المالكي رئيسا للوزراء إربطوا أحزمة الأمان

هادي جلو مرعي

كل المعطيات تشير الى إن السيد نوري المالكي هو الذي سيعمل خلال الأسابيع المقبلة على تقديم وزرائه الى البرلمان بغرض التصويت على اختيارهم، برغم إنه لن يكون المختار بل المتلقي، حيث ستقدم إليه أسماء مرشحين عن الكتل الفائزة أو المشاركة في الحكومة، وسيعاني المالكي من مزاج الكتل السياسية خاصة وأنه اختير لا على وفق الرضا إنما تحت الضغط أو بمقتضى الواقعية السياسية ولذلك فعليه تحمل المزيد من المشاكل قبل الوصول الى التشكيل النهائي لمجموعته الوزارية ذات التباين الغريب.

المالكي غير مرغوب فيه أمريكيا، وإيرانيا. مكروه سعوديا. متفق عليه بعد التشاور سوريا. المقبول على مضض مصريا وتركيا. المرفوض سنيا وشيعيا وكرديا في الداخل العراقي، المتحالف مع الجميع بحسب مصالح بعض الجميع وإنتهازية البعض منهم، هذا الرجل يقترب الجميع الى دائرة الرضا به.

في واقع السياسة لاتكون العواطف والتصورات والرؤى هي الحاكمة والدافعة لإتخاذ القرارات ولا حتى في التأثير وقد تجد أنك مرغم على التعاطي مع واقع سياسي ولابد أن تتكيف معه، وهكذا وجدت أمريكا أن (المالكي رئيسا للوزراء) يمثل الحل الأسهل، ورأت إيران إن رجال السياسة في العراق خاصة مع وجود صراع الإرادات مع المملكة السعودية غير متوفرين كفاية وليس غير المالكي الذي برغم إصراره على الخروج من دائرة ( الجلباب الايراني) إلا إنه لم يسلم القياد لواشنطن ولم يجامل (عدوتها السعودية).

وهو ما رأت واشنطن جزءا من ذلك فيه، وعرفت إن الإرتياح الإيراني لن يكون هو الطابع الذي يحيط بالعلاقة الإيرانية المالكية ولذلك صار التوافق عليه أمرا لابد منه.

السعودية الساكتة على مضض تعودت من العراقيين الصد والحذر، وعبر عهود سياسية مضت، والمالكي ليس متفردا في علاقته السيئة مع الرياض، وإبتداءا من العهد الملكي، وصولا الى الثورة القاسمية، حتى المرحلة الصدامية الحرجة، والى إلى الآن، كان الصد وكانت الجفوة هي الغالبة في العلاقة بين الجانبين، بمعنى أدق أن ليس صدام هو الذي وتر العلاقة مع الرياض، وليس المالكي هو الذي أشعل النار في خيمة الصحراء، بل إن كل ما يجري الآن هو امتداد طبيعي لعلاقة تاريخية متأزمة، ومن المستحيل أن ترضى المملكة بحاكم عراقي ما لم يكن مجبولا على الولاء لها. ولن تجد، بل ويتوهم من يتصور أن السيد علاوي يمثل بوجوده الأمل المطلق للسعوديين في تغيير الأوضاع بهذا البلد.

وبصراحة فإن طابع عدم الثقة التاريخي يحكم العلاقة العراقية السعودية من جهة والعلاقة بين طهران وبغداد من جهة أخرى. ولذلك لن يكون بمقدور الرياض ولاطهران تأمين حكومة تلبي كل المصالح الحيوية لهما وإن مايسعيان له هو تخفيف حجم الضرر من المارد العراقي المتحفز والذي لا يتأثر بالصدمات ولا بالجراح ولا بالمصائب وهو يمثل الخطر المستديم على نفوذ ومصالح الجوار.

الرضا بالمالكي لن يكون هو المنتهى في العراق ولن يحسم القضايا العالقة لأن طبيعة الصراع ليست من أجل السلطة كما يتوهم البسطاء، هناك حرب مشاريع محلية على تواصل حميم مع مشاريع دولية وإقليمية تفضي على الدوام الى مزيد من التعقيد.

الإرهاب يعمل في العراق ليس من أجل منع المالكي من تشكيل حكومته أو سيطرته على الأوضاع، هي حرب سرية بين السنة والشيعة، وسرية بحجم أخطر بين إيران والسعودية، وعلى مستوى اقل بين مختلف التوجهات السياسية وما يرتبط بها من صراع ديني وقومي تلفعت بعباءته جموع من السياسيين القوميين والدينيين، وسيطحن بماكينته العملاقة جميع الأقليات العرقية والدينية التي ستجد أنها في مرمى النار أين توجهت وليس لها سوى مغادرة الساحة لصراع التطرف القومي بين العرب والاكراد والتركمان من جهة، وصراع التطرف المذهبي بين السنة والشيعة وما يعاضدهما من جوار قومي ومذهبي من جهة أخرى.

المالكي لن يكون بمنأى عن ضربات الرد العنيف التي ستتشكل من الدول الرافضة لتجديد الولاية له ومن واشنطن التي وجدت أنه تحول في تحالفاته من دائرتها الضيقة الى الدائرة الأصعب والأكثر تعقيدا.

سيعاني، وسيعاني معه العراقيون.. والحل ليس في إيجاد بديل له لأن الموضوع مرتبط أصلا بالكيانات القومية والمذهبية والدول المتصارعة وإرادة واشنطن وبالتالي فإن الصراع ليس من أجل تقويض جهود المالكي بل من أجل تأكيد حضور المتنافسين المحليين والإقليميين وحتى الدوليين الذي يشمون رائحة المصالح من مسافة عشرة آلاف كيلو متر.

الأيام القادمة صعبة للغاية والأسابيع التي تليها والأشهر أيضا. العراقيون في الشارع يتحدثون عن الماء والكهرباء والصحة والشوارع المدمرة والخدمات العامة الأخرى والوظائف العاطلة عن التوظيف. الصراع الأكبر سيستمر وسيؤدي الى مصاعب أخطر ممايمكن أن يتصوره الكثيرون.

 تقف إحدى الجميلات في مقدمة الطائرة لتوجيه المسافرين بضرورة ربط أحزمة الأمان لأن الطائرة ستقلع بعد قليل.

هل ستجدي أحزمة الأمان في مواجهة الأحزمة الناسفة؟

hadeejalu@yahoo. com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/تشرين الثاني/2010 - 4/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م