ديمقراطية العراق وحتمية الفيدرالية

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تتوارد بين الفينة والاخرى انباء عن وجود نوايا دولية تقف ورائها الولايات المتحدة الامريكية، وتعززها محليا بعض الجهات، تسعى الى تطبيق النظام الفيدرالي في العراق، على المدى القصير أو المتوسط.

فيما تذهب بعض الآراء في تأييدها حول ما يشاع الى كونه سيناريو قديم يعود الى ما قبل اجتياح القوات الامريكية للعراق في عام 2003، ضمن خارطة طريقة اعدت في الولايات المتحدة وبعض العواصم الغربية التي شاركت جيوشها في الحرب، كبديل للحكم الديكتاتوري في بغداد.

ويرتكز ذلك المشروع بحسب التسريبات الاعلامية على تحويل العراق الى اقاليم وامارات حسب طبيعة كل محافظة، والذي سبق وان اصطدم بمعارضة شعبية عارمة في بداية التأسيس للنظام الديمقراطي الجديد، عندما طرح على طاولة كتابة الدستور العراقي قبيل انكفاء الكتل السياسية على كتابته، حيث تم الاكتفاء بالإشارة الى ذلك المشروع عبر تضمينه في ديباجة الدستور العراقي عام 2005، واستعيض عنه بكلمة الاتحادي لسببان، اولهما رفض الشعب العراقي بشكل شبه شامل في ذلك الوقت لهذا الطرح، والثاني يكمن في ان كلمة الفدرالية Federalism ليست كلمة عربية المنشأ، وانما دخلت قاموس اللغة العربية حديثا، وهي تترجم عادة بلفظ (الاتحاد) كأقرب مصطلح يعبر عن مضمونها، ومفهومهما كشكل من اشكال الدول.

وبقي المشروع الفيدرالي الذي اختلف فيه واضعو خطوطه الاولى حول طبيعة الفيدرالية الملائمة حسب وجهة نظرهم في ادراج الخارجية الامريكية دون ان يرى النور لسنوات حتى لوح بيه النائب الديمقراطي جوزيف بايدن في فترة ولاية بوش، وهو امر اعتبره البعض جس نبض جديد لتوجهات الشارع العراقي بعد المتغيرات الاجتماعية والسياسية التي اعقبت الاقتتال الطائفي في عامي 2006-2007، فيما تشير الدلائل الى ان من كان يدفع باعادة طرحه مجددا في ذلك التوقيت هي الادارة الامريكية على ذاتها، الا انها وبحسب المتابعين كانت في وضع عسكري لا يؤهلها على طرح مثل تلك الافكار علانية في ذلك الوقت، خوفا من نقمة الجماعات المسلحة السنية التي جهدت في احتوائها، لتعود اوراق المشروع الفيدرالي الى عتمة ادراج الخارجية الامريكية الى حين، بعد ان التزم بايدن الصمت دون اعلان تراجعه عن ذلك السيناريو.

الى ذلك وعلى الرغم من اتفاق اغلب المكونات العراقية على اصل المبدأ، بعد توافر قناعة كبيرة تفضي الى ضرورة تحرير المحافظات العراقية من هيمنة العاصمة واتاحة هامش اكبر لقيادتها محليا، خصوصا بعد تعثر جهود معظم الوزارات الاتحادية في ترميم المرافق الحيوية كالخدمات والاعمار، الا ان هناك الكثير من القوى المؤثرة على الساحة السياسية لا تزال ترفض اقرار النظام الفيدرالي ولعدة اسباب، ابرزها الخوف مما سوف يفضي به واقع الحال عند تطبيقه والوقوع في المحذور، خصوصا ان فكرة تقسيم العراق لا يزال هاجس يقلق الجميع في كل ازمة سياسية تعصف بالبلد، بالإضافة الى الوجود الامريكي والذي لا يحسن به الظن على الدوام، فيما يبقى هاجس عدم الثقة والخشية من التهميش وانفراد بعض الاحزاب بقيادة الفيدراليات المنتظرة مصدر تردد كبير في قبول هذه الفكرة.

في حين يرى المؤيدون لتطبيق الفيدرالية ان العراق بات بحاجه ماسة الى ذلك النظام لمواجهة العديد من الملفات الاساسية المتعثرة، ويعزز من قدرة البلاد في الخروج من المأزق الاقتصادي والتنموي والانطلاق الى افق اوسع، قادر على ترسيخ الديمقراطية اولا والاتزان المطلوب والشفاف في بناء دولة المؤسسات العصرية المتوخاة ثانيا.

ويتبنى مناصري الفيدرالية وجهة نظرهم بعد نجاح العديد من التجارب في دول العالم، مثل الامارات وسويسرا والولايات المتحدة الامريكية، وهي صمام امان بحسب نظرهم لديمومة التداول السلمي للسلطة وذات مردود تنموي كبير، خصوصا في الشؤون الاقتصادية والانفتاح الحر على الاسواق الدولية والاستثمارات المربحة.

الارادة السياسية المفقودة

بين هذا الرأي وذاك لا يزال المشهد السياسي العراقي يكتنفه الغموض، الذي قد لا يخلو من المفاجآت، فعلى الرغم من افتقار المشروع الفيدرالي للإرادة السياسية المؤهلة لتمريره في الوقت الحاضر، الا ان بوصلة القادة العراقيين قد تشهد تغييرا جذريا بين ليلة وضحاها، وقد تشهد اتفاقا مبنيا على خلاف، كما برهنت تجربة تشكيل الحكومة صحة ما نذهب اليه، وما برهنه جدل اعادة تسنم المالكي لولاية جديدة، بعد ان كانت فكرة مستبعدة التحقق بنظر اغلب المتابعين للشأن السياسي، خصوصا ان الاخير واجه معارضة كبيرة وشديدة، من قبل معظم الكتل والاحزاب السياسية، حتى ايام قليلة من اعادة تكليفه مجددا.

فالتساؤلات التي تطرح نفسها بقوة في هذا الصدد، هل ستتوفر ارادة شاملة للبت بهذا الامر نهائيا، ام سوف تتكرر الماراثونات السياسية قبل تطبيق هذا النظام المنشود، كما هو الحال في معظم الملفات السياسية السابقة، وهل سيكون الامر خاضع لإرادة وطنية بحته؟

وبغض النظر عن الاجابة، اثبتت التجارب السياسية السابقة عسر تمرير اي مشروع او قرار بهذا المستوى دون رضى الشعب العراقي بشكل عام، وهذا ما سوف ينسحب على النظام الفيدرالي، وان طال امد تأجليه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/تشرين الثاني/2010 - 22/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م