ردود القراء في المواقع الالكترونية

الصورة والمرآة للمجتمعات العربية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تفرد الكثير من مواقع الانترنت العائدة لصحف او فضائيات او شبكات الكترونية خاصة مساحات كبيرة لردود القراء وتعليقاتهم حول المواد المنشورة.

وتتوزع المواد المنشورة على حقول عديدة ومتنوعة فهناك السياسي والاقتصادي والثقافي والفني والترفيهي والصحي وغيرها اضافة الى مقالات الراي والتحليل.

وتتفاوت طبيعة الردود حسب طبيعة القراء المرسلين لها وتوزعهم البلداني وخلفياتهم المذهبية والقومية والسياسية، اضافة الى اختلافها تبعا لاختلاف شخصيات اصحاب تلك الردود، فهناك ردود جدية وهناك ردود مازحة وغيرها ظريفة.

وحتى لغة الردود تختلف من قارىء الى اخر، هناك ردود تمتلىء بالاخطاء الطباعية واخرى تفيض بالاخطاء النحوية والاملائية، وهناك الردود المتسرعة او العصبية او المتشنجة او اليائسة او المتفائلة.

من مساحة الردود الواسعة التي تفردها الوسيلة الاعلامية على المواد المنشورة وطبيعتها ولغتها يستطيع الباحث ان يكتشف عددا من المعطيات والدلالات:

1 – توجهات الوسيلة الاعلامية.

2 – شخصية القارىء.

3 – انتماء القارىء المذهبي او الاثني او القومي.

4 – ثقافته، تحصيله العلمي، توجهاته السياسية، الى اخر ما يتعلق بالقارىء.

اكثر المواضيع التي تستقطب الردود والتعليقات ياتي في المقدمة منها:

1 – المواضيع المتعلقة بالجنس.

2 – المواضيع المتعلقة بالسياسة.

3 – المواضيع المتعلقة الدين.

وهذه المواضيع هي التي عرفت بالتابو الذي لا يجوز الاقتراب منه لانها تعد من المحرمات،

هناك بعض التداخلات التي تحدث في هذه المواضيع الا ان اللافت في هذا التداخل هو غلبة الديني على ما يتعلق بالجنس والسياسة وغلبة المذهبي والطائفي على ما يتعلق بالسياسي تحديدا.

هناك اكثر من طريقة لمتابعة هذا الموضوع والكتابة حوله، اما ان يقوم الباحث بمتابعة عشوائية لعدد من المواضيع عن طريق عناوين رئيسية في محرك البحث غوغل (جنس – سياسة – دين) او يقوم بزيارة مواقع محددة تهتم بنشر مثل هذه المواضيع ومتابعتها لمدة زمنية محددة وجمع الردود والتعليقات وتصنيفها.

في الطريقة الاولى وعلى سبيل المثال عناوين البحث على غوغل ستكون على الشكل التالي:

* الجنس في المجتمعات العربية.

* الجماعات الدينية في البلدان العربية.

* السياسة وحقوق الانسان في المجتمعات العربية.

او يقوم الباحث باختيار عدد من هذه المواقع وهي المعروف عنها اعطاءها مساحة واسعة لردود القراء وتعليقاتهم مثل موقع ايلاف او موقع العربية او الجزيرة او هيئة الاذاعة البريطانية البي بي سي او جريدة الشرق الاوسط او جريدة القدس العربي او جريدة الحياة وهي من كبريات المواقع والصحف التي يتابعها الكثيرون عبر شبكة الانترنت.

المواضيع الثقافية تحتل مرتبة متدنية في اهتمامات القراء ونستشف ذلك من فقر الردود والتعليقات عليها ان لم يكن انعدامها بالكامل رغم اهمية القضايا التي تثيرها وتطرحها.

المواضيع الفنية لها نصيب من الردود واحيانا يدخل العامل الطائفي عليها (المواد الفنية المنتجة في ايران – الاعمال الفنية المشتركة بين ايران وسوريا).

قضايا المرأة يدخل عليها العامل الذكوري في مجتمعاتنا العربية والنظرة الدينية المغلوطة نحوها ونحو قضاياها، المشاكل الاجتماعية (الدعارة – الطلاق – المخدرات – العنوسة) يدخل عليها العامل الطائفي او الوطني او حديث الطائفة الناجية او حديث الطهرانية الوطنية.

مواضيع حقوق الانسان وحقوق الاقليات تكشف عن الكثير من مديات اللا تسامح والاقصاء والتهميش.

مواضيع الانتماءات الوطنية يتداخل فيها التخوين والاتهام بالعمالة وغيرها.

المواضيع المتعلقة بالدين يدخل فيها تكفير الاخر والدعوة الى محاربته واهدار دمه والنيل من معتقداته وتسفيهها، تغيب عن هذه الردود، مسالة النسبية وامكانات التساوي والتوازن في الحقائق والافتراضات وتميل الى المطلق والجزم، فالحقيقة ثابتة وواحدة وقارة لا يمكن الحديث عما يخالفها او تخالف ما تعارف عليه من مطلقات.

المواضيع المتعلقة بالاشخاص تميل الردود عليها الى قمة المديح المبتذل او قساوة الهجاء المسف والى السباب والشتم والى تبادل الردح بين القراء.

تمتاز مقالات الراي باستقطابها للكثير من الردود والتعليقات.

وهناك مواضيع تاخذ الحصة الاكبر من مساحات الرد ود حتى لو كانت مواضيع الراي ماخوذة من مواقع اخرى.

فعلى سبيل المثال هناك باب في ايلاف يحمل اسم جريدة الجرائد وهو مختارات من مقالات راي لمواقع اخرى لصحف عربية او فضائيات كالشرق الاوسط والحياة والقدس العربي والعربية والجزيرة.

بالعودة الى المواقع الاصلية لتلك المقالات لا تجد عليها ردودا او تعليقات او مداخلات للقراء، كما هي غي ايلاف، مما يشي بان موقع ايلاف يتصدر ويتقدم على تلك المواقع في اجتذاب القراء والتفاعل معهم، وكمثال على ذلك ما يكتبه عبد الباري عطوان رئيس تحرير القدس العربي في صحيفته لا نجد ردودا عليه الا في موقع ايلاف وكذا القول بنسب متفاوتة على باقي الكتاب في جريدة الشرق الاوسط او الحياة.

وقد تؤشر مثل هذه الملاحظة لحقيقة مهمة وهي ان المواقع المنتجة لهذه المقالات ليست مقروءة بقدر المواقع الفرعية الناقلة عنها وقد يرجع ذلك الى الحرية التي تتيحها هذه المواقع مقارنة بالمواقع الاصلية.

تستأثر المواضيع السياسية والدينية والجنسية بالحصة الاكبر من الردود والتعليقات وتتسيد المرجعيات التاريخية والمذهبية والطائفية في الردود على مواضيع السياسة والدين وتنسحب احيانا الى الجنس بدرجة اقل خاصة اذا كان الموضوع يتناول زواج المتعة او المسيار او غيرها من انواع الزواجات، او اذا كان الموضوع يتناول ظاهرة اجتماعية مرتبطة بالجنس ولها علاقة بمنطقة معينة توجد فيها طائفة او مذهب معين.

معظم الردود والتعليقات تبتعد عن جوهر الموضوع المنشور ويحمّل الكاتب من الشروحات والاتهامات الجاهزة والقطعية مالم يقله في متن كلماته بل يحتكم اصحاب تلك الردود الى تقرير النوايا، نوايا الكاتب.

بعبارة اخرى نلاحظ طغيان الهامش (ردود وتعليقات القراء) على المتن (كلمات الكاتب وافكاره).

او تتحول الردود الى حفل من المديح المجاني لافكار الكاتب العبقرية وسعة افقه او بعد نظره (سلمت يداك – امتعنا قلمك – الى المزيد من هذه الافكار) او على العكس من ذلك فهو يهذي ولا يعرف ما يقول او انه متأمرك او متصهين او ملحد او ما شابه ذلك.

وماذا عن العراق وقضاياه في تلك الردود والتعليقات؟

ليست هناك من مواضيع تاخذ الحيز الاكبر من اهتمامات القراء وردودهم وتعليقاتهم مثل المواضيع المتعلقة بالعراق والتي تظهر فيها جميع علل وامراض العرب الفكرية والثقافية والمذهبية والطائفية.

تتشكل تلك المواضيع من قاسمين رئيسيين هما الشيعة – السنة.

يتفرع عنها الموقف من صدام حسين تاييدا او استنكارا ويستدعي ذلك التخوين والاتهام بالعمالة والغمز من قناة الفرس المجوس او قتلة الحسين واهل البيت.

في مواضيع العراق تتجلى الطائفية السياسية والمجتمعية في ابشع صورها مستمدة خطاباتها من هذا الارث الثقيل والتراكم التاريخي للعديد من النصوص المهملة وهي ليست اختلافا مذهبيا سليما فيه من دلائل الصحة اكثر من علامات المرض.

وقد نشر موقع عين تحقيقا حول ردود القراء وجد فيه:

تنامي ظاهرة المعلقين على المواد المعروضة بكثافة على المواقع الإلكترونية. بعض منهم صار يترقب سيلا من التعليقات التي تحاول النيل من كاتب المادة، وأخرى تسعى لإثارة النعرات، فيما يرصد بعض آخر إقبالا لافتاً على مواد بعينها، لاسيما تلك التي تتناول موضوعات كانت حتى الأمس القريب (تابوهات) يحرم الاقتراب منها، مثل الجنس والدين والسياسة.

محرر التعليقات في أحد المواقع الإلكترونية الأردنية أحمد غنيم يقول بأن خاصية التعليقات (تتيح للقارئ التفاعل المباشر والسريع مع المادة المنشورة سواء كانت خبرا أو تحقيقا أو صورة أو رسما كاريكاتورياً).

ويصف غنيم تلك المساحة بـ (المتنفس الوحيد الذي يتيح للمواطن إبداء رأيه من خلاله، كما يعده المواطن حقا شخصيا لا يملك أحد مصادرته منه بعد أن تم منحه إياه مؤخرا).

يقر غنيم بحدوث تجاوزات كثيرة لدى المعلقين، ما يترك محرر الموقع في (حيرة، بين إجازة هذه التعليقات وبين حذفها لعدم التزام كثير منها بالمعايير الأخلاقية، كتلك التعليقات التي تحوي الشتائم وتكيل الاتهامات وتثير الفتن في مرات).

يبرر غنيم ما يحدث من (توتر وارتباك) لدى المعلقين، بسرعة تصفح المواقع وترك التعليقات عليها، إلى جانب كونها تخالف ما اعتاد عليه من هامش حرية ضيق وتحديدا في الصحافة الورقية.

المحرر السابق في أحد مواقع الصحف اليومية محمد خالد، يربط بين التعليق وحالة صاحبه النفسية حين دخول الموقع الإلكتروني، (أكثر من كونه تعليقا موضوعيا على المادة أو الفكرة المطروحة).

ويسوق أمثلة عدة حدثت معه إبان عمله، قائلا (في مرات كثيرة كان التعليق على مقال هام أو قضية مطروحة هو نكتة أو حكمة اليوم أو حتى اقتراح لطبق اليوم في مرات !).

يستذكر خالد تعليقات أخرى (لا تمت للمادة المنشورة بِصلةٍ تذكر)، ومعلقين كانوا (يتركون بصمتهم على المواضيع كلها حتى وإن كان ذلك بعبارة ساخرة تعاد يوميا، فيما قسم آخر كان يصطاد بريد المعلقين الظاهر أسفل اسمهم ليضيفهم فيما بعد على مواقع المحادثة والتعارف).

يذكر خالد موقفا طريفا تعرض له مرارا من قِبل أحد المعلقين، قائلا (كان أحدهم يكتب تعليقه على مادة ما، ولا ينتظر حتى أجيزه ليظهر على الموقع، فيثير باسم آخر جدلا على تعليقه الذي لم يُنشر بعد !).

القائم على إحدى الصفحات الثقافية على موقع (الفيسبوك) إياد الحاج، يقول بأن الظواهر الآنفة لا تقتصر على عامة القراء، بل وعلى (المثقفين أنفسهم) في مرات، وتحديدا على موقع (الفيس بوك).

يقوم كثير من المثقفين بإنشاء (بروفايلات) بأسماء وهمية يعلقون من خلالها على مواد زملائهم بحريّة، إلى جانب تعليقهم على موادهم الشخصية ومحاولتهم إثارة الجدل حولها، كما يستخدمونها في مرات لردّ التهم والانتقادات عن موادهم لإشعار القارئ بأن الكاتب لم يكترث وأن ثمة من يفهمون مراده وما يرمي إليه، بحسب الحاج.

أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي يرى بأن المواد التي تطرق (تابوهات) الجنس والدين والسياسة، هي الأكثر حصداً للتعليقات من غيرها، معللا ذلك بأنها (لم تكن مطروحة علانية حتى الأمس القريب، كما أن التخفي وراء أسماء وهمية يسهل طرح وجهة النظر حولها دونما قلق أو حرج).

يصنف الخزاعي المعلقين إلى (جاديّن) و(ساخرين)، معرفا الأول بذلك (الذي لا يخفي اسمه، وإن حدث وأخفاه فإنه يتحرى الموضوعية في تعليقه سواء أثرى المادة بانتقاد أو تفنيد، أو حتى برأي عادي)، فيما الصنف الآخر (يتخفى وراء اسم مستعار ليتهكم على الكاتب أو ليقلل من الجهد المبذول في المادة، أو حتى ليعبر عن مكنونات نفسه وإن لم تتواءم والمادة المطروحة).

يطلق الخزاعي مسمّى (صعاليك الإنترنت) على بعض المعلقين السلبيين، الذين يتسببون في مرات كثيرة بانسحاب كتّاب من الفضاء الإلكتروني، إلى جانب محاولتهم إلحاق الأذى الشخصي وتحديدا حيال الكاتبات اللاتي لا يتفقون مع فكرهن، بحسبه.

يعتقد الخزاعي بأن معظم أولئك (المتهجمين) على الكاتب بشكل شخصي، هم (من الزملاء أو المعارف المقربين جدا، والذين يمتلكون رصيدا معرفيا كافيا عن حياة الكاتب ينطلقون من خلاله للنيل الشخصي منه بالخفاء).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/تشرين الثاني/2010 - 4/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م