القوقاز والارهاب... حواضن محاذية تقلق أوروبا

 

شبكة النبأ: أن الصراع في القوقاز عميق ومعقد لا تحسمه آلة عسكرية، خصوصًا أن قوى كبرى لن تدعمَ حسم المعركة من جانب موسكو أو إخراج المقاتلين المناوئين لها بشكلٍ تام من المشهدففكرة عودة روسيا بالرداء السوفيتي لا تروقُ للكثيرين، بل ينبغي استمرار استراتيجيَّة استنزافِها ومقايضتها على ملفاتٍ عديدة، مثل الدرع الصاروخيَّة والنووي الإيراني ومصير الصراع مع جورجيا وتوسيع الناتو شرقًا، ومن ثَمَّ فيمكن غض الطرف عن استعادة المقاتلين المناوئين لأرضيتِهم وقضّ مضاجعها وإدخالها في أتون صراع دام قد تخسر من ورائه موسكو الكثير، غير أن الخاسر الأكبر سيكون الشعب، والذي سيدفع وحدَه فاتورة الصراع بين الغرب وموسكو ورغبة بعض الأطراف في إشعال معركة قد لا يبدو تحقيق النصر فيها واردًا.

من جانب آخر تفجر النزاعات القومية والدينية خاصة في طاجيكستان التي تتمثل من طوائف مختلفة حيث يمثل الطاجيك حوالي 58% والأوزبك 23% من جملة السكان والتتار 2.5% وإلى جانبه أقلية من القرغيز. وتشكل هذه الجماعات مسلمي طاجستان أما الروس والأيرانيين فتصل نسبتهم حوالي 15%.

التقرير التالي يبين مايجري على الساحة من مواجهات في مختلف الجوانب الدينية والارهابية.

مواجهة التشدد

تقول شويرا شاتمانوفا ان ابنها البالغ من العمر 21 عاما يشعر بالحرج عندما يظهر برفقتها في العلن لانها لا ترتدي الحجاب. وولدت شويرا ونشأت في طاجيكستان عندما كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي السابق لكنها تشعر بشكل متزايد أنها غريبة في وطنها.

ومبعث خوف شويرا مثلها مثل الكثيرين في طاجيكستان هو أن يصبح تفسير أكثر تشددا للاسلام في الجمهورية الواقعة في اسيا الوسطى والتي يصل عدد سكانها الى 7.5 مليون نسمة تربة خصبة للمتشددين الذين يعبرون الحدود من أفغانستان.

وقالت شويرا وهي ممرضة تبلغ من العمر 53 عاما لا أعارض على الاطلاق ارتداء النساء للحجاب... أعارضه فقط عندما ترفض من ترتدين الحجاب وأزواجهن أمثالي وهذا هو ما يحدث. حسب رويترز.

ويزيد الفقر المزمن وقمع الدين على غرار ما كان يحدث أيام الاتحاد السوفيتي من نمو الاسلام الاصولي في أجزاء من اسيا الوسطى وهي منطقة علمانية تقطنها أغلبية من المسلمين وتقع بين روسيا وايران وأفغانستان والصين.

ويقول محللون أمنيون ان متشددي اسيا الوسطى الذين حاربوا مع حركة طالبان في أفغانستان قد يحاولون استغلال الاضطراب السياسي والانقسامات العرقية حتى يكون لهم موطيء قدم في وادي فرغانة الذي تتشابك به حدود ثلاث جمهوريات سوفيتية سابقة.

وفي قرغيزستان تكافح الحكومة المؤقتة للسيطرة على المنطقة المضطربة جنوب البلاد منذ وصولها الى السلطة في ابريل نيسان بعد الاطاحة بالرئيس السابق كرمان بك باقييف. وقتل قرابة 400 شخص في اشتباكات ضارية في يونيو حزيران.

وتتأهب السلطات في طاجيكستان أيضا حيث يبلغ متوسط الاجر الشهري 80 دولارا فقط بعدما أعقب أول تفجير انتحاري تشهده البلاد منذ خمس سنوات كمين أسفر عن مقتل 23 جنديا على الاقل كانوا في طريقهم لحراسة الحدود التي يسهل اختراقها.

وقال بول كوين جادج مدير مشروع اسيا الوسطى في المجموعة الدولية لمعالجة الازمات ومقره بشكك عاصمة قرغيزستان ستنجذب أي حركة تخريبية لاختبار مدى ضعف النظام.

وكان رد طاجيكستان هذا العام على تهديد متصاعد للتمرد هو سجن أكثر من مئة عضو في جماعات محظورة لاتهامات بالتامر للاطاحة بالحكومة.

وانتقد امام علي رحمانوف رئيس طاجيكستان في الاونة الاخيرة اتجاها متناميا في موضة الملابس بين النساء اللاتي أصبحن ينبذن الزي الوطني ويرتدين الحجاب وحث الاباء والامهات على سحب أولادهم من المدارس الدينية في الخارج وقال انهم سيصبحون  ارهابيين.

وقالت حكومة طاجيكستان ان اسلاميين متشددين أجانب بينهم مرتزقة من باكستان وأفغانستان والشيشان يقفون وراء الكمين الذي وقع في منطقة وادي راشت كما ألقت باللوم أيضا على ميليشيات قاتلتهم في حرب أهلية في التسعينات من القرن الماضي.

وقال كريستوفر لانجتون وهو متخصص مستقل في شؤون المنطقة ان تركيز رحمانوف انتباهه على معارضيه السابقين أيام الحرب الاهلية يعني تجاهله لجذور تشدد اسلامي جديد.

وقال لانجتون رحمانوف -وبتشجيع من مستشاريه الروس- راض عن اتباع نهج سوفيتي يضرب بيد من حديد ومن غير المرجح أن يعالج الاسباب الحقيقية للتشدد المتنامي.

وأضاف زرعت البذور في الشباب العاطل الذي كبر في السن منذ الحرب الاهلية في طاجيكستان والذي يرى الطريقة التي يجري بها قمع اباؤه وأمهاته... ويستمد هؤلاء الشباب النشاط من حركات التمرد في باكستان وأفغانستان.

وقال أورخان جمال وهو أستاذ في العلوم السياسية يعيش في موسكو وكتب عن المنطقة ان طاجيكستان تواجه معضلة فهي اما أن تتحالف مع روسيا التي ساعدت رحمانوف على الانتصار في الحرب الاهلية أو أن تتجاوب مع مخاوف أمريكية وبريطانية من انتشار تمرد اسلامي.

وأضاف في اشارة الى تردد الكرملين في ارسال قوات الى قرغيزستان "لدي شعور بأن روسيا لن تتورط في مساعدة طاجيكستان مثلما فعلت في التسعينات.

وعلى الجانب الاخر هناك الولايات المتحدة وائتلافها الذي يحارب في أفغانستان والذي يشعر بقلق كبير بسبب الاسلمة السريعة لدولة أخرى في المنطقة.

ومن التهديدات التي تواجه المنطقة عودة الحركة الاسلامية في أوزبكستان وهي جماعة متشددة تربطها صلات بتنظيم القاعدة وحارب أعضاؤها المنفيون لسنوات في أفغانستان.

وأعلنت الحركة الشهر الماضي تولي زعيم جديد يدعى عثمان عادل قيادتها بدلا من طاهر يولداشيف الذي قتل في أغسطس اب 2009 في هجوم صاروخي لطائرة أمريكية دون طيار بالقرب من الحدود بين باكستان وأفغانستان.

وقال كوين جادج "طالما لم تعلن (الحركة الاسلامية في أوزبكستان) تغيير خططها للتركيز على اسيا الوسطى فان طاجيكستان وقرغيزستان ستظلان بعيدتان عن بؤرة اهتمامها.

لكن اذا غيرت الحركة استراتيجيتها وأعلنت حربا شاملة في اسيا الوسطى فسنكون أمام وضع جديد تماما.

ولا يعتقد خوجي أكبر توراجونزودا الذي كان نائبا لزعيم المعارضة الطاجيكية الموحدة التي حاربت الحكومة أن طاجيكستان ستشهد حربا أهلية أخرى لكن المفتي الاعلى السابق يقول ان الكثير من المسلمين غاضبون.

وأضاف بغض النظر عن المشكلة يلقى اللوم على الاسلاميين... وهذا يجعل ممن لا يفعلون شيئا جيدا أبطالا.

وقال توراجونزودا لرويترز انه يؤيد أن تكون الدولة علمانية على غرار ماليزيا أو اندونيسيا أو الهند.

وقال لا أؤيد الاسلمة. أؤيد طاجيكستان علمانية على ألا تكون ضد الدين. وللاسف يرى الناس هنا العلمانية على أنها ضد الدين.

دعوة  لسحب تلاميذ

من جهته حث رئيس طاجيكستان امام علي رحمانوف أولياء الامور في بلاده التي يغلب على سكانها السنة على سحب أولادهم من المدارس الدينية في الخارج وهو نداء يعكس المخاوف من تأثير التطرف الاسلامي.

وقال الرئيس في تصريحات وجهها لعمال مصنع للنسيج في بلدة قرب الحدود مع أفغانستان وبثها التلفزيون انه يشعر بالقلق من أن يعود أبناء طاجيكستان الذين يتعلمون بهذه المدارس الى الديار ارهابيين.

وأضاف الى كل اولياء الامور الذين يرسلون ابناءهم ليتعلموا في مدارس دينية بالخارج.. أود ان اطلب منكم وأحثكم على اعادتهم الى أرض الوطن لان معظم هذه المدارس ليست دينية. حسب رويترز

وتابع اولادكم سيصبحون متطرفين وارهابيين وسيتحولون الى أعداء وخونة للامة الطاجيكية.

ولا يستطيع معظم سكان طاجيكستان تحمل تكاليف ارسال أبنائهم للدراسة بالخارج هذا لكن ايفاد الابناء للتعلم في دولة مثل السعودية يعتبر دليلا على المكانة الاجتماعية الرفيعة وعادة ما يحظى الطلاب العائدون باحترام شديد.

وكانت لجنة الشؤون الدينية بالحكومة قد قالت قبل شهرين ان هناك عشرات الطاجيك الذين يدرسون بمدارس وجامعات دينية في الخارج.

ويقول محللون ان تفاقم الازمة الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية يدفع الطاجيك نحو التشدد الاسلامي مما يهدد الاستقرار في البلاد العلمانية البالغ عدد سكانها سبعة ملايين نسمة.

وتراجع الناتج الصناعي بنسبة 6.3 في المئة العام الماضي في طاجيكستان احدى افقر الجمهوريات السوفيتية السابقة.

دعوة للتخلي عن الزي الاسلامي

وانتقد الزعيم الطاجيكستاني ما لاحظه من انتشار للزي الاسلامي في بلاده الواقعة في وسط اسيا والتي تدين الغالبية فيها بالاسلام. جاء ذلك في كلمة وضح فيها المخاوف بشأن انتشار الاسلام المتشدد.

وقال الرئيس امام علي رحمان مخاطبا الطلاب في الجامعة الوطنية الطاجيكستانية انه قلق من أن النساء الشابات يتخلين عن الزي الوطني ويرتدين غطاء الرأس الديني.

وأضاف في الكلمة التي أذاعها التلفزيون في شوارع العاصمة وطرقها الرئيسية أرى المزيد من الفتيات والنساء يرتدين الزي الديني مقلدات بذلك أسلوب ملابس دول أخرى. حسب رويترز.

وأضاف كونوا شاكرين لهذا البلد وممتنين على الحضارة والثقافة اللتين تخصان هذا البلد العتيق. واذا أحب أي منكم طريقة اللبس في بعض الدول الاخرى فسأبعث بكم الى هناك.

وشنت طاجيكستان حملة أمنية ضد أي من ملامح الاسلام المتطرف أو المعارضة السياسية. وكثيرا ما اعتقلت السلطات وحبست أعضاء في حركات اسلامية لا تعترف بها الحكومة.

وفي هذا العام وحده سجنت طاجيكستان أكثر من مئة شخص بتهم الانتماء الى جماعات محظورة وكثيرا ما تصفهم الحكومة بأنهم متطرفون يسعون للاطاحة بالحكومة. وسعت السلطات أيضا لاغلاق المدارس الدينية غير المسجلة.

وجاءت كلمة رحمان بعد تصريحات أذاعها التلفزيون في 25 أغسطس اب دعا فيها أولياء الامور الى سحب أبنائهم من المدارس الدينية في الخارج قائلا انهم سيصيرون متشددين وارهابيين.

ويقول محللون ان المصاعب الاقتصادية المتفاقمة والمشاكل الاجتماعية تدفع الطاجيكستانيين صوب الاسلام المتشدد مما يهدد الاستقرار في البلد العلماني ذي السبعة ملايين نسمة.

وأقال رئيس طاجيكستان جميع قيادات الأجهزة الأمنية تقريبا بعد أكثر من أسبوع من فرار 25 متشددا اسلاميا من السجن في اشتباك مسلح مع الحراس. وقد اعتقلت السلطات أول سجين من المتشددين الفارين.

وقتل السجناء المسلحون وبينهم روس وأفغان متهمون بالتخطيط لمحاولة انقلاب في الدولة السوفيتية السابقة خمسة حراس في تبادل لاطلاق النار قبل فرارهم من مركز اعتقال في العاصمة دوشنبه الاسبوع الماضي.

وقال مصدرأمني لرويترز ان سجينا كان قضى فترة في السجن العسكري الامريكي في جوانتانامو اعتقل في عملية خاصة ببلدة فاخدات على بعد 20 كيلومترا شرقي دوشنبه.

وأضاف أن السلطات تشتبه في أن ابراهيم نصر الدينوف ساهم في التخطيط لعملية الهرب. وتابع أن مسلحا ثانيا مشتبها به محاصر في منزل بقرية قريبة. حسب رويترز

وتشن الحكومات في الجمهوريات السوفيتية السابقة في اسيا الوسطى حملات على ما تعتبره تطرفا متزايدا في المنطقة التي يغلب على سكانها المسلمون وذلك بعد تصاعد الاشتباكات بين قوات الامن وجماعات مسلحة.

وقال المكتب الصحفي التابع للرئيس امام علي رحمن ان سيمومين ياتيموف سفير طاجيكستان السابق لدى بلجيكا عين رئيسا للجنة الامن الوطني وهي جهاز أمن الدولة الذي خلف جهاز المخابرات السوفيتية السابق (كيه.جي.بي) في طاجيكستان.

وياتيموف هو المسؤول الامني البارز الوحيد الذي أفلت من الاقالة. وكان انضم للجهاز الامني قبل عدة أشهر نائبا لرئيسه.

وشغل سلفه خير الدين عبد الرحيموف المنصب لمدة 11 عاما. وذكر المكتب الصحفي للرئاسة ان عبد الرحيموف طلب اعفاءه من منصبه.

وكان السجناء الهاربون من بين 46 شخصا أصدرت المحكمة العليا في طاجيكستان في أغسطس اب الماضي أحكاما بسجنهم لفترات طويلة بسبب اتهامات بالتخطيط للاطاحة بالحكومة.

ومن بين هؤلاء أربعة أفغان وستة روس من جمهوريتي داغستان والشيشان بمنطقة القوقاز. وكانوا اعتقلوا جميعا في يوليو تموز 2009 في شرق البلاد الذي كان مسرحا لحرب أهلية طاحنة في العقد الاخير من القرن الماضي.

مقتل عشرة متمردين

من جانبها اعلنت السلطات المحلية الروسية ان عشرة متمردين اسلاميين وشرطيا قتلوا خلال عمليات خاصة قامت بها قوات الامن الروسية في جمهوريتي القبردي بلقار وداغستان الروسيتين في منطقة القوقاز.

وقال متحدث باسم المكتب المحلي لجهاز الامن الفدرالي (اف اس بي) في نالتشيك عاصمة القبردي بلقار بحسب ما نقلت عنه وكالة ريا نوفوستي للانباء ان خمسة مقاتلين اسلاميين قتلوا خلال عملية عسكرية بينهم ارسين خاجبييف زعيم عصابة كان يخطط لارتكاب اعتدءات ارهابية جديدة. وتابع المصدر نفسه ان العملية العسكرية بدات وانتهت ولم تقع اي اصابات في صفوف قوات الامن التي شاركت فيها.

وفي داغستان قال مسؤول في وزارة الداخلية بحسب ما نقلت عنه وكالة ريا نوفوستي للانباء ان ثلاثة مقاتلين قتلوا في منطقة كارابوداخكنتسك، كما قتل اثنان اخران خلال عملية قامت بها قوات الامن. واوضح ان شرطيا قتل ايضا خلال هذه المواجهات. حسب فرانس برس

واضاف المسؤول نفسه ان احد المتمردين القتلى كان في عداد المجموعة التي دبرت الاعتداء المزدوج الذي استهدف مترو موسكو في التاسع والعشرين من اذار/مارس واوقع اربعين قتيلا. وتابع ان ديمتري كانيلوف المولود العام 1969 هو وفق المعلومات الاولية القناص وخبير المتفجرات في مجموعة فاغابوف.

وكانت اللجنة الوطنية المناهضة للارهاب اعلنت في الحادي والعشرين من اب/اغسطس قتل محمد علي فاغابوف في داغستان وهو زعيم للمتمردين تدور الشبهات حول احتمال ان يكون مدبر الاعتداءات على مترو موسكو.

وقالت وزارة الدفاع الروسية إن ثلاثة أشخاص على الاقل قتلوا وأصيب 33 اخرون عندما اقتحم مفجر انتحاري يقود سيارة ملغومة معسكرا للجيش في اقليم داغستان بجنوب روسيا.

وحاول الانتحاري أن يقود سيارة من طراز لادا تحتوي على نحو 50 كيلوجراما من المتفجرات الى ميدان للرماية حيث كانت وحدة تابعة للجيش تقيم معسكرا خارج بلدة بويناكسك على بعد حوالي 50 كيلومترا الى الغرب من العاصمة المحلية ماخاتشكالا.

لكن الجنود سدوا طريق الانتحاري بشاحنة عسكرية مما حال دون هجوم قال محققون انه كان سيسفر عن سقوط اعداد أكبر بكثير من الضحايا لو كان المهاجم قد وصل للخيام التي كان ينام فيها مئات الجنود.

وذكرت وكالات أنباء روسية أن خمسة جنود يصارعون الموت في مستشفى. ووصل وزير الدفاع الروسي أناتولي سيرديوكوف الى بويناكسك.

وتسعى روسيا جاهدة لاحتواء تصاعد في الهجمات بالاقليم الذي تسكنه أغلبية مسلمة من جانب متمردين نقلوا حربهم في مارس اذار الى قلب الارض الروسية بتفجيرات دامية في مترو موسكو.

ويقول زعماء محليون ان مزيجا من خصومات العشائر والفقر والتطرف الاسلامي والعنف الذي تمارسه أجهزة الامن دفع الشبان الى أيدي المتمردين الذين يرغبون في اقامة دولة تطبق الشريعة في منطقة القوقاز.

وقال محمد سلام محمدوف رئيس اقليم داغستان في تصريح لمحطة تلفزيون ( فيستي 24) المملوكة للدولة "علينا أن نعترف أنهم (المتمردون) حافظوا على قدراتهم القتالية ويردون على جهودنا بضربات جريئة. حسب رويترز

ووردت أنباء متضاربة عن عدد القتلى في الهجوم الانتحاري. ونقلت وكالة الاعلام الروسي الحكومية عن مصادر في أجهزة انفاذ القانون في داغستان ان خمسة على الاقل قتلوا في الهجوم. كما نقلت عن مصدر قوله ان الواقعة كانت نتيجة خرق للاجراءات الامنية المتبعة.

وأضاف اجتنب وقوع خسائر كبيرة في الارواح لمجرد أن واحدة فقط من العبوتين الناسفتين انفجرت.

وتقدمت منطقة داغستان الروسية على مناطق مجاورة باعتبارها مركزا للعنف في شمال القوقاز هذا العام بعد موجة من التفجيرات وحوادث اطلاق النار.

وأصيب بيك ميرزا بيك ميرزاييف وهو وزير محلي مسؤول عن الشؤون الوطنية والدينية والخارجية في داغستان وقتل سائقه في انفجار سيارة ملغومة.

مقاومة النزعة الاسلامية

وفي ظل الأطار الديني يطل المشهد من مسجد قرية نارداران الكبير المصنوع من الحجر الرملي على شبه جزيرة أبشيرون وبحر قزوين مصدر ثروة أذربيجان.

ويحدد الالتزام بالدين الاسلامي طبيعة الحياة في نارداران القرية الساحلية المتربة التي تحمل جدرانها نقوشا لايات قرانية والتي يمثل الدين فيها متنفسا لمشاكل اجتماعية في الجمهورية السوفيتية السابقة التي يحكم النظام قبضته عليها.

لكن الدين هنا أسلوب حياة يحاول أن يبقى في ظل النظام العلماني للرئيس الهام علييف الذي يستمد قوته من مخزونات النفط والغاز الكبيرة في بحر قزوين.

وقال الحاج اغا نورييف وهو من كبار السن في قرية نارداران ورئيس سابق للحزب الاسلامي المحظور في أذربيجان انهم أغنياء. لكنهم خائفون. حسب رويترز

ومثل باقي دول الاتحاد السوفيتي السابق سواء ذات الاغلبية المسيحية أو المسلمة فان أذربيجان التي يسكنها تسعة ملايين شخص أغلبهم شيعة شهدت انتعاشة دينية محدودة منذ سقوط الشيوعية قبل نحو عشرين عاما.

وزاد عدد المواظبين على الصلاة في اذربيجان الى نحو 10 في المئة من السكان وفقا للاحصاءات. لكن بالنسبة للغالبية فان الدين ليس محددا للهوية حيث ترتدي النساء في المنطقة الغنية بوسط العاصمة باكو تنورات قصيرة.

لكن حكومة أذربيجان تعتزم السيطرة على النزعة الدينية نظرا لطبيعة دول الجوار المحيطة بها.

فإلى غرب أذربيجان تقع تركيا التي يجب أن تستوعب الدولة العلمانية فيها تأثيرات دينية محافظة والى الجنوب تقع جمهورية ايران الاسلامية وإلى الشمال اقليم داغستان التابع لروسيا والذي يشهد حركة تمرد اسلامية معارضة لموسكو.

وأحبطت باكو عدة محاولات من اسلاميين لتفجير قنابل في السنوات القليلة الماضية كانت تستهدف سفارات غربية ربطت بينها وبين ايران.

ويبدو أن دبلوماسيين غربيين متعاطفون مع جهود علييف لاستئصال أي توجه نحو الاصولية في أذربيجان الدولة الموردة للطاقة والتي تمر عبر أراضيها امدادات للجيش الامريكي بأفغانستان.

لكن جماعات معنية بالحقوق تقول ان الوسائل التي تستخدمها باكو في هذه الجهود عنيفة وتجيء في اطار تضييق الخناق على حرية التعبير التي يرى فيها النظام تحديا محتملا له.

وبالنسبة للعديد من مسؤولي أذربيجان الذين نشأوا في مناخ علماني فإن ترسيخ الشخصية الاسلامية يتعارض مع رؤيتهم لتحديث بلادهم.

وقال الجار ابراهيم اوغلو النشط في مجال حقوق الانسان وهو امام مسجد يمكنك أن تشعر اليوم برهاب الاسلام بين المسؤولين لكن كل الامور تعود الى مشكلة نقص الحرية والحقوق والمشاكل العامة للديمقراطية.

وهدم العام الماضي مسجدان قالت السلطات انهما شيدا بطريقة غير قانونية وأغلق مسجدان اخران على الاقل في باكو ومن بينهما مسجد أبو بكر الذي ظل المصلون يصلون فيه الى ان قصف عام 2008 مما أدى الى مقتل اثنين منهم.

ونسب الهجوم الى راديكاليين في شمال القوقاز. وانتهت عملية اصلاح المسجد لكن أبوابه لاتزال مغلقة.

وتنص اجراءات حكومية تنتقدها جماعات تنادي بالحرية الدينية على أنه يجب على كل الجماعات الدينية تسجيل أسمائها لدى (اللجنة الحكومية للعمل مع المنظمات الدينية) وأن تنسق معها التعاليم التي تدعو لها.

وقال شيخ الاسلام الله شكور باشزاده رئيس اللجنة لرويترز  أسرة علييف توفر كل الاوضاع الضرورية لنمو الاسلام في أذربيجان. ودافع عن الاجراءات ضد مجموعات وصفها بأنها "تنتهك القانون.

وسعت نارداران منذ زمن الى أن يكون للاسلام دور سياسي في أذربيجان لكن الدولة ترى يدا لايران في ذلك. ونشبت أعمال شغب بسبب مستويات المعيشة في القرية عام 2002 وقتل شخص في عملية للشرطة استمرت أياما كان هدفها استعادة النظام. ويقول سكان ان الشرطة لم تعد تدخل القرية.

وسواء كان التصدي للنزعة الاسلامية في أذربيجان ناجما عن قلق حقيقي أو كان محاولة لخنق صوت جديد للمعارضة فان محللين يحذرون من أن اتخاذ الحكومة اجراءات صارمة للحد من هذه النزعة قد يأتي بنتائج عكسية.

وقال ابراهيم اوغلو الحد من الحقوق يجعل المؤمنين يبدأون في التفكير في قضايا اجتماعية أكثر خطورة مما سيؤدي الى جعلهم راديكاليون. وهذه مشكلة كبيرة.. كبيرة جدا.

احتفالات سوفيتية

من جهة أخرى احتفل اقليم ترانسدنستيرا الانفصالي في مولدوفا بذكرى مرور 20 عاما على اعلانه الاستقلال من جانب واحد في مراسم شبيهة بالاحتفالات في الاتحاد السوفيتي السابق.

وسارت الدبابات في استعراض للقوة في الشارع الرئيسي في عاصمة الاقليم الذي لم يلقى اعترافا دوليا بانفصاله وتتفادى روسيا حليفه الاساسي اقامة علاقات وطيدة معه.

وأشاد ايجور سميرنوف زعيم الاقليم الانفصالي بروسيا لابقائها قواتها في الاقليم كضامن لاستقراره وهاجم الفاشيين القوميين في مولدوفا. حسب رويترز

والاقليم شريط من الارض يمتد بطول حدود مولدوفا الشرقية مع أوكرانيا وسكانه 600 ألف نسمة .

ولكن سميرنوف الذي يحكم الاقليم منذ انفصاله عن كيشيناو في عام 1990 قال ان حالات مثل اقليم كوسوفو وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا في جورجيا أوضحت أن الزمن في صالح ترانسدنستيرا.

وقال لدينا المقومات اللازمة للاعتراف بنا.

ولا يرى المحللون أي احتمال لتحقيق انفراج في مشكلة اقليم ترانسدنستيرا وهي احد أربعة صراعات "مجمدة" تخلفت عن تفكك الاتحاد السوفيتي.

وقال زعماء الانفصاليين المتحدثين بالروسية انهم انفصلوا بالاقليم خوفا من اتحاد مولدوفا مع رومانيا التي تربطها بها وشائج لغوية وتاريخية وثقافية مما يتركهم محاصرين في بيئة غريبة.

وخاضت القوات الانفصالية حربا قصيرة مع مولدوفا في عام 1992 قتل فيها عدة مئات قبل الاتفاق على وقف لاطلاق النار.

ولم تسفر المحادثات التي تجرى منذ فترة طويلة بشأن ترانسدنستيرا برعاية منظمة الامن والتعاون في أوروبا وروسيا وأوكرانيا عن شيء. وكذلك لم يكن لمحاولات مولدوفا ممارسة ضغوط اقتصادية على الاقليم الصغير تأثير كبير.

وأصدرت الحكومة في كيشيناو عاصمة مولدوفا بيانا عشية احتفال الاقليم بانفصاله تحث فيه الحكومات الاجنبية على عدم المشاركة في الاحتفالات قائلة ان الاقليم يخضع لقوات تريد الحفاظ على الاتحاد السوفيتي القديم.

ورفض وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف دعوة لحضور الحفل لكنه أرسل سفيره من كيشيناو.

مقتل قاض اتحادي

من جانب آخر قالت السلطات الروسية ان مسلحين قتلوا بالرصاص قاضيا اتحاديا روسيا في اقليم بشمال القوقاز يواجه اضطرابات نتيجة تمرد اسلاميين.

وقالت لجنة التحقيق التابعة لمكتب المدعي الاقليمي انه جرى اطلاق عدد من الاعيرة النارية على القاضي جولبر بيكوف أمام منزله في كاباردينو بلكاريا. وتبحث الشرطة عن المسلحين المجهولين.

واقليم كاباردينو بالكاريا أحد أربعة أقاليم في شمال القوقاز تابعة لروسيا وشهدت هجمات من حين لاخر تستهدف السلطات منذ العقد الذي أعقب اطاحة قوات اتحادية بانفصاليين من السلطة في الشيشان في الحرب الثانية بين حربين مدمرتين أعقبتا سقوط الاتحاد السوفيتي.

ويواجه الكرملين تمردا اسلاميا متزايدا على الحدود الجنوبية لروسيا عبر جبال القوقاز من أذربيجان السوفيتية السابقة الى جورجيا وأرمينيا والتي تمثل مسارا استراتيجيا لصادرات موارد الطاقة ببحر قزوين المتجهة غربا.

والعنف متقطع وأقل حدة في كاباردينو بالكاريا عنه في أقاليم شمال القوقاز الواقعة الى شرقه مثل الشيشان وداغستان والانجوش لكنه في زيادة. حسب رويترز

وفي أواخر الشهر الماضي قال مسؤولون ان قوات الامن قتلت خمسة متشددين كانوا متحصنين داخل مبنى سكني بالعاصمة الاقليمية نالتشيك.

وتجري محاكمة عشرات ممن يشتبه أنهم من المتشددين بخصوص هجوم استهدف مباني للشرطة والحكومة أدى الى تحول نالتشيك الى ساحة حرب لمدة يوم في أكتوبر تشرين الاول عام 2005 .

وأكد زعماء روس على الحاجة الى الاستثمار في شمال القوقاز حيث يقول نشطاء مدافعون عن حقوق الانسان ان الفقر والفساد وقسوة القوات الحكومية عوامل تذكي العنف وتدفع المسلمين الشبان الى التطرف.

وقالت وكالة انترفاكس للانباء ان بيكوف (46 عاما) كان ضابط شرطة من 1984 الى 2005 قل أن يصبح قاضيا.

انتحاري يفجر نفسه

من جهتها ذكرت وكالات انباء روسية ان انتحاريا فجر نفسه في اقليم داغستان الروسي بشمال القوقاز مما ادى الى اصابة 26 شخصا على الاقل.

ونقلت تاس عن مسؤول محلي عن انفاذ القانون ان المهاجم فجر نفسه بعد الاقتراب من الشرطة التي كانت تحرس موقعا مغلقا حيث اشتبكت قوات الامن قبل ساعات مع متشددين مشتبه بهم.

وذكر التقرير ان الانفجار الذي وقع في ساعة متأخرة من الليل ادى الى اصابة 13 ضابط شرطة و13 مدنيا . وقالت تقارير اخرى ان 30 شخصا اصيبوا.

وكان مجهولون قد قتلوا مديرة مدرسة بالرصاص في منزلها في داغستان في حين لقي 12 اخرون مصرعهم في حوادث اطلاق نار بانحاء متفرقة في شمال القوقاز.

ويستعر تمرد اسلامي في منطقة شمال القوقاز ذات الاغلبية المسلمة حيث يريد متمردون يشعرون بالغضب من الفقر ويغذيهم فكر الجهاد العالمي اقامة دولة مستقلة تحكمها الشريعة الاسلامية. حسب رويترز

وقالت انترفاكس نقلا عن اللجنة الوطنية لمكافحة الارهاب ان المفجر اقترب من منطقة اغلقتها الشرطة في محاولة لعزل مجموعة من الاسلاميين المشتبه بهم. واضافت ان اثنين من المتشددين وشرطيين قتلوا قبل تعليق العملية بعد حلول الليل.

ويشهد شمال القوقاز هجمات شبه يومية بعد مرور عقد على الاطاحة بالانفصاليين من السلطة في الحرب الثانية من حربين شهدتهما الشيشان المجاورة لداغستان يستهدف معظمها الشرطة والقوات الحكومية الاخرى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/تشرين الثاني/2010 - 8/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م