الاحياء العشوائية بين عجز الحكومة وضياع حقوق المواطنة

عدسة وتحقيق: عصام حاكم

 

شبكة النبأ: قصص وروايات وحكايا، ساقتها مشاهد البؤس والحرمان وما اكثرها في عراق الفقر والفقراء، وبطل قصتنا اليوم شاب عراقي في مقتبل العمر لا يملك من حطام الدنيا شىء وليس لديه مأوى سوى أن يفترش الارض ويلتحف السماء، مما اضطره هو وعائلته المكونة من ثلاث اولاد صغار وامرأه الى ان يركبوا موجة التجاوز على الارض املا في أن تقيهم تلك الفكرة غلاء بدل الايجار، ومن الغريب بمكان ان يتكأ هؤلاء، واقصد الفقراء منهم على صفائح الدهن الفارغة كي تقيهم من برد الشتاء وحر الصيف على اعتبارها هي المادة الاساسية التي يستند عليها اركان البيت المزعوم، لتوفرها في مكب النفايات وهي بمتناول اليد ولأنها تمثل مادة قيمة لتشييد الجدران الداخلية والخارجية، ولكن من المؤسف بمكان ان تأتي الرياح بما لا تشتهي تلك العائلة واصبح مصيرها مهدد بالانقراض والازالة تحت ذريعة المجمعات العشوائية وغير المنظمة.

وفي تلك اللحظة كان الرهان عصيبا وغير متوازنا لاسيما وان قاطني تلك البيوتات وفي الاعم الاغلب هم من البسطاء ومن عامة الناس وليس لديهم مسؤول يدافع عنهم او تتحول قضيتهم الى رأى عام وشعبي كما حصل في قضايا كثيرة ومنها قضية اجتثاث بعض البعثيين من امثال ظافر العاني وصالح المطلك وبطبيعة الحال هذا مما أحرج واخرج بطل قصتنا عن دائرة الاعتدال واوحي اليه بضرورة تفعيل دورة الابوي حيث اعاد زوجته واولاده الى بيت اهلها ليعود مسرعا الى فناءه المتواضع ليصب من على رأسه الى اخمص قدمه مادة البانزين ومن ثمة يعلن نهايته الابدية على مسرح الوجود وما كان على الحاضرين والمشاهدين من معاشر الرجال الا الوقف دقائق وساعات صمت على تفصيل تلك القصة المؤلمة والحزينة والمأساوية الا ان النسوة، قد آثرنه على أنفسهن أن يسحقنه لهوات الموت والنار بأجيج دمعهن مع الاستعانة بسياط العويل والنياح، ليسدل الستار عن قصة مفادها بحث الانسان عن وطن يأويه.

على الانصاري، احد جيران المتوفي قال، "لست بخبير قانوني ولا املك الدراية الكاملة في النظم الوضعية والسماوية ولكن من البديهي جدا الاعتقاد بالمسلمات على اعتبارها ذات طابع وجودي، وهي تمس حالة المساواة بين الناس ولا توجد فروقات بين شخص وأخر فليس من المعقول والمنطقي ان نسمح لأعضاء في البرلمان الى امتلاك اراضي ومساحات واسعة وبقرارات رسمية وحكومية، ونفس الشيء ينطبق على اعضاء الحكومات المحلية وفي كافة المحافظات، في حين لسنا معنين بمعاناة المواطنين، ونعتبرهم متجاوزين لبنائهم دار تأويهم، بعد ان عجزت دولتهم عن توفيره لهم".

واضاف الانصاري خلا حديثه لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، "هذا خلاف لمبدأ المواطنة التي هي عنوان اساس لبناء الدولة العصرية، وحتى مجرد مفردة او ما يصطلح حاليا بـ(المتجاوزين) كلمة جارحة، هدفها الاساء الى المواطن البسيط".

وينوه ايضا، "الحكومة تمارس التمييز والطبقية، التي بداءنا نشاهدها على نطاق واسع بشكل مباشر".

اما حسين جاسم مواطن يعتقد بأن مفردة التجاوز لا تعني التجاوز على الارض الا انها تعالج حالة التجاوز على القانون وقد تبدو اشكالية امتلاك الاراضي من غير ترخيص رسمي في نفس الزاوية بحسب رايه، فقال، "ربما تشمل موضوعة التجاوز كل الامور الاخرى الواردة في هذا السياق، علما بانه من المؤيدين لقرارات الدولة فيما يخص موضوعة الاجهاز على ظاهرة التجاوز على الاراضي لاسيما وان من بين المتجاوزين من يمتلك اكثر بيت وهناك من يمتلك بيت واحد الا انهم يفضلون خيار التجاوز على امل ان تغض الدولة الطرف عن تلك الهجمة وتمرر مشروع المتجاوزين على الاراضي".

واضاف خلال حديثة لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، "لكن قناعاتي الشخصية تميل الى ضرورة تدقيق سجلات المتجاوزين وان تتعامل الدولة بحزم مع من يمتلك بيت هو او زوجته وتعيد النظر في حسباتها اتجاه من لا يمتلك مأوى، شريطة ان توفر له مساحه معين من الارض حتى وان اقتضى الامر في مكان ما، وهذا حل سليم ويرضي كل الاطراف ولا يشكل خرق للحقوق المدنية التي يتمتع بها المواطن العراقي فمن حقه ان يمتلك قطعة ارض في وطنه وهو واجب وطني وانساني وحكومي محتم".

الى ذلك قال عقيل الميالي وهو رجل اكاديمي مختص في مجال الاقتصاد، "أتصور بأن قضية التجاوز رسالة ذات معاني متشعبة، فهي من جهة توحي بحالة التنامي السكاني اضف الى ذلك تتناول مسألة انشطار العوائل بعدما كانت في عهد الطاغية كل مئة متر يتنازع عليها جيل الاباء والابناء والاجداد".

واضاف، "وهناك ربما بعدا اخر يتمثل بظاهرة الهجرة والتهجير التي شكلت عبئا اضافيا على بعض المناطق بسبب الوضع الامني، وفي ظل كل تلك التراكمات هناك ثمة طرفين في القضية وهما المواطن والدولة، فالأول واعني المواطن كان فوضويا على حد كبير مما اوجد مئات الاحياء العشوائية مما جعل الدولة امام مشكله ومعضلة عمرانية، لا يمكن مقاوماتها او الاستجابة اليها بفعل الضغوط العمرانية".

وتابع مع (شبكة النبأ المعلوماتية)، "اما بالنسبة للمؤسسات الحكومية هي ايضا واقعة في شراك التظليل وعدم وجود رؤية سليمة من شأنها الحد من تلك الظاهرة او القضاء عليها، على الرغم من ان الحلول بسيطة وبمتناول اليد، لاسيما ونحن نعلم علم اليقين بأن الكثير الكثير من الاراضي غير مستغلة، خصوصا تلك التي تقع خارج حدود المدن والقصبات هذا مما يعطي للدولة فرصة للمناورة ومحاولة احتواء المواقف لصالح تخصيص قطعة ارض بحدود معينه لكل مواطن لا يمتلك دار وهناك ثمة لوائح واشتراطات اصولية يمكن اتباعها في مثل هكذا موضوع".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/تشرين الثاني/2010 - 16/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م