البلدان العربية ومخاطر التغييرات المناخية

احمد عقيل الجشعمي

 

شبكة النبأ: بعد أن كان يعاني الشرق الأوسط وما زال من خطر الحروب والنزاعات وما تخلفه من دمار للبنى التحتية التي بدورها تعود سلبا على الحياة بمختلف مجالاتها وتطبع واقعا بائسا على الأمد البعيد تجعل من ذلك مهمة الإصلاح للقائمين على الدول الشرق الأوسطية مهمة صعبة، وبالإضافة الى ذلك هو إزهاق الأرواح البريئة.

يضاف اليوم الى كل ما سبق تهديدا جديدا على المنطقة الا وهو التهديد المناخي، حيث تمر المنطقة بمرحلة مخيفة بحسب المراقبين لأوضاع المناخ وما يحدث فيه من متغيرات عجيبة غريبة، لاسيما وإنها مدمرة ومؤثرة في طبيعة الحياة لكونها تدخل في مجالاتها العديدة، فأن العواصف الترابية تؤثر على من لديه أمراض في الجهاز التنفسي، كما ان السيول تهدم العديد من المدن والمحاصيل التي تؤدي الى تغيير البنى التحتية، والأكثر سوءا هو درجات الحرارة العالية التي تمهد الطريق الى حدوث الجفاف في المناطق المائية، وشحة المياه تسبب أزمة خطيرة على المنطقة لما يمثله الماء من أهمية كبيرة في طبيعة الإنسان أولا وفي زراعة المحاصيل ثانيا فهو سر الحياة.

خطر قادم

حيث تضرب عواصف ترابية العراق.. وتحدث سيول عاتية دمارا في المملكة العربية السعودية واليمن.. وارتفاع منسوب البحر يسبب تآكل الساحل في مصر.. الطقس الأكثر حرارة وجفافا يزيد من مشكلة ندرة المياه في الشرق الأوسط وهي أصلا واحدة من أكثر مناطق العالم تعطشا للمياه.

يعاني العالم العربي بالفعل من تداعيات تتوافق مع توقعات التغير المناخي. ورغم أن العلماء يحذرون من الربط بين أحداث معينة وارتفاع حرارة الارض فإنهم يحثون الحكومات العربية على اتخاذ خطوات الآن للوقاية من كوارث محتملة.

وهناك فروق هائلة من حيث نصيب الفرد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في أنحاء المنطقة مع وجود النسب الأعلى في عدد من الدول المنتجة للنفط والغاز. وأظهرت إحصاءات الأمم المتحدة أن قطر سجلت أعلى نصيب للفرد من الانبعاثات والذي بلغ 56.2 طن من ثاني أكسيد الكربون عام 2006 في حين أن نصيب الفرد في مصر 2.25 طن فقط.

وفي حين أن المنطقة ككل لم تساهم بصورة كبيرة نسبيا في الانبعاثات التراكمية للغازات المسببة للاحتباس الحراري فإنها واحدة من أكثر المناطق عرضة للتغير المناخي كما أن الانبعاثات في تزايد.

وقال محمد العشري وهو رئيس سابق لصندوق البيئة العالمية ان عدم اتخاذ أي خطوات ليس خيارا مطروحا. ويقدم الصندوق المساعدة للدول النامية في قضايا المناخ وغيرها من قضايا البيئة. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقال "من طبيعة البشر الانتظار حتى حدوث أزمة حتى يبدأ التحرك... لن يكون من الملائم الانتظار حتى تحدث كارثة هائلة حقا يعاني فيها أعداد كبيرة من الناس بلا داع." كما ستساعد إجراءات لمواجهة المشكلات البيئية في المنطقة على التعامل مع آثار مستقبلية لارتفاع حرارة الأرض.

وقال العشري "لنقل أن التعامل مع قضايا المياه سيكون له فائدة مزدوجة تكمن في الاستجابة لقضايا التغير المناخي وأيضا معالجة المشكلات الناجمة عن النمو السكاني وسوء الإدارة والضعف الشديد للمؤسسات المعنية بالمياه."

وجاء في بحث لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن عدد سكان العالم العربي زاد ثلاثة أمثال الى 360 مليون نسمة منذ عام 1970 وسيرتفع الى نحو 600 مليون بحلول عام 2050 . ويقول البحث "في منطقة هي عرضة أصلا للكثير من الضغوط غير المرتبطة بالمناخ فان التغير المناخي وآثاره المادية المحتملة الاجتماعية والاقتصادية سيزيد على الأرجح من تفاقم هذا الضعف مما يؤدي الى عدم استقرار على نطاق واسع" مضيفا أن الفقراء والفئات الضعيفة هي الأكثر معاناة.

ندرة المياه

فبحلول عام 2015 سيكون نصيب الفرد في العالم العربي أقل من 500 متر مكعب من المياه سنويا وهو مستوى يوصف بأنه ندرة حادة مقابل متوسط عالمي يزيد على 6000 متر مكعب للفرد.

وجاء هذا التحذير في تقرير أصدره في الفترة السابقة المنتدى العربي للبيئة والتنمية الذي قال ان إمدادات المياه في المنطقة تراجعت الى ربع مستويات عام 1960. وسيزيد التغير المناخي من شدة الأزمة في منطقة ربما ترتفع فيها الحرارة بواقع درجتين مئويتين خلال الفترة القادمة التي تترواح بين 15 و20 عاما وأكثر من أربع درجات مئوية بحلول نهاية القرن طبقا لبيانات اللجنة الحكومية للتغير المناخي.

وتظهر أرقام هذه اللجنة التي وردت في بحث برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن العالم العربي شهد ارتفاعا غير متساو في حرارة الهواء السطحي تراوح بين 0.2 درجة و2 درجة مئوية بين عامي 1974 و2004 .

وتمثل ندرة المياه وارتفاع مناسيب البحر حقيقة لكن وعي الشعوب في العالم العربي محدود جدا. وقال نجيب صعب الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية "ما زال الناس غير واعين بتلك الآثار... عندما تتحدث عن التغير المناخي يعتقدون أن الأثر سيحدث على القمر أو في بلاد أخرى."

واستشهد بصور بالأقمار الصناعية من مركز الاستشعار عن بعد التابع لجامعة بوسطن تظهر أن ارتفاعا في منسوب البحر مترا واحدا سيؤثر على 42 ألف كيلومتر مربع من أراضي الدول العربية وهي مساحة تزيد أربعة أمثال عن حجم لبنان كما ستؤثر على 3.2 في المائة من سكان الدول العربية مقارنة مع 1.28 في المائة على مستوى العالم.

وأردف قائلا "أظهرت دراستنا أنه خلال هذا القرن ستفقد منطقة الهلال الخصيب (الممتدة عبر العراق وسوريا ولبنان والأردن وإسرائيل والأراضي الفلسطينية) كل مؤشرات الخصوبة إذا استمر الوضع على ما هو عليه حاليا."

ويأخذ الزعماء العرب قضية المياه على محمل الجد -حتى وان كان دافعهم وراء هذا هو القلق على مستقبلهم السياسي- لكنهم دائما ما يتركون شؤون التغير المناخي لوزرائهم. وقال حبيب الحبر المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة "عادة ما يكون وزراء البيئة هم الأضعف في تلك الدول... السياسات موجودة لكن كثيرا ما نرى افتقارا الى تطبيق أو تنفيذ للقانون."

الإجبار على الهجرة

من جانب آخر، وفي منطقة معرضة للصراعات وتديرها حكومات غير قابلة للمحاسبة بصورة كبيرة ونخبة تخدم مصالحها تؤدي المشكلات السياسية الى جعل قضايا التغير المناخي وغيرها من القضايا الاجتماعية تتذيل قائمة الأولويات ولكن دولا مثل تونس والأردن وسلطنة عمان أكثر نشاطا من غيرها.

وفي حين أن الأحوال الجوية تختلف في أنحاء العالم العربي فان تراجع موارد المياه عادة ما يقابله زيادة غير متوازنة في أعداد السكان. ويقول تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية ان واردات المياه "الافتراضية" في صورة مواد غذائية وبضائع أخرى بلغت ما يعادل خمسة آلاف متر مكعب من المياه للفرد. وقد ودعت أغلب الدول العربية مبدأ الاكتفاء الذاتي في الغذاء منذ زمن طويل.

وفي بعض الدول أجبرت أحوال الطقس وندرة المياه أعدادا كبيرة من السكان في دول عربية على ترك منازلهم. وتسببت موجة جفاف بدأت عام 2007 -والتي زادت حدة من خلال الزراعة المكثفة للمحاصيل التي تدر دخلا كبيرا والمدعومة حكوميا- في نزوح مئات الآلاف من السكان عن شرق سوريا. وفي اليمن تدفع ندرة المياه الكثير من المزارعين للتخلي عن أراضيهم والتوجه الى المدن مما أدى الى ارتفاع النمو السكاني السنوي في العاصمة صنعاء الى ثمانية في المائة.

وتظهر إحصاءات الأمم المتحدة أن الهجرة عبر الحدود ربما تزيد حدة نتيجة التوزيع غير المتكافئ للنفط وغيره من الموارد في منطقة تضم دويلات ثرية وكذلك دولا ذات عدد كبير من السكان مثل مصر التي يقل دخل خمس أفراد سكانها البالغ عددهم 79 مليون نسمة عن دولار يوميا.

وقال العشري "هناك توقعات سيئة متعلقة بالتغير المناخي والمياه والكثير من المسائل... يمكن الحد من كل هذا بالتخطيط." وعندما سئل عن النصيحة التي يوجهها للزعماء العرب أجاب " الوضع ليس ميئوسا منه.. لكن لابد من البدء الآن وإلا فأنه بعد 10 سنوات من الآن سيكون الوضع أسوأ لان عدد السكان سيرتفع وستقل الموارد وستزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء."

الانبعاثات السامة

فيما تمثل التغيرات المناخية تهديدا أكبر على الشرق الأوسط مقارنة بكثير من دول العالم.

فيما يلي بعض الحقائق عن التغيرات المناخية في الشرق الأوسط:

- نسبة الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في المنطقة تقل عن خمسة بالمئة من الإجمالي العالمي. الا أن الانبعاثات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفعت 88 بالمئة من عام 1990 الى عام 2004 وهي ثالث أكبر زيادة في العالم وأكثر من ثلاثة أمثال متوسط الزيادة العالمية.

- نصيب الفرد من الانبعاثات يختلف بشكل كبير بين دول المنطقة مع ارتفاع المعدلات في الدول المنتجة للنفط والغاز. وتمثل قطر أعلى معدل في العالم لنصيب الفرد من الانبعاثات اذ في عام 2006 بلغ نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون 56.2 طن في حين بلغ نصيب الفرد من الانبعاثات في مصر 2.25 طن طبقا لإحصاءات الأمم المتحدة.

- النماذج تشير الى أحوال مناخية أكثر دفئا وجفافا ويصعب التكهن بها مما سيؤدي الى انخفاض المياه الجارية في المنطقة بنسبة تتراوح بين 20 و30 بالمائة بحلول عام 2050 .

- في العالم العربي خمسة بالمائة من إجمالي سكان العالم ولكن واحدا في المائة فقط من إجمالي المياه العذبة المتجددة في العالم. وتعداد العرب الآن 359 مليونا مقارنة مع 128 نسمة عام 1970 . ومن المتوقع أن يصل تعداد السكان العرب الى نحو 600 مليون بحلول عام 2050 . بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

- بحلول عام 2015 على أقرب تقدير سيعتمد العرب على أقل من 500 متر مربع من المياه للفرد سنويا في المتوسط وهو معدل يوصف بأنه ندرة شديدة وأقل بكثير من المتوسط العالمي الذي يزيد عن ستة الاف متر مربع للفرد. وهناك 13 دولة عربية من بين أكثر دول العالم نقصا للمياه ومجموعها 19 دولة. ويستخدم سكان ثماني دول عربية بالفعل أقل من 200 متر مكعب سنويا للفرد.

- تتكهن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية بأن البحر المتوسط سيرتفع منسوبه بين 30 سنتيمترا الى متر خلال القرن الحالي. وارتفاع منسوب المياه مترا سيؤثر على 42 ألف كيلومتر مربع من الأرض العربية -مساحة تزيد بأربعة أمثال عن مساحة لبنان- وسيؤثر أيضا على 3.2 بالمائة من السكان العرب مقابل 1.28 بالمائة في شتى أنحاء العالم. والدول الأكثر عرضة للخطر هي مصر والبحرين وقطر.

المزارعين العراقيين

الى ذلك عانى إنتاج القمح والأرز من موجة جفاف شديدة في العامين الماضيين في العراق وترجع الاسباب جزئيا الى ارتفاع درجات الحرارة فضلا عن نقص المياه في نهري دجلة والفرات.

وتقول وحدة المعلومات والتحليلات التابعة للأمم المتحدة ان مستويات المياه في النهرين وهما المصدران الرئيسيان للمياه في العراق انخفضت الى أقل من ثلث الطاقة المعتادة. وقال كمال حسين لطيف وكيل وزارة البيئة ان هطول الأمطار بوجه عام في تراجع ونفس الشيء بالنسبة لدرجات الحرارة فهي في ارتفاع.

ويجاهد مزارعون مثل أكرم موسى الان حتى تظل أراضيهم قابلة للزراعة في البلاد التي كانت خصبة ذات يوم يرويها نهران غذيا حضارات ما بين النهرين القديمة. وقال موسى (65 عاما) الذي يملك سبع مزارع للطماطم والخيار والشمام في الزبير بمحافظة البصرة في جنوب العراق "ارتفاع درجات الحرارة شوه محاصيلنا اما لا تنمو بشكل ملائم او تذبل. دفعني هذا الى هجر نصف مزارعي."

وقطاع الزراعة من اكثر القطاعات التي توفر فرص عمل بالعراق لكنه يسهم بأقل من ثلاثة في المئة من عائدات البلاد ولا يتلقى استثمارات تذكر مقارنة بقطاع النفط مصدر 95 في المائة من العائدات. والعراق من بين اكبر عشرة مستوردين للقمح والارز في العالم ويتم شراء معظمها من أجل برنامج ضخم لتوزيع حصص الغذاء على المواطنين.

وفي الوقت الذي تزداد فيه درجات الحرارة ارتفاعا وتستمر مستويات المياه على انخفاضها يبتلع التصحر الأراضي الصالحة للزراعة ويضر بالمحاصيل. ويقول موسى ان الأراضي الخصبة في المنطقة التي يزرعها تقلصت بشكل كبير في الأعوام الخمسة والثلاثين التي عمل خلالها بالزراعة.

وفي أكتوبر تشرين الأول أفاد تقرير لوكالة المعلومات والتحليلات التابعة للأمم المتحدة بتراجع غطاء المحاصيل على نحو 40 في المئة من الأراضي الزراعية خاصة في الشمال في فترة بين عامي 2007- 2009 .

غير أن تحسن سقوط الأمطار ساعد العراق في إنتاج 1.7 مليون طن من القمح في 2009-2010 في ارتفاع عن 1.25 مليون في الموسم السابق وفقا لما ذكرته وزارة الزراعة. وكان متوسط الإنتاج في الأعوام الثلاثة السابقة 2.4 مليون طن. ويستهلك سكان العراق البالغ عددهم 30 مليون نسمة نحو 4.5 مليون طن من القمح سنويا معظمها مستورد. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

ويتسبب التصحر وتآكل التربة ويرجعان جزئيا الى التغير المناخي وسوء الادارة في عواصف ترابية تضاعفت في الاعوام الاخيرة مما يعطل الحياة في بغداد ويمثل مخاطر صحية على سكانها البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة. وقال عامر شاكر حمادي وهو نائب رئيس لجنة بوزارة الزراعة لمكافحة التصحر ان الرياح تحمل التراب ومعظمه من الصحراء في الغرب والشمال الى العاصمة.

وقال لطيف وكيل وزارة البيئة ان بغداد واجهت 122 عاصفة ترابية عام 2008 و82 عام 2009 في ارتفاع عن ثلاث او اربع فقط في العام مسجلة في السبعينات. وفي الحقبة السابقة لم تكن العواصف الخانقة تستمر لأكثر من 12 ساعة. الان يمكن أن تغلف المدينة لما يصل الى 36 ساعة.

وبفضل نهري دجلة والفرات سيكون العراق واحدا من دولتين عربيتين فقط ستجتازان اختبار ندرة المياه والذي يحصل خلاله كل فرد على 1000 متر مكعب من المياه خلال الخمس سنوات القادمة وفقا لتقرير أصدره هذا الشهر المنتدى العربي للبيئة والتنمية.

وقال علي هاشم مدير عام اللجنة الحكومية المسؤولة عن مشاريع المياه والصرف ان التغير المناخي والتغير في درجات الحرارة والجفاف جعل دول المنبع تعتمد على ري أراضيها من النهرين وأنه نتيجة لهذا تأثرت حصة العراق في مياه نهري دجلة والفرات. وتقول وحدة التحليلات والمعلومات ان 92 في المئة من مجمل المياه العذبة بالعراق تستخدم في الري او انتاج الغذاء.

وأعدت وزارة الزراعة خطة قيمتها 70 مليون دولار وافق عليها رئيس الوزراء نوري المالكي لتحسين الري لمليوني فدان من الأراضي المزروعة بالقمح. وتتطلب مكافحة التغير المناخي والتكيف معه جهودا على نطاق مختلف.

كارثة بيئية في سوريا

من جانبها قامت قبيلة عنيزة برعي الجمال في أراض تغطيها الرمال شمالي نهر الفرات منذ ظهور الإسلام ولكن نقص الماء جعل أسلوب حياتها ذكرى بعيدة. وأدى الجفاف خلال السنوات الخمس الماضية لنفوق 85 في المئة من الماشية في شرق سوريا حيث عاشت قبائل عنيزة منذ القدم.

وغادر ما يصل الى نصف مليون نسمة المنطقة في واحدة من اكبر موجات الهجرة الداخلية في سوريا منذ ان استقطعت فرنسا وبريطانيا الدولة من الإمبراطورية العثمانية في عام 1920.

وساهمت الآبار التي حفرت بطرق غير مشروعة لري محاصيل القمح والقطن المدعمة في تدمير مخزون المياه الجوفية. وتحولت المزارع التي تعتمد على الأمطار الى ارض قاحلة ودمرت أمراض مثل صدأ القمح المحاصيل هذا الموسم.

وخلال العقد الماضي أضحت الإمطار أكثر ندرة وتوضح بيانات رسمية ان متوسط كمية الأمطار المتساقطة نزل الى 152 ملليمترا من 163 ملليمترا في التسعينات و189 ملليمترا في الثمانينات. وتعرضت المنطقة لموجة حرارة غير مسبوقة هذا العام وتجاوزت درجات الحرارة 40 درجة مئوية لمدة 46 يوما على التوالي في يوليو تموز واغسطس اب.

وأصبحت سوريا مستوردة للقمح مما قوض سياسة الدولة الرامية لتحقيق اكتفاء ذاتي من الغذاء. وتتوقع نماذج المناخ ان تصبح المنطقة أكثر جفافا وتسودها درجات حرارة أعلى خلال القرن الحالي ويقول وزراء وسكان ان عوامل أخرى تسهم في تفاقم المشكلة.

الإدارة السيئة

وقالت وزيرة البيئة كوكب داية في مؤتمر للمياه في دمشق في الشهر الماضي ان التلوث لعب دورا في تدهور 59 في المائة من الأراضي الزراعية حيث استخدمت على نطاق واسع مياه صرف صحي غير معالجة في الري. ويقول سكان ان الفساد وسوء الإدارة هما السببان الرئيسيان للازمة ويشيرون لأراض تابعة للدولة وتدار بشكل سيء والى سياسات على غرار ما كان مطبقا في الاتحاد السوفيتي السابق الى جانب حفر قنوات ري تصل لاراض مملوكة لأشخاص ذوي نفوذ واسع في أراض أخصب في الغرب.

وقال احمد المهباش رئيس اتحاد الفلاحين الذي تدعمه الدولة بمحافظة الرقة "يبعد جب شعير ثلاثة كيلومترات فقط عن القناة ولكن انظر مدى جفاف الأرض في القرية." وأقامت الدولة شبكات ري في الشرق في السبيعنات وعززت الدعم المقدم لزراعة القمح والقطن مما اكسب حزب البعث الذي تولى السلطة منذ نحو 50 عاما تأييد القبائل.

لكن شبكة الري التي بناها السوفيت فشلت في ملاحقة النمو السكاني خلال العقود الثلاثة الماضية. وينمو تعداد سكان سوريا البالغ 20 مليون نسمة بمعدل 2.5 في المائة سنويا. وتشهد مدينة الرقة عاصمة المحافظة التي تحمل نفس الاسم والتي بناها الاسكندر الأكبر تراجعا مستمرا.

ويعطي سور المدينة المشيد على شكل حدوة فرس ومتحف داخل قصر يرجع لأيام الانتداب الفرنسي لمحة عن المدينة الجميلة التي كانت في فترة ما الخط الأمامي في المواجهة بين البيزنطيين والفرس وفي وقت لاحق اختارها الخليفة المنصور مؤسس بغداد والخلافة العباسية عاصمة ثانية بعد بغداد.

فوضى بيئية

وخارج المدينة يوجد جب شعير وهو معقل قبلي حيث تحول لون مياه نهر الفرات الى اللون البني بسبب مياه الصرف واسودت قطع من الأرض نتيجة الملوحة وتبدو كأنها غمرت بالزيت. ودمرت دودة القطن محصول القطن. وتنمو أشجار الزيتون والموالح متباعدة في أراض قاحلة حفر أصحابها أبارا بدون ترخيص. ويلمح مسئولون للحاجة لإصلاح نظام الدعم الزراعي الذي يحمله اقتصاديون مستقلون وخبراء مياه مسؤولية حالة الفوضى البيئية وتراجع موارد المياه. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقال وزير الزراعة ان دعم الأسمدة الغي مما ساعد على تقليص الفساد. وتفيد أرقام رسمية ان حصة الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي انخفضت عشر نقاط مئوية الى 13 بالمائة في السنوات الخمس الماضية. ولا زالت الزراعة تستهلك ما بين 90 و95 في المائة من موارد المياه في سوريا.

وساعدت الروابط القبلية مع السعودية أبناء قبيلة عنيزة على التكيف مع الجفاف بصورة أفضل من نظرائهم في الشرق والذين يعيشون الآن في إحياء فقيرة حول دمشق وحلب وحماة. واغلب سكان جب شعير من النساء والأطفال لان الرجال أما في السعودية او يحاولون الوصول إليها بحثا عن فرص عمل بسيطة. ويستشري الفقر والجهل بينما الخدمات الحكومية ضعيفة او منعدمة.

وتربي مريم الفلج خمسة أطفال بمفردها بعد ان وجد زوجها فرصة عمل كراع في السعودية بعد ان نفقت ماشيته. وتقول "لم يحصل احد أبنائي على أي تطعيمات لان مسئولي الصحة في الحكومة لم يعودوا يأتون الى هنا." وتتنامى التوترات الاجتماعية. ويجتمع أفراد القبيلة كل يوم في منزل شيخها غازي المحيمس للتعبير عن معاناتهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/تشرين الثاني/2010 - 20/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م