مَجْلِسُ النُوابِ وتأكِيدُ نَهْجِ المُحَاصَصَةِ

محمّد جواد سنبه

مساء الخميس 11/11/ 2010 ليلة خريفية جميلة، اجتمع فيها مجلس النواب العراقي بنصاب 295 عضواً، حضروا لعقد هذه الجلسة التاريخيّة. وأقول جلسة تاريخيّة، لأن لهذا المجلس صفات سيتندر بذكرها ليس اجيال اليوم من العراقيين فحسب، وانما الاجيال اللاحقة ايضاً.

 في هذه الجلسة بانت حقائق كان ينبغي أنْ لا تظهر للشعب العراقي بهذا الشكل. فبعد انقضاء (118) يوماً من انعقاد أوّل جلسة للمجلس، جاءت جلسة هذه الليلة، والعراقيون ينزفون دماً مهدوراً ظلماً وعدواناً، وينظرون إلى أولي الحل والعقد، بعيون تفيض بعبرات الاسترحام. جلسة يوم الخميس أو حسب رأيي (رزيّة يوم الخميس).

هذه الجلسة عكست بعمق، أنّ ما يقرره رؤساء الكتل السياسيّة، هو الذي ينفّذ حرفياً من قبل أعضاء مجلس النواب. لقد حَلُم الشعب العراقي منذ أكثر من نصف قرن، أنْ يحظى بنواب يعبّرون عن إرادته، لا أنْ يكونوا دمى تحركهم خيوط الكتل السياسية.

هذا النمط من النواب، يجسّد واقع تأصيل روح الولاء للحزب، وليس التعبير عن إرادة الشعب، وتلبية طموحاته وأمانيه المشروعة، في ظل نظام وصفه الدستور العراقي في مادته الأولى أنّه(جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ). فتمثيل إرادة الشعب بآليّة الديمقراطيّة، تشكّل روح الدستور العراقي، الذي ما عاد يحترم، ولم يصمد أمام الخرق، وهو لم يزل بعد في مهد التجربة. فما قيمة نظام جمهوري نيابي ديمقراطي يعزل فيه الشعب تماماً (بفعل الأعمال الإرهابية البشعة)، ويتولى رؤساء الكتل السياسية، توجيه الأمور وفق تصوراتهم واجتهاداتهم، وربّما بتأثير هذه الدولة أو تلك عليهم؟.

وإذا أضفنا لهذا السؤال اتهام الأحزاب السياسيّة بعضها لبعض علناً، بالولاء لقوى اقليميّة، وقوى أخرى عابرة للإطار الإقليمي للعراق. في هذه الليلة، كان الرئيس الأمريكي اوباما، ورئيسة الدبلوماسية الأمريكية السيدة كلنتون، ووزير خارجية بريطانيا وليم هيك، يراقبون خطى الحدث الجاري في العراق. وقد حرص اوباما بأن يكون متواصلاً مع الاحداث السياسيّة الجارية في العراق، وأخذ يوجّه رسائله الاتصالية من جنوب شرق آسيا، حيث كان يزور تلك الديار.

وكانت فضائية العربية تبث هذه الرسائل أوّلاً بأوّل، عبر الشريط المتحرك للاخبار منها:(العراقية: اوباما اكد لعلاوي اولوية التصويت على رئاسة مجلس السياسات الاستراتيجية وصلاحياته)، (العراقية: اوباما اكد لعلاوي انه ضمن شخصياً اقرار البرلمان صلاحيات المجلس كاملة خلال الايام الـ(15) المقبلة)، (اوباما لعلاوي: من صلاحيات مجلس السياسات الاستراتيجية الغاء أو تعديل قرارات هيئة "المسائلة والعدالة" تفعيل قرارات المصالحة الوطنية)، (علاوي يتلقى اتصالين من اوباما وبايدن بعد مغادرته مبنى البرلمان)، (تخصيص مئة مستشار لعلاوي)، (تخصيص فوجين لحماية علاوي).

هذا المشهد المفعم بالاثارات، يصوّر لنا أنّ امريكا نجحت بكسر شوكة ايران في التدخل في شؤون العراق، وبذلك حصلت موازنة بين الطرفين على أرض العراق، وإن كانت هذه الموازنة قلقة حسب معيار توازن مصالح القوى الدولية، إلاّ أنّها حسب نظرية (النواة القلقة) لهنري كيسنجر، بأنّها أحسن الفرص لإحراز السلام بيّن طرفين متنازعين، فكل طرف تحت هذه الظروف، يخشى الطرف الآخر، فيتحقق السلام وإنْ كان لفترة محدودة.

ويجب أنْ لا يغيب عنّا أنّ مجلس النواب كان في هذه الجلسة، مجرد مشهد صُوَري، يصادق على ما تمّ الاتفاق عليه من قبل الكتل السياسيّة. وخير شاهد على ما أقول، بمجرد انسحاب السيّد اياد علاوي من جلسة البرلمان، انسحب خلفه اعضاء القائمة العراقيّة. كما أنّ وسائل الإعلام نقلت، قبل انعقاد جلسة الساعة السادسة مساءً من يوم الخميس 11/11/2010، أنّ الاتفاق قد تمّ بيّن الكتل السياسيّة، باختيار السيّد أسامة النجيفي رئيساً للبرلمان، واختيار الدكتور قصي السهيل، والسيّد عارف طيفور نائبين له.

وبنفس الوقت اعلنت وسائل الإعلام، أنّ السيّد نوري المالكي سيتولى رئاسة الوزراء، والسيّد جلال طالباني سيتولى منصب رئاسة الجمهورية وحصل ذلك فعلا، ولكن بفارق بسيط، هو ظهور السيّد حسين الموسوي منافساً للسيد الطالباني، في مشهد مكشوف يبرز استخفاف السياسيين بعقلية الشعب العراقي.

في ظل هذه المتغيرات السريعة يظهر للعيان، أنّ مجلس النواب يبدو منذ البداية، مشلولاً أو فاقد السيطرة في اتخاذ قرار مستقلّ عن إرادة الكتل السياسيّة، وهذا يقودنا لإثارة الأسئلة التالية:

1. ما فائدة مجلس النواب إذا كان مسيّراً من قبل الكتل السياسية، التي جسدت عملياً مبدأ المحاصصات بكل انواعها واشكالها؟.

2. هل هذا الوضع يتعارض عملياً مع مبدأ فصل السلطات الذي نص عليه الدستور العراقي؟.

3. ألم تُتْرَك أكثر من مئة قانون بدون تشريع، من قبل مجلس النواب السابق، بسبب المواقف المتضادة للكتل السياسية؟.

4. ما الفرق بين المحاصصة السياسية والشراكة الوطنية، التي أصبحت تنادي بها الاحزاب مؤخراً، سوى ابدال عنوان المحاصصة بعنوان المشاركة الوطنية؟.

الاجابة على هذه الاسئلة توصلنا بشكل قاطع، إلى أنّ مجلس النواب في دورته الجديدة، ما هو إلاّ نسخة طبق الأصل عن الدورة السابقة، مع تبادل بعض المواقع، بدون إجراء أي تغيير في الفكر والمنهج، وهذا مالا يحقق آمال العراقيين على الاطلاق، وسيبقى الحال على ما هو عليه، مع ضياع مزيد من الوقت والمال.

اعتقد من الأصلح إلغاء مجلس النواب، والاستعاضة عنه بمجلس سياسي مصغّر، تتمثل فيه الكتل السياسيّة كل حسب استحقاقه، وبذلك نوفر لميزانية الشعب العراقي مبالغ طائلة، هي رواتب أعضاء مجلس النواب للدورة الحالية، اقلها توفير مبلغ (421) ملياراً و(200) مليون دينار لخزينة الشعب العراقي(هذا المبلغ حصيلة ضرب رواتب 325 نائباً في أربع سنوات). إضافة لذلك، فان الاستمرار بنهج المحاصصات، سيقتل داخل نفسيّة الفرد العراقي، الشعور بالمواطنة الصالحة، والانتماء للعراق. وعلى المدى المنظور، سيتحول ولاء الفرد العراقي، إلى نوعين من الولاءات هما:

أمّا الولاء للقوميّة والطائفة، وتقديمهما على الولاء للعراق، وهذه الولاءات يعبّر عنها وينادي بها هذا الحزب أو ذاك، كل حسب توجهاته القوميّة والطائفيّة، وبذلك ستبقى المعركة مستعرة بيّن الأحزاب، وسيبقى الشعب العراقي يدفع الثمن مالاً ودماً.

وأمّأ الولاء الثاني، فهو الولاء للذات فقط، وبذلك سيتحوّل الإنسان العراقي، إلى كيان لا يتورع عن استباحة القانون، والإيغال في اعمال الفساد والرشوة، من أجل تحقيق أكبر حصيلة من المنافع الشخصيّة، ضارباً عرض الحائط قضية الوطن والمواطنة والوطنيّة، وفي كلا الحالتين سيضيع العراق عاجلاً أم آجلاً.

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/تشرين الثاني/2010 - 16/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م