الثواب والعقاب من الناحية النفسية

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: في السنوات الأخيرة حاولت مجموعة من الباحثين في مجالات علم النفس والاجتماع الاستفادة مما ورد في الرسالات السماوية من مبادئ، حقائق، أحكام دينية، أفكار، قيم، اتجاهات، تعاليم أخلاقية في فهم وتحليل الطبيعة البشرية والسلوك الإنساني والاجتماعي.

إن علم النفس، "كان وما زال" من أكثر العلوم الإنسانية استفادة من هذه الحقائق والآراء والمبادئ، ذلك لأن موضوعه هو الحياة النفسية وما تتضمنه من أفكار ومشاعر وإحساسات وميول ورغبات وذكريات وانفعالات، ما يصدر عن الإنسان من أفعال وأقوال وحركات ظاهرة، كما يدرس أوجه نشاط الإنسان وهو يتفاعل مع بيئته ويتكيف لها.

لقد استفاد كثيرا علم النفس، خاصة ذلك المجال الهام منه والذي يدرس قدرة الفرد على التكيف، من الأديان السماوية وما تنادى به من قيم واتجاهات، ما تتضمنه من شرائع وأحكام، أنارت له السبيل نحو حياة أفضل.

فقد ورد في القرآن الكريم مثلا معاني كثيرة (للنفس) كانت مثار الكثير من الدراسات النفسية في مجال علم النفس. إن النفس في القرآن الكريم، هي مجمل الرغبات والأهواء والمشتهيات والمحرمات:

(إن النفس لأمارة بالسوء)، كذلك(سولت لي نفسي). إن هذا المفهوم أصبح مجالا لكثير من الدراسات النفسية المتصلة بدوافع السلوك، أو كما يطلق عليها بعض العلماء (الغرائز). هذه المفاهيم التي تؤدي بالإنسان الى اكتساب العقاب و الثواب، كيف استفاد منها علم النفس؟

تحدث القرآن الكريم عن الجنة والنار، وما تلك إلا وسائل للترغيب والتشجيع من جهة، أو للتخويف والتعذيب من جهة أخرى. إن الحديث عن الجنة في القرآن الكريم، ما هو إلا مظهر من مظاهر الثواب، في الوقت الذي نعتبر فيه الحديث عن النار والجحيم، عاملا من عوامل العقاب،

يقول الله سبحانه وتعالى في الجنة: (مثل الجنة التي وعد بها المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى).

أما جهنم هي شيء فضيع، قال الله تعالى عنها: (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ)، وقال تعالى: (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة).

ثم يشرح لنا الله سبحانه أكثر: (لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده).

إنه تخويف العزيز الرحيم من شيء سوف يحدث بالفعل وسيكون أسوأ من جميع ما قيل وكتب، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، إن العذاب حق، والثواب حق. فإذا استفاد علم النفس خاصة العقابي من فكرة الثواب والعقاب؟

لأجل أن يتم الثبوت والتحسن في الاستجابات التي يقوم بها الفرد، لابد من توفر عامل أطلق علماء النفس عليه عامل الجزاء beward ؛ فالاستجابات إذا لم تؤد الى نوع من الترضية أو الجزاء أو الإشباع، فإن الفرد لا يحاول تكرارها. يظهر ذلك بوضوح في التجارب الأولى التي أجراها العلماء على التعلم.

فالجزاء يعمل على إنقاص درجة التوتر التي تصاحب وجود الدافع، ووجود التوتر يسبب عدم الاستقرار الداخلي، من هنا تحدث الرغبة في التنفيس، تدفع تلك الرغبة الكائن الحي الى الحركة والنشاط لتغطية النقص الذي سببه التوتر. ثم يعود الجسم الى حالة الاستقرار والتوازن بعد حصوله على الجزاء، وهو عبارة عن إشباع الدافع الأول.

ليس من الضروري أن يكون الجزاء من ذلك النوع الذي يشبع الدوافع الأولية، بل هناك بجانب ذلك جزاء من مرتبة ثانوية، له أثره في التعلم. يتضمن ذلك التشجيع والثواب والمكافأة. وما تلك إلا أنواع أخرى من الجزاء تساعد على التعلم وتثبيته.: فمرتب الموظف وثناء الوالدين ورضى الرؤساء والمعلمين والنجاح في العمل... الخ، كل هذه العوامل، تثبت التعلم وتشجع على تجدده واستمراره، كما أن عدم توفر هذا العامل يعرقل التعلم.

يعتبر الجزاء في الأمثلة السابقة، من النوع الإيجابي والذي تكمن فيه فكرة الثواب بمعناها السيكولوجي.

إلا أن الجزاء ـ في الحياة ذاته ـ له جانب سلبي ضاغط وضابط للسلوك، غير محرر له. حسب هذا المفهوم يكون الجزاء بمعنى القصاص retribution وهو أول مبررات العقاب وأكثرها قدما. معناه أن الخطيئة لا تمحى حتى ينال الجاني جزاءه الحق ومبدؤه أن العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص.

لذلك نرى سلوكيات الأفراد ند تعريض فكرهم الى مسألة عقاب وثواب الله عن مجمل أعمالهم يكون سلوكهم هادئ ومستقر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/تشرين الثاني/2010 - 16/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م