النقد الذاتي أساس التعلم

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: إن كثيرا من مطالب أصول الدين يشعر الفرد - بل حتى كثير من أهل العلم- بالحاجة إلى تعلمها سواء بالدراسة أو المطالعة أو المباحثة، وكذا الحال بالنسبة لكثير من الأحكام الشرعية.

كما أننا بأمس الحاجة الى تعبئة علمية لمعرفة كثير من الأحكام الشرعية وبالأخص تلك التي هي محل ابتلائنا، هكذا الأمر في مقام الهداية والإرشاد وتعليم الأحكام، ومواجهة أصحاب الديانات والمذاهب الباطلة والأفكار المنحرفة. هذا كله يعد من الواجبات العينية التي يجب على الفرد المسلم السعي لتعلمها.

هذا جزء من ما أفاض به سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) من الإرشادات التربوية والخلقية الكثيرة والمفيدة، اشتمالها على كلمات ووصايا قيمة تخاطب الناس كافة، منهم بالدرجة الأولى رجال العلم والدين من حوزويين وجامعيين، أساتذة وطلابا ومثقفين. انهم حملة رسالة، هدفها النقد للذات والتغيير من أجل المجتمع المسلم، ليتعافى من أمراضه التي تفتك به.

يقول السيد المرجع، لنخصص بعض أوقاتنا وبأقصى ما نستطيع لتعبئة أنفسنا بالعلم في كل مجال مشروع وفي مجال العلم الديني خاصة، ولنعلم أن موسم الدرس مناسبة جيدة، وإن التسهيل من الله تعالى.

لننتهز كل فرصة ولا نضيع حتى دقيقة واحدة، لنحمل معنا الرسالة العملية التي قراناها في أيام ماضية، رب كثير منا لا يتذكر كثيرا منها، أو رب أمور لم يعد كثير منا ملتفتا إليها، فإذا ما أتيحت له فرصة ولو بمقدار خمس دقائق، قرأ ولو صفحة واحدة منها، حتى إذا تكررت يكون قد تخلص مما كان عنده من جهل مركب في بعض المسائل، حيث كان يتصور انه يعرفها مع أنه لم يكن يعرفها على الوجه الصحيح.

إذا كان لديكم اهتماما بالعلم والمعرفة والثقافة، ليزدد، أن العلم والتغيير يعني النجاة من كل طارئ فإن الزمان قصير حقا نسبة لتلك الأمور.

أننا لا يمكننا أن نتهم كل من يريد إثبات شيء ما بالمراء؛ لأن نيته قد تكون سليمة وهدفه قد يكون صحيحا، لكن المهم أن نربي أنفسنا على تجنب المراء والجدال الذي لا يراد به وجه الله تعالى. هذا الأمر لا يتطلب دراسات عميقة بل تكفيه لحظات تأمل والتفات مع مراقبة النفس وضبطها.

إن الإنسان إذا تألم لا يمكنه أن يقول عبارات تكشف عن مدى تألمه، لكن إذا ربى نفسه تمكن أن لا يقولها بل يقول بدلا منها: لا حول ولا قوة إلا بالله.

لا شك أن التأوه بنفسه ليس مذموما بل ورد في الأحاديث أن المريض إذا تأوه كتب له فيه ثواب، لكن لا شك أيضا أن قول: (لا إله إلا الله) أكثر ثوابا إذا لا ينبغي أن ننهى مريض من التأوه، لكن حبذا أن يربي نفسه بحيث يهلل الله ويحمده ويسبحه ويكبره إذا نزل به مرض أو بلاء.

 نستطيع تركيز ملاحظات السيد صادق الشيرازي الهادفة الى التغيير من خلال بعض النقاط منها:

1- كيف نقوي العلاقة مع الله؟ لنحاول من الآن أن ندخل في عباداتنا روح التوجه والصدق شيئا فشيئا، ذلك بأن نلتفت الى معاني العبادة، مثلا: إذا وقفت بين يدي الله في الصلاة، وشرعت بقراءة سورة الفاتحة، فكر في معاني مفردات السورة واستحضر مفاهيمها، ولا تدع فكرك يهرب هنا وهناك، ولو حصل ذلك عد به سريعا ولا تدعه يسرح، لا تيأس لو خاتلك ذهنك مرة أو مرتين بل حتى خمسين مرة، واحرص على أن ترجعه الى حضيرته حتى يصبح حضور الذهن ملكة عندك، لتعي ما تقرأ وتتدبر في المعاني، فإذا قلت: (إياك نعبد) استحضرت في ذهنك أن العبادة لله تعالى وحده وأنك في حال أدائها، وإذا قلت: (وإياك نستعين) جددت استعانتك به في كل أمورك، خاصة في عبادته.

لا شك أن الإنسان العربي يفهم معاني هذه المفردات أفضل من غيره، لأنها في لغته وعنده انطباع عنها، فكيف إذا كان من طلاب العلوم الدينية وقد قرأ كتب النحو والصرف والبلاغة.

فهذا هو الأساس ؛ قال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، والتوفيق من الله تعالى بمقدار تقوي الرابطة بين الإنسان وبين الله تعالى يأتي التوفيق بنفس النسبة.

2- لماذا لا تروض نفسك؟ على الإنسان أن يحرص على تقوية علاقته مع المجتمع؛ وذلك عبر الالتزام بالأخلاق الإسلامية كالتواضع والبشر والكرم والعفو والرحمة وصلة الرحم.

إن هذه القيم الأخلاقية معروفة للجميع لاسيما أهل العلم وهي موجودة في المجتمع المتدين بنسب متفاوتة، لكن المطلوب تعميقها وترسيخها والاستزادة منها.

حاول أن تخالف هواك في كل الأمور، فإن كنت لا ترغب في أمر ما رغم اعتقادك بصوابه، حاول أن تخضع له بكل رحابة صدر. إن كنت مختلفا مع صديقك وواجدا عليه، حاول أن تصله بزيارة أو بإلقاء التحية عليه كلما لقيته. لا تبتئس إن لم يقابلك بالمثل ما دمت قد أديت ما عليك. فإن كنت تريد أن تصبح عالما ومرشدا ينبغي أن تكون قدوة في الخلق من حلم وكظم وغيظ وما شابه، لا أن تثور بسرعة أو تتوتر أعصابك لأتفه الأسباب.

تصرف أنت بالنحو الصحيح واستفد من حياتك بصورة صحيحة ولا يهمك بعد ذلك إن كان قد استفاد الآخرون منك ومن تعاملك معهم أم لا؛ فإن الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) المائدة/105.

نور العلم ليس حكرا على الأسر العلمية، بل قد يكون الشخص سليل عائلة علمية ولكن الله لا يمنحه هذا النور، وقد يقذف الله نور العلم في قلب ابن عطار أو مزارع أو بقال أو تاجر أو حمال..هذا يتضح لمن طالع تاريخ العلماء.

إذا، المطلوب علينا:

أ- أن نسعى لتحصيل ذلك النور الى جانب تلقي الدروس ومطالعة الكتب والحضور عند الأساتذة ؛ فإن المعلومات وحدها قد تجلب الغرور للإنسان، لنعرف ان الغرور ونور العلم لا يجتمعان، فلنحارب الغرور في أنفسنا ونتواضع لله سبحانه سائلين منه ان يجعل لنا لسان صدق في الآخرين.

ب - أن لا يستعظم الإنسان نفسه إذا ازداد علما، بل عليه أن لا يجد الخطأ ويتهاون، واجبه التغيير والإصلاح و إلا فإن الله محاسبه قبل المجتمع.

 ج - قد يكون الإنسان ذكيا ولا يدع أحدا من الناس يعلم أن فيه كبرا، لكنه هو يعلم ذلك من نفسه، فالله تعالى أعلم بما توسوس به نفوسنا، وكما ورد في وصية لقمان لابنه (الناقد بصير) وإنه سيكافأ كل منا على قدر إخلاصه الذي يثبت عند الله وليس الذي يدعيه الشخص أو يصوره للناس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/تشرين الثاني/2010 - 7/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م