المثقف النرجسي وثقافة النرجسية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الثقافة وحدها قادرة على دفع الامم والشعوب خطوة صحيحة الى أمام، قد تبدو ثمة مغالاة في هذا القول، أو نوعا من الإلغاء لعوامل أخرى تساعد على التقدم، نعم تسهم العلوم كافة بدفع الانسانية خطوة الى أمام، ولكن من دون الثقافة الصحيحة التي تنسجم مع المجتمع وتواءم مع قدراته ومواهبه، تبقى العلوم ونتائجها رهن المسارات التي قد تخطئ وقد تصيب، والثقافة هنا بمثابة الربان الذي يوجه خط سير العلوم في بحر الحياة، فإذا أخطأ (الربان/ الثقافة) أخطأت أشرعة العلم في مساراتها.

لا مغالاة قط في قول كهذا استنادا الى تجارب الشعوب والامم التي سبقتنا الى أمام، والدليل ليس هناك على وجه الارض مجتمع متقدم من دون أن تؤازره نشاطه وتحميه ثقافة صحيحة معافاة من أورام (النرجسية، والقشرية، والأَنَويّة) المؤذية في كل الاحوال، ومهما بلغت العلوم من الرقي والمِكْنة والاستقلال، فإنها تبقى عرجاء تسير بساق واحدة، وتبقى تعوزها الساق الثانية، ممثلةً بالثقافة الصحيحة التي لا تكتفي بقيادة المنتج البشري، بل وتؤدي دور الموازنة لهذا المنتج، الذي سيختّل حتما بغياب الموازنة التي تحققها الثقافة المعافاة.

وهنا لابد من القول أن الثقافة النرجسية هي وليدة النشاط الثقافي النرجسي للفرد المثقف الذي يؤثر في الوسط القريب منه، فالثقافة النرجسية العرجاء كما سبق ذكره، غالبا ما تلتقي بثقافة الشكل او القشر، وهي ثقافة تحارب الجوهر أو تجافيه في أضعف الايمان، فهي غير معنية بالبناء الثقافي الأفقي الذي يمتد ليشمل عموم شرائح المجتمع وأفراده، بل يمكن توصيفها بأنها ثقافة تعتمد البناء العمودي الذي يصب فوائده (اذا كانت له فوائد) في بناء المجد الشخصي الذي لن يتحقق كونه يقوم اولا وأخيرا على أسس خاطئة وهزيلة تتمثل باعتمادها النهج الفردي النرجسي الأنوي.

لذا فإن المثقف النرجسي سيسهم - سواء عرف بذلك أو لم يعرف- بنشر الثقافة النرجسية المريضة التي تعجز تماما عن التأثير في النشاط المجتمعي وتكف عن التدخل في تغيير المسارات نحو الأفضل والأصح، لأنها تنشغل بذاتها القشرية الفارغة، وتبعد عن هدف الثقافة الأعمّ، ممثلا بتصحيح المسارات الخاطئة لأنشطة الانسان العلمية وغيرها.

المطلوب من الثقافة أصبح معروفا، ولكن المشكلة الأكبر تكمن في بلورة الثقافة الصحيحة وتنشيطها بالاتجاه الأسلم، وهنا يبرز دور المثقف والمهام الكبيرة الملقاة على عاتقه، فهل يعمل المثقف وينشط ويفكر ويبتكر ويتحرك من أجل ذاته ؟، إذا كان الامر كذلك فهو مثقف نرجسي قشري أنوي !!، يسهم بإنتاج ثقافة تماثله، وبذلك لن يكون مثقفا مؤثرا في المحيط الذي يتحرك وينشط فيه، وتكون ثقافته خاملة تجاه الجمع وفاعلة تجاه الفرد الذات، وهنا يبرز دور مثل هذه الثقافة العرجاء في البناء العمودي وعدم قدرتها كليا على الانخراط في البناء الثقافي الأفقي.

ماذا نحتاج نحن كعراقيين، أو كعرب، أو كمسلمين؟ وهو سؤال يبدو من العيار الثقيل، هل نحتاج الى ثقافة عمودية نرجسية تهتم بالذات المثقفة وتهمل غيرها؟ وإذا كانت الاجابة معروفة؛ فهل ثقافتنا الراهنة محصنة من انحرافات البناء الثقافي العمودي، وهل هي من طراز الثقافات القائدة للنشاط الجمعي المتنوع علميا وعمليا؟

بعودة الى صدر المقال، هل يمكن لثقافتنا الراهنة أن تمثل الأشرعة السليمة لقيادة العلوم والحراك الجمعي في بحر الحياة الشائك وتياراته المتضاربة؟

الواقع الذي نعيشه يغنينا تماما عن الأجوبة، فهو يمثلها تماما، لأن ثقافتنا النرجسية تشهد على عجزها بنفسها، ولأنها وليدة المثقف العراقي العربي الاسلامي ذي البناء العمودي الذي يشتغل على تحقيق الذات ونرجسيتها العالية، ولعل الهروب العجيب عن محافل التأثير الثقافي الحقيقي في الاوساط الاجتماعية خير مثال على ذلك.

لذا نؤكد ببساطة أننا بحاجة الى المثقف العضوي كما أكده (غرامشي)، ولسنا بحاجة للمثقف القشري الذي لا يجهد نفسه في إعمال الثقافة وزجها في البناء الثقافي الأفقي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/تشرين الثاني/2010 - 2/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م