كرسي... كراسي

حين ترتاح مؤخراتنا... ويشقى الاخرون بنعيمنا

اختيارات: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الكرسي هو قطعة أثاث تستخدم في الجلوس، ويتكون من مقعد وظهر وأحيانا ذراعان. متى صنع الكرسي بشكله المعروف؟ قاعدة مربعة او دائرية وتحتها اربعة قوائم؟

هناك من يقول انهم المصريون وهناك من يعتقد انهم اسرة تانغ الصينية، او هو رجل تعب من الوقوف على قدميه فصنع الكرسي ليستريح.

وقف العراق على قدميه طيلة ثمانية شهور، حتى كان يوم 11/ 11 / 2010 يوما تاريخيا على حد وصف الرئيس جلال طالباني في كلمته امام الجالسين على مقاعد البرلمان في القاعة الدستورية بعد ان جلس زعماء الكتل على كراسي مصيف الرئيس مسعود بارزاني في اربيل وعلى كراسي مقره الشتوي في بغداد، واتفق الرؤساء الثلاثة على الكراسي السيادية للحكومة القادمة.

يقول ابن منظور في( لسان العرب ) عن الكرسي:

(الكُرْسِيّ: معروف واحد والكَرَاسِي، وربما قالوا كِرْسِيّ؛ بكسر الكاف. وفي التنزيل العزيز: وسِعَ كُرْسِيُّه السمواتِ والأَرض؛ في بعض التَّفاسير: الكُرْسِيّ العِلم وفيه عدَّة أَقوال، قال ابن عباس: كُرْسِيُّه عِلْمُه، وروي عن عطاء أَنه قال: ما السموات والأَرض في الكُرْسِيّ إِلا كحَلْقة في أَرض فَلاة؛ قال الزجاج: وهذا القول بَيِّنٌ لأَن الذي نعرِفه من الكُرْسي في اللغة الشيء الذي يُعْتَمَد عليه ويُجْلَس عليه فهذا يدل على أَن الكرسيّ عظيم دونه السموات والأَرض، والكُرْسِيّ في اللغة والكُرَّاسة إِنما هو الشيء الذي قد ثَبَت ولزِم بعضُه بعضاً.

قال: وقال قوم كُرْسيّه قُدْرَتُه التي بها يمسك السموات والأَرض. قالوا: وهذا كقولك اجعل لهذا الحائط كُرْسِيّاً أَي اجعل له ما يَعْمِدُه ويُمْسِكه، قال: وهذا قريب من قول ابن عباس لأَن علمه الذي وسع السموات والأَرض لا يخرج من هذا، واللَّه أَعلم بحقيقة الكرسيّ إِلا أَن جملته أَمرٌ عظيم من أَمر اللَّه عز وجل؛ وروى أَبو عمرو عن ثعلب أَنه قال: الكرسيّ ما تعرفه العرب من كَرَاسِيِّ المُلوك).

وكان أهل الشرق القدماء يجلسون غالباً على الأرض أو الحصر أو السجاد كعادة بعض الشعوب الآن أيضاً. ولكنّ العبرانيين الأغنياء أخذوا يتكئون على الأسرة وقت الأكل شأن ملوك أشور، وكانت تلك أيضاً عادة اليونان والرومان. وكان العبرانيون يستعملون الدواوين والكراسي، وكانت الكراسي مقاعد وعروشاً للملوك، فكان كرسي سليمان عظيماً مزخرفاً أكثر من سائر الملوك وكان مصنوعاً من عاج مغشى بالذهب وله ست درجات على كل منها أسد من هنا وأسد من هناك، اثنا عشر أسداً كعدد الأسباط الاثني عشر. ووراء الكرسي رأس مستدير وبجانب كل من يديه أسد.

وكان الملوك إذا جلسوا على الكراسي يلبسون الثياب الملكية. وقد تستعمل لفظة الكرسي للدلالة على المُلك، بل قد تستعمل مجازاً للدلالة على مُلك الله. وجاء في العهد القديم ان السماء كرسي الله. وان الرسل سيجلسون على اثني عشر كرسياً مع المسيح على كرسي مجده. ويراد بكرسي موسى سلطته التعليمية. والمكان الذي كانت تقرأ منه كلمات التوراة وقت العبادة.

وقد تعددت الكراسي واختلفت باختلاف احجامها وأماكنها:

فهناك كراسي الانتظار، وكراسي المحاكمات، وكراسي الزوار، وكراسي العزاء، وكراسي الأفراح، وكراسي المهام، وكراسي الموظفين، وكراسي المدراء، وكراسي الرؤساء.

ومثلما البشر طبقات، الكراسي طبقات ايضا. فللفقراء كراسيهم الخاصة، لهم كراسي (التاتات)، و(الكيات) المليئة بالتراب والدهن والمفخخة بعض الاحيان ولهم الكراسي النحيفة في مديرية الامن (الملغاة) وكراسي المندوبين في الصحف وكراسي حراس البنايات وبوابي الاطباء وكراسي الانتظار على باب الله.

وللأغنياء كراسيهم الخاصة ايضا، فلهم كراسي (البطة) و(الشبح)، وكرسي الطائرة وكرسي (طويل العمر)، وكراسي رؤساء التحرير ورؤساء مجلس ادارة الصحف وكراسي مدراء الشركات المساهمة والغير مساهمة.

ولأعضاء الحكومة كراسيهم ايضا، فهناك كراسي الاحزاب والجمعية الوطنية وكرسي (الهمر)، وكراسي الوزارات والحكومة.

كما ان هناك كراسي مشتركة تجمع الغني بالفقير مثل كرسي الحلاق، وكرسي طبيب الاسنان

كتب د. أحمد السري في نص قصصي له:

ها هو أخيراً في منصة القاعة، في المكان الذي رغب أن يجربه ولو لحظة على الأقل، وها هو كرسيه المألوف خالٍ بين المقاعد الممتلئة بالناس. كان لابد أن يصوب نظرةً إلى حيث كان يقعد ويظل صامتاً محدقاً في المنصة وفي اللا شيء. لم تكن تثيره أبداً هتافات الجموع في القاعة، وطالما اندهش في تلفته وهو يرصد حماساً حقيقياً في الوجوه، وأصواتاً تُطلق من الأعماق. كان دائم الهدوء، غائباً في تفاصيل الأشياء، و نادراً ما استشعر لوماً داخلياً لقلة إحساسه بما يدور رغم حرصه على حضور كلِ مناسبةٍ ويسابق للحصول على الكرسي رقم 48 في الصف الخامس من القاعة.

في كتابه (كراسي) يحكي يوسف معاطي في ‏200‏ صفحة من القطع الصغير حكايات عشرة كراسي متنوعة‏.‏ كرسي القطيفة أو الأونتيك الذي يحمل اسم أحد ملوك فرنسا‏،‏ وكرسي الملك الصغير توت عنخ آمون الذي دوخ العالم بفنون محتويات مقبرته‏،‏ وكرسي البيت الأبيض الذي شهد وسمع ماجري بين بيل كلينتون ومس مونيكا التي تمكن من صرفها سريعا قبل أن تدهمه هيلاري وتشم بخبرة الزوجة رائحة خيانة زوجها. وكرسي الموظف الصغير المصنوع من الخيزران في مكتب صغير من الصاج مفتوح أحد أدراجه لمن يريد‏!.‏ وتتعدد الكراسي وتتنوع‏.‏ من كرسي في أحد المطاعم إلي كرسي الساكن الذي يمر علي بيته أحد الرؤساء إلي الكرسي المتحرك‏.‏ عشرة كراسي بعشر حكايات تحمل كل صنوف الدراما‏،‏ لكنها تصب جميعها في أنها منتزعة من الحياة‏.‏

(من كثرة ما يحدث على الكراسي رأيت أن الكرسي هو أفضل شاهد على ما يحدث حولنا وما يصدر من أصحابها، ومن خلال فصول الكتاب قدمت حكايات يرويها كل كرسي عن صاحبه).

هكذا قال يوسف معاطي في حفل توقيع كتابه الجديد (كراسي) الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، ويتناول فيه علاقة الكراسي بالأشخاص الذين يجلسون عليها، حيث منح معاطى الكراسي في كتابه صوت البطولة.

ومن خلال تلك الكراسي يرصد معاطى مظاهر العشوائية والتخبط، والفساد والمتاجرة فى البـشر وبيع البنـات الصـغيرات للسائحين العرب.

وباعتقاد المؤلف فإن الكرسي لن يكون ساعيا إلى الشهرة أو إلى المجد الأدبي ولن يصبح مغرما بتصفية الحسابات، فالكرسي مجرد شاهد عاصر أحداثا وسيتكلم عنها بحياد تام، وهكذا ينتهي دور معاطي لتبدأ الكراسي في الحديث!.

كرسي خرزان

تحت هذا العنوان يكتب معاطي عن الرشوة لدى الموظفين التي أصبحت مصدرا جديدا للرزق الآن.

كرسي الرئيس

ويتحدث كرسي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في المكتب البيضاوي حين رأى أشباح كراسي الرؤساء السابقين روزفلت، وكنيدي، وترومان وقالوا له: أول شئ يجب أن تتعلمه وتدركه تماما أن الكراسي لا تدوم في هذا المكان أربع سنوات فهي المدة المسموح لك بالبقاء فيها هنا.

يمكن أيضا أن تمتد إلى ثماني سنوات إذا حافظ الجالس فوقك على وجوده هنا، بعدها سيلقون بك في متحف البيت الأبيض ليتفرج عليك الشعب الأمريكي ويلتقطون لك صورا كما فعلوا بنا.

التجارة بالزواج!

تحت عنوان (كرسي خشب والقعدة قش) يحكي كرسي آخر عن بيع الفتيات المصريات للأثرياء العرب نظير مبلغ متفق عليه ويروي الكرسي كيف اشمئز حين حدثت أمامه أو فوقه تلك الصفقة المشينة.

فساد وزاري

في (كرسي طلياني) نرى الغش والفساد الوزاري فالكرسي هنا كرسي جلد طبيعي أسود فاخر يزينه زخارف ونقوش رائعة في الظهر والقاعدة، فهو باختصار كما يصف نفسه قطعة فنية فريدة، تم جلبه من بلد المنشأ إيطاليا ليعرض في معرض موبيليا راق بمصر واشتراه وزير بخمسة وعشرين ألف جنيه.

كرسي مذهب

وهو الكرسي الذي أثار أزمة ين مؤلف الكتاب يوسف معاطي وخبراء الآثار حيث أن الكرسي المذهب هو كرسي العرش للملك الشاب توت عنخ آمون الذي كاد (هوارد كارتر) الأثري الإنجليزي الذي اكتشف مقبرة الملك أن يغشى عليه حينما نزل إلى المقبرة لأول مرة ورآه واقفا منتصبا بين كل الكراكيب الأخرى التي تركها الملك في مقبرته، هذا ما حدث عام 1924 ومنذ ذلك التاريخ صار هذا الكرسي الأشهر على وجه الأرض.

وعن كراسي الحكم العربي يكتب غازي عبد السلام تحت عنوان (مأزق الكرسي العربي) كرسي السلطة في الوطن العربي. كرسي في مأزق تاريخي ومغلوب على أمره من دون كافة كراسي الحكم في الأمم الأخرى. إذ من السهل علي أي مغامر نكرة أو أمير غير معروف اعتلائه فجأة والاستحواذ عليه أطول فترة ممكنة، إلا أنه وفي منتهي الفاجعة والتراجيديا، يتدحرج من فوقه - غير مأسوف عليه - ليحل مكانه جندي مغبون أو أمير آخر.

ويتساءل الأديب السعودي فهد درة الحارثي: لماذا تمارس الكراسي لعبة الدوران؟ ولماذا نلعب مع الكراسي تلك اللعبة الموسيقية؟

من الذي يلعب بالآخر، هل نحن نلعب بالكرسي أم أن الكراسي هي التي تلعب بنا؟ ولماذا نلعب مع الكراسي تلك اللعبة الموسيقية؟ من الذي يلعب بالآخر، هل نحن نلعب بالكراسي أم أن الكراسي هى التي تلعب بنا؟

- عندما نمتطي الكرسي من يمتطي الأخر؟ نحن أم الكرسي!!

ويكتب الدكتور خالد القحص:

يري الساخرون ان للكراسي تأثيرها الطاغي علينا نحن البشر من دون استثناء فهي تتدخل في صياغة تشكيل شخصيتنا وطريقة تفكيرنا ونظرتنا للآخرين ونظرتهم إلينا بل وللكراسي تأثير لا يقاوم علي سلوكياتنا وأفعالنا فنحن علي الكراسي لنا امتيازات علي عكس أن نكون بدونها. ويبقي الكرسي بلا منازع هو الأهم.

 نتذكر ونحن صغار أننا كنا نتسابق إلي سيارة الوالد لكي نحتل الكرسي الأمامي، وكنا نتشاجر بالصوت والصورة باللكمات والشتائم علي من له الأحقية !! الذي يسبق أم الأكبر سنا بيننا من الأولاد والبنات، وبغض النظر عن الجنس كان الأكبر هو الذي له حق الجلوس في المقعد الأمامي.

 كنا نشعر بأن من يركب إلي جوار مقعد القيادة بالسيارة هو الأفضل والأحسن والأقرب إلي قلب الوالد مع أن إحصائيات المرور تؤكد بأن الكرسي الأمامي أخطر من الكراسي الخلفية ومع كل ما قيل في مسألة الخطر الذي يهدد الجالس علي الكرسي الأمامي في السيارة وغيرها من مجالس السيطرة ظل هذا الكرسي يستحق كل هذا العناء وما أكثر الذين ماتوا عليه أو استماتوا من أجله.

 وتقدم الكاتبة فاطمة الشيدي رؤية سوسيولوجية حول الكرسي، إن المجتمعات الوظيفية الواعية تفترض حالتان من التعامل مع الكراسي:

الأول: وظيفية الكرسي القائمة على مقابل مادي تجاه شغله له، و التي تعني بالضرورة خدميته، بمعنى أن صاحبه (أي كان هذا الكرسي) في موضع الخدمة لكل من له حاجة عنده.

الثاني: منصبية الكرسي وليس من يشغله، بمعنى أنه مكان شاغر للجلوس عليه لفترة من الزمن، لا يلصق بأحد، ولا يلصق به أحد، فهو وظيفي الحال لكل من يشغله، بل هذا لا يتعدى فترة جلوسه اليومي لمن يشغله، وحين يقوم من عليه يكون خارج المسؤولية أو السلطة المتاحة له، فالكائن يغادر وظيفته إلى ذاته ومجتمعه.

ومن موسوعة (بيضيپيديا) نختار هذا المقطع:

كرسي السلفية كرسي بلاستيكي وهابي تم صنعه في السعودية وتم تصديره الى العراق، عادة يجلس عليه كفار مسالمون من امريكا او الفلبين او بنغلاديش من العاملين مع الأمم المتحدة الزنديقة، ويعقب الجلوس على هذا الكرسي عادة حفلة ذبح على الطريقة الوهابية.

كرسي الجيش العربي كرسي يجلس عليه رئيس عرفاء يجد صعوبة في كتابة اسمه لانه لم يكمل تعليمه الابتدائي وضباط يقرأون علينا كراسات رديئة الطباعة اكثرها ترجم عن نظريات عسكرية طبقها الالمان والحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية وخلال المواجهة في ستالينغراد.

وفي سيكولوجية الكراسي يكتب طاهر الدويني:

كرسي الحلاق – في العادة – وثير لا تنقصه الوجاهة ولا الراحة، وفوق ذلك كله فإنه يشعرك متى أسلمت نفسك للحلاق بأهميتك، فمن خلال يتسنى لك أن ترى عبر المرايا المثبتة أمامك وخلفك تقاطيع وجهك وتضاريس رأسك في مختلف الأوضاع من الأمام والجانبين ومن القفا أيضا، يزيد من أهمية كرسي الحلاق وقوفه ذاته وهو ينكب علي رأسك أو ذقنك يشدها أو يقصرها أو ينعمها بالعطور أو المراهم.

أثناء الحلاقة لابد وأن إحساسا ما قويًا تشعره يكبر في داخلك، إنك إنسان ذو أهمية خاصة حتي لو كنت في قرارة نفسك لا تملك القناعة بأنك أهل أو تستحق هذه المكانة، تستطيع مثلا أن تملي الأوامر للحلاق باختبارك لنوع القصة التي تروق لك ونوع التسريحة التي تحبذها والمقدار الذي ترغبه من قص شعرك وأن يغير الموس أو الشفرة إذا ما عن لك ذلك.

والحلاق بالطبع لا يملك إلا أن يمتثل لما تأمره به وكل هذا بالطبع نظير أجرته المتفق عليها، وهو يقبل ولا يناقش لأنه يعتقد لا شعوريا بأن ما يقوم به هو من صميم عمله وواجبه مفترضًا من الأساس أن زبونه على حق طالما سيدفع الأتعاب، وهذه السيكولوجية بالطبع يرفعها الحلاقون من باب الغريزة في كل أنحاء الدنيا ولذا فهم لا يجادلون الزبائن.

إن امتثال الحلاق لما تأمره به يعكس من جانب آخر وهو ما تحسه أيضا بأنك تملك الحلاق ذاته والكرسي أيضا، لكن هذا الإحساس بطبيعة الحقائق لا يدوم طويلا فبمجرد اقتراب الحلاق من الانتهاء من عمله سرعان ما يتبدد هذا الوهم لتعود من جديد لاكتشاف أنك لا تملك الكرسي ولا صاحبه، وأن كرسي الحلاق عمره قصير، ولأن الجميع يدركون هذه الحقيقية فلن يعود بوسع أحد ممن يجلسون علي كرسي الحلاق البقاء فيه لا الحلاق الذي ينتظر الزبون التالي ولا الزبون الذي لابد أن تكون له مشاغل أخرى يود إنجازها بعد الانتهاء من مراسم الحلاقة.

هذا ما يتعلق بكرسي الحلاق وسيكولوجيته، لكن كرسيا من نوع آخر يملك سيكولوجية خاصة تشد المرء إليه حتي ليتمنى أن يجلس فيه وعليه إلى الأبد، إنه كرسي ساحر مغر، وما أكثر هؤلاء الذين يقعون تحت سحره ويفتنون به أكثر من افتنانهم بالغيد الحسان، بل أكثر من أي شهوة في الحياة الدنيا.

الأسباب التي تدفع مثل هؤلاء الناس إلى التشبث بهذا الكرسي أكثر من أن اعد أو تحصي علي أن أهمها علي الإطلاق هو تلك الهالة التي يسبغها الكرسي على من يستحوذه ممزوجة بذلك الاحترام المصطنع من قبل الآخرين فضلاً عن حاجة الناس للخدمات والمصالح التي يفترض أن يهيئها من يجلس على الكرسي، أو التي يجنيها لنفسه من خلالها.

ثمة إذن قيمتان لصاحب الكرسي، قيمة مادية وأخري معنوية يصعب الفصل بينهما والإشكالية هنا حين يرتاح صاحب الكرسي إلى هذه الوضعية ويبني حساباته على أن بقاءه من الثوابت التي لا ينالها التغيير أو حوادث الزمان وحين يقبل بصورة أو بأخرى أن يعامل من قبل الآخرين على أنه والكرسي شيء واحد أو وجهان لعملة واحدة.

ولعل أبلغ تعبير في هذا الصدد ذاك الذي أورده الإمام علي (عليه السلام) حين قال: من ولاها (الولاية، المنصب، الإدارة) وهي أكبر منه كبرت في عينيه، ومن ولاها وهي أصغر منه صغرت في عينيه.

بهذه الكلمات الموجزة بالغة الحكمة يلخص لنا الإمام علي (ع)، مشكلة الكرسي وأصحابه وكأنه يريد أن يقول لنا: إن المقياس دائما هو الإنسان، فمتي كان صغيرًا في نفسه ركن إلي المنصب وغرته تلك المباهج والأوهام التي بصنعها ومتي كان كبير النفس عالي الهمة لم يترك فرصة لتلك الأوهام أن تستحوذ عليه وتسرقه من نفسه التي يعرفها أكثر من غيره.

وحول صاحب الكرسي، يمكن القول أن لصاحب الكرسي تواريخ ثلاثة، قبله واثناءه، وبعده. الأول يعرف فيه نفسه حق المعرفة ويدرك أنه مخلوق من طينة البشر، والثاني ينسى فيه نفسه ويكاد يصبح في مصاف الآلهة، والثالث مكان بين البشر والآلهة يعيش كالبشر، لكنه يتذكر ماضي الآلهة ويجتر تاريخه السابق.

وكلما تنوعت الكراسي. كلما تنوعت وسائل واساليب الوصول اليها، فهنالك كراسي يتم دفع ثمنها مسبقا. منها على سبيل المثال بعض الكراسي النيابية. التي كلفت بعض الجالسين عليها عشرات الالوف من الدنانير.

 نوع اخر من الكراسي يشترى بالسكوت، فما عليك الا ان تكون مشاغبا، او منظرا سياسيا. او بياع كلام، فتكون افضل وسيله لإسكاتك ان يؤتى بك الى كرسي من هذه الكراسي. فتريح وترتاح... وتنسى تلك الشعارات والخطابات الرنانة... وتلقي بها خلف ظهرك ولو الى حين.

 من تلك الكراسي ايضا ما تشترى بالولائم وما يرافقها من الكاس والطاس. حتى ولو اضطر اصحابها مراجعة البنوك. واستدانة تكاليف اقامتها على شرف فلان او علان. المهم النتيجة.

 نوع اخر من الكراسي يتم تحصيله من خلال النفاق والكذب واستعراض القدرات. ومسح الجوخ لمسؤول ما له تأثير مباشر او غير مباشر فيما تسعى اليه. اما ان تكون ابن المسؤول الفلاني او من المقربين اليه. خاصة اذا كان من محتكري احد المواقع الهامه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/تشرين الثاني/2010 - 8/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م