الحكومة العراقية عسر الولادة وضبابية المستقبل

عدنان الصالحي

 

شبكة النبأ: بعد مخاض طويل دام قرابة الثمانية أشهر ونيف كلف السيد جلال الطالباني الفائز بولاية ثانية لرئاسة الجمهورية السيد نوري المالكي بتشكيل الوزارة الجديدة خلال حفل أقيم في يوم الخميس25 نوفمبر.

هذا التكليف يعتبر ضمن الدستور امرأ هاما لبداية العد التنازلي للسيد المالكي في قدرته على تشكيل الوزارة الجديدة في الفترة المحددة دستوريا والتي تنص على أن لا تتجاوز الشهر منذ يوم التكليف.

الا ان القضية لا ترتبط بأسماء المرشحين أو نوعياتهم على ما يبدو، بل ستكون أشبه بالمرحلة التي سبقت التوافق على رئاسة الحكومة مع محاولة بعض الكتل النهوض بأسماء المرشحين للوزارات التي سيتسنمونها لمحاولة تحسين صور كتلهم عما حدث في المرحلة السابقة.

فيما تكمن الصعوبة كما يبدو في آلية تقسيم الوزارات ولمن ستكون الوزارات ذات القوة التأثيرية السياسية مستقبلا، المرحلة التي تعتبر هي الأهم في تشكيل الوزارة بل تكاد تكون مقاربة لقوة التنافس على رئاسة الوزارة، فالذي أفلتت منه رئاسة الحكومة سيحاول بذل أقصى الجهد في إيجاد توازن بالوزارات ذات الفعل المؤثر(السيادية)، فيما يحاول من ترأس الوزارة الجديدة أن يحمي حكومته بأقصى درجة من المقربين له من الكتل المتحالفة معه أو من كتلته التي ساندته في التفاوض والانتخابات.

وفي كل الأحوال سيجد رئيس الوزراء المكلف صعوبة غير قليلة في تمرير حكومته أو على مستقبلها فالواقع إن الرجل جاء بطرق تكاد تكون أشبه بالمستحيلة بعد أن وضع الأغلب إن لم يكن الكل خطوط حمراء على توليه المنصب لولاية ثانية.

 ولعل أهم ما كان يصطدم الرجل به هو إثارته غضب جارته إيران لكسره السيطرة الشيعية او لاتهامه بتفريق الصف الشيعي أثناء الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في مارس2010 (حسب وجهة نظرة الايرانية)، وإثارة غضب المسؤولين الأميركيين باستخدامه المفرط للقوة دون الرجوع إليهم في بعض الأحيان ومحاولته التفرد بصنع الانتصارات بعيدا عنهم.

في نهاية المطاف وحلا للازمة الخانقة التي تعيشها الحياة السياسية في العراق وقرب الانسحاب الأميركي (الميداني) اضطر الخصمان التقليديان أميركا وإيران (على مايبدو) على الاتفاق ضمنيا على قبول الرجل كحل مقبول ومنطقي وإيجاد مساحة تفاهم مشترك في شخصية السيد المالكي وهذا ليس بالشئ السر.

هذا الواقع الذي فرضته الحالة الإقليمية والدولية والمحلية جعلت المالكي يستفيد من الفرصة لترتيب أوراقه بشكل قد يهيئ نفسه للإبحار بحكومة ستجد أمامها رياح قاسية ولربما أمواج عالية في فترات متقاربة، فالرجل يدرك بان البرلمان الحالي لن سيكون كسابقه بل إن من يترأس الدورة البرلمانية الحالية هم من اشد المعارضين له في السابق لتوليه المنصب (العراقية، التيار الصدري) وهما وان وجدا نفسيهما في ضرورة السير بما هو موجد حاليا لمعرفتهم بان التوقف سيعني ذهاب القافلة عنهم وتركهم بدون مركز قرار.

ومع قبولهم على (مرارة) بالرجل فأنهم سيجدون أنفسهم معبئين لجعل الحكومة تسير تحت مظلة البرلمان وسيبذلون أقصى جهدهم لجعلها تسير خلف البرلمان لا العكس، وهذا ما حاول المالكي الاستباق اليه بمطالبته بضرورة التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مستقبلا. منتقدا المرحلة السابقة وتعارض الدورين فيهما خلال كلمته التي ألقاها بمناسبة تكليفه بتشكيل الحكومة.

القادم من الأيام والشهور سيكشف وبلا ريب بان حكومة السيد المالكي القادمة لن تكون كسابقتها، بل إن المستقبل ضبابي أمامها وهي لن تكون في نزهة لأربع سنوات قادمة بل ستجد نفسها في اختبارات عديدة قد يكون أولها وليس أخرها صنع القرار السياسي والمشاركة فيه وما سيأتي بعده ليس بالقليل عنه وهلم جرا.

وهنا ستظهر حنكة وفطنة المالكي في الاستفادة من الأخطاء السابقة والدورة الماضية بالتعامل مع الأوضاع بطريقة إدارية ومؤسساتية ومهنية وان يتحول الى رجل دولة بكل تجرد وعندها سيحصن نفسه وسيصل الى نهاية المطاف بحكومته بنجاح وخلافها فالطريق الثاني سيكون حليفه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 30/تشرين الثاني/2010 - 23/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م