدقاء ليهتف بها أثناء تجول المرشح على منازل وتجمعات الناخبين.

ويضيف أنه ان لم يحصل على مال فقد يكون من مصلحته "معرفة كبار القوم والقرب منهم فمن الممكن أن تحتاج لواحد منهم في المستقبل". واشرف اصبح لديه متجر دقيق "مدعوم" منذ بدأ ممارسة تلك الحرفة الموسمية ومن الصعب الحصول على رخصة لذلك النشاط من دون مساعدة شخصية كبيرة كما يقول.

وفي الاحياء الشعبية أصبح عمل هؤلاء "الهتيفة" يفتح الباب أمام مجموعة أخرى هم قادة العربات الصغيرة ذات الثلاث عجلات (التوكتوك) للفوز بقطعة من الكعكة الانتخابية. وبدلا من نقل الركاب ينشغل العديد من قادة (التوكتوك) بحمل مكبرات الصوت ومعهم احد "الهتيفة" للمرور عبر الشوارع والأزقة الضيقة التي يصعب على العربات والشاحنات الصغيرة دخولها.

كما حددت اللجنة مبلغ 200 ألف جنيه (نحو 36 الف دولار) للدعاية الانتخابية لكل مرشح لخوض انتخابات لمجلس الشعب ومبلغ 100 ألف جنيه كحد أقصى للدعاية في حالة خوض أي من المرشحين لانتخابات الإعادة . لكن منظمات مراقبة محلية قالت ان المبالغ التي تنفق على الدعاية للمرشح الواحد تتجاوز هذا المبلغ بكثير لتصل لمئات الآلاف وأحيانا الملايين من الجنيهات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 2/كانون الأول/2010 - 25/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م