مبادرات لتوظيف طاقات الشباب الكامنة

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: كُتب الكثير عن شريحة الشباب، ودورها الحاسم والحيوي، في تطور الامم ومواكبة العصر ومزاياه، ولم يُشبع هذا المجال، رغم البحوث والدراسات والتجارب الكثيرة، التي تخصصت فيه، ذلك لأن الشباب هم نسغ الحياة الحي، والمتحرك بقوة، وقد أكد العلماء والمختصون، أن حيوية الامم ترتبط على نحو حاسم، بحيوية ودور هذه الشريحة، ومدى قدرتها، على تحريك المفاصل المتنوعة، لحياة الامم، في المجالات العملية والعلمية معا.

لهذا ركّز العلماء والمفكرون الاجتماعيون وغيرهم، على دور هذه الشريحة، ومن أبرز العلماء الذين تصدوا لأهمية هذه الشريحة، وضرورة الافادة من طاقاتها الى ابعد حد ممكن، هو الامام الشيرازي الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، حيث خصص عددا من بحوثه ومؤلفاته، للبحث المثمر والجاد، في السبل القادرة على تثوير طاقات الشباب، وتوظيفها لصالح الامة، لاسيما في مؤلَّفه الذي حمل عنوان (الشباب)، هذا الكتاب الذي تعامل بطرائق علمية، في البحث والاستنتاج ورصد مكامن الخلل، ووضع الحلول والمعالجات المطلوبة، لتحريك الطاقات الشبابية من سباتها وتوجيهها في المسارات الصحيحة.

إن قادة المسلمين الحكوميين لم يقدموا الجهد المطلوب لرعاية هذه الشريحة، ولذلك يعتبر هذا التقصير أحد الاسباب الهامة في تأخّر المسلمين عن الامم المتقدمة، ففي الوقت التي رعت فيه قيادات الامم والمجتمعات الغربية على سبيل المثال مواهب وقدرات الشباب وحولتها الى طاقات منتجة في الفكر والعمل، بقي الحكام المسلمون ينظرون الى هذه الشريحة بحيادية ولا مبالاة تنم عن عدم تقدير لأهميتها وقدراتها وضرورة استثمار طاقاتها، وهكذا بقي الشباب المسلم او القسم الاكبر منهم يدورون في حلقة مفرغة، مليئة بالفراغ وغياب التوجيه وانتفاء طرق الاستثمار السليمة لامكانياتهم ومواهبهم، وهو ما جعل منهم عبئا على الامة الاسلامية بدلا من أن يكونوا المحرك الحيوي الذي يحث الشرائح الاخرى على الانتاج والعطاء الثري.

ولابد أن نؤكد في هذا الصدد تقصير الحكومات في الدول الاسلامية بهذا الجانب وعدم إيلائها الاهتمام المطلوب بالشباب وما ينبغي أن تقدمه لهم من رعاية واهتمام، لهذا يؤكد الامام الشيرازي الراحل في كتابه القيّم الموسوم بـ (الشباب) على ضرورة تفادي الاخطار التي تتعرض لها هذه الشريحة لاسيما ما يتعلق بحالات الإفساد المتعمّدة الوافدة من الغرب ومنها إشاعة الافلام المفسدة ونشر الافكار الهدامة والثقافات المريضة بين الشباب، ويدعو الامام الشيرازي في هذا الصدد الى ضرورة:

(تعاون الدول الإسلامية على إبرام اتفاقية يتم طرحها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن ثم يتم المصادقة عليها في هيئات الأمم المتحدة الأخرى. وتقضي الاتفاقية بتحريم نشر وتوزيع وبث الأفلام الخليعة المضرة للمجتمع والتي تسبب في نشوب حالات الشذوذ والانحراف الجنسي. وكما صادقت الأمم المتحدة على اتفاقية حظر ونشر الأسلحة الكيماوية والأسلحة الميكروبية والمخدرات، فعليها أيضاً أن تقوم بإبرام اتفاقية من هذا القبيل).

هكذا يمكن أن يماثل خطر إفساد الشباب خطر الاسلحة الفتاكة، فكيف اذا كان المعنيون في الحكومات الاسلامية مشغولين عن الاخطار التي تهدد الشباب بمصالحهم ومنافعهم في الحفاظ على كراسيهم وتقوية سلطانهم، ونظرا لخطورة ما يتعرض له الشباب المسلم فإن الامام الشيرازي يقترح في كتابه (الشباب) على السياسيين من قادة الحكومات الاسلامية أهمية:

(تنشيط الوسائل الإعلامية لإقناع أو الضغط على المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة بضرورة إبرام اتفاقية حظر وتوزيع وبث الأفلام الماجنة المخالفة للعفة البشرية).

ولعل الخطر المحدق من بث هذه الثقافة المريضة ونشرها بين اوساط الشباب يكمن في سلبهم لقدراتهم وتحييد مواهبهم وامتصاص طاقاتهم، في وقت لاتلقى شريحة الشباب الدعم والتوجيه المطلوب من الجهات الرسمية المعنية، ونظرا لخطورة عواقب نشر الثقافات المغرضة والمدمرة لطاقات الشباب، فإن الامام الشيرازي يؤكد في كتابه نفسه على:

(مطالبة جمعيات حقوق الإنسان وتجمعات الأديان بتبني هذه الفكرة والدعوة إليها والضغط على المجتمع الدولي لإبرام مثل هذه الاتفاقية التي يتم بموجبها الحد من انتشار الخلاعة عبر الأقمار الصناعية وهي جزء أصيل من حقوق الإنسان التي تنسجم مع الفطرة البشرية).

ولابد أن تكون وراء نشر هذه الثقافات المريضة جهات منظمة تعمل في هذا الاتجاه ولهذا، يرى الامام الشيرازي بضرورة كشفها ومحاربتها من خلال:

(فضح الجهات المسؤولة التي تعمل في الخفاء على إنتاج وتوزيع الأفلام المخلة للعفة. حيث تتوسل هذه الجهات بمختلف الوسائل لتحقيق مآربها. وهي تعمل على هدم القيم الاجتماعية وتبديد الأواصر التي تشكل مانعاً حقيقياً أمام أهدافها).

وهكذا يمكن أن تكون مساندة الشباب في هذا المجال فعالة وحافظة لمواهبهم وطاقاتهم وتنمية قدراتهم ومن ثم يصبحون الشريحة الأكثر حيوية من بين شرائح المجتمع الاخرى، خاصة اذا بذلت الجهات المعنية الجهود التي تتطلبها عملية دعم الشباب ومنها كما يقترح الامام الشيرازي في كتاب (الشباب):

(تشغيل الشباب في فترات العطل في مشاريع اقتصادية تدرّ عليهم بالأموال. وإيجاد فرص العمل العديدة في مختلف شؤون الإنتاج لاستيعاب الملايين من العاطلين عن العمل. واستثمار هوايات الشباب في مختلف الشؤون والحقول وذلك بإيجاد النوادي التي تحتوي على مختلف الأنشطة من خط ورسم وزخرفة وكومبيوتر وما أشبه ذلك. والاهتمام بذوي الكفاءات العلمية بإيجاد معامل مصغرة ومختبرات تجريبية في مختلف الشؤون العلمية من كهرباء وميكانيك. وإيجاد الفرق الرياضية المفيدة والعمل على تشجيع المسابقات الرياضية بين فرق الشباب كفن السباحة والسباقة والرماية و…..).

بهذه الجهود وغيرها ومن خلال طرح الخطط والمبادرات المخطط لها مسبقا من لدن الجهات الرسمية وحتى الاهلية، يمكن أن تتحقق الاستفادة المثلى من طاقات الشباب الكامنة في المجتمعات الاسلامية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/تشرين الثاني/2010 - 1/ذو االحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م