كنيسة النجاة والاقليات المغدورة في البلدان العربية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: حادثان يتعلقان بالمسيحيين في العراق لا يفصل بينهما اكثر من اسبوع واحد، الحادثة الاولى صدور قرار المحكمة الجنائية الخاصة باعدام طارق عزيز السياسي المسيحي الذي تقلد مناصب رفيعة في الدولة العراقية في عهد صدام حسين والذي يوصف بانه (خزانة اسرار صدام حسين) والحادثة الثانية الهجوم على كنيسة النجاة في بغداد ومقتل العديد من المسيحيين داخلها.

الحادثة الاولى ستاخذ مساحة معينة من السجالات السياسية بين مؤيد ومعارض لحكم الاعدام الا انها في النهاية سوف لن تحسب ضد المسيحيين كدين يتبعه الملايين في العالم على اختلاف طوائفهم.

ما يهمنا هنا الحادثة الثانية والتي لها علاقة بتيارات الاسلام السياسي المتطرف والذي تمثله القاعدة بتوصيفاتها المتعددة والاجنحة الاخرى المؤيدة لها او القريبة منها.

الحادثة الاولى تقتصر على المفاعيل السياسية او القانونية لحكم الاعدام ولا يمكن اعتبارها لموقعها هذا ذات مفاعيل اجتماعية او ثقافية او ايديولوجية عقائدية. لكن الحادثة الثانية مختلفة فهي سوف تحمل تلك المفاعيل التي ذكرناها وسوف تجدد الحديث عن الاقليات الدينية والاثنية في العراق والبلدان العربية. وستكون لها اثارها المستقبلية على الوجود المسيحي وربما وجود الاقليات العديدة الاخرى.

تاريخيا يعود الوجود المسيحي في العراق الى قرون طويلة وكان لهم حضورهم البارز في الحضارتين العربية  والاسلامية. وقدموا مساهمات عديدة في الكثير من المجالات.

وقد تعرض المسيحيون للكثير من المجارز في ازمان متفاوتة ليس اخرها مجازر الاتراك ضد الارمن والذي صنفته امريكا ضمن جرائم الابادة الانسانية.

وحالة مصر ايضا مستمرة منذ العام 1946 وما حدث في سنوات لاحقة بعد ظهور تيارات الاسلام الراديكالي ممثلة بالاخوان المسلمين وتشدد الشارع المصري اتجاه المسيحيين الاقباط.

على مدار عقود طويلة اخذ الوجود المسيحي في البلدان العربية بالتناقص المضطرد لاسباب متعدد منها النزاعات وعدم الاستقرار السياسي والصعوبات الاقتصادية والتمييز والاضطهاد وتنامي الاسلام المتشدد.

يعيش في الشرق الاوسط، مهد المسيحية، 20 مليون مسيحي من بينهم 5 ملايين كاثوليكي من اصل 356 مليون نسمة، وفقا للارقام التي نشرها سينودس الشرق الاوسط الذي انعقد في الفاتيكان في تشرين الاول/اكتوبر الماضي من العام الحالي.

يشكل اقباط مصر، الذين يمثل الارثوذكس غالبيتهم العظمى، اكبر طائفة مسيحية في الشرق الاوسط اذ يقدر عددهم بما يراوح بين 6% و10% من اجمالي عدد سكان مصر البالغ 80 مليونا. وتقول الكنيسة القبطية المصرية ان عدد اتباعها لا يقل عن 10 ملايين نسمة.

ويقدر عدد المسيحيين في العراق بما بين 450 الفا و 500 الف نسمة، من بينهم 300 الف كاثوليكي (مقابل 378 الفا في العام 1980). ويشكل الكلدان 80% من الكاثوليك في العراق والسريان 20% منهم.

اما غير الكاثوليك، فان 80% منهم اشوريين والباقين سريان ارثوذكس او ارمن ارثوذكس. ويعيش في دول الخليج، وفق تقديرات متطابقة، 3,5 ملايين مسيحي ينتمون الى كنائس عدة وغالبيتهم من المهاجرين الاسيويين او من الكاثوليك الغربيين.

وفي سوريا لا توجد احصاءات رسمية بعدد المسيحيين ولكن المحللين يؤكدون انهم يمثلون 5% الى 10% من اجمالي 20 مليون نسمة هم سكان سوريا. وفي لبنان، يشكل المسيحيون بمن فيهم الطائفة المارونية الكبيرة، 34% من عدد السكان الذي يقدر ب4 ملايين نسمة وهي اعلى نسبة للمسيحيين في دول الشرق الاوسط.

بيد انه في غالبية الاحيان، يكون الدافع سياسيا وليس دينيا، وراء الاعتداءات التي تقوم بها تنظيمات متطرفة على المسيحيين في المنطقة.

هذا التوتر الطائفي هو الذي يؤدي تدريجيا لتناقص ملحوظ في عدد المسيحيين العرب في أقطارهم، فحسب أرقام الكنيسة العراقية فقد انخفضت نسبة الكاثوليك في العراق من 2.89 بالمائة من إجمالي عدد السكان في عام 1980 إلى نسبة 0.94 بالمائة، أي من 378 ألف كاثوليكي إلى 301 ألف في عام 2008.

ونفس الأرقام أكثر رعبا في فلسطين، فحسب الإحصائيات المتوفرة عام 2009، فإن المسيحيين الفلسطينيين لا يتجاوزون نسبة 2 % من عدد السكان، في حين أنهم كانوا قبل نكبة عام 1948 حوالي 20 % من مجموع السكان الفلسطينيين.

ومع انتشار الهجرة تضاءلت المجتمعات المسيحية في كثير من انحاء المنطقة التي ولد فيها دينها. وفيما يلي تقديرات لاعداد المسيحيين الذين ما زالوا يعيشون في بلدان الشرق الاوسط:

تركيا - 85 ألف مسيحي من بينهم 20 ألف كاثوليكي ينتمون الى الكنائس الأرمنية والسريانية والكلدانية.

لبنان - 1.5 مليون مسيحي ثلثاهم تقريبا كاثوليك ينتمون الى الكنائس المارونية والرومية والسريانية والارمنية.

الاراضي المحتلة في فلسطين - 150 ألف مسيحي من بينهم 85 الف كاثوليكي ينتمون الى الكنيستين اللاتينية والرومية.

الأراضي الفلسطينية - 50 الف مسيحي من بينهم 17 الف كاثوليكي لاتيني.

مصر - ثمانية ملايين مسيحي من بينهم 250 ألف قبطي كاثوليكي.

الأردن - 150 ألف مسيحي أغلبهم من الروم الارثوذكس لكن بينهم بعض الروم الكاثوليك واللاتين والسريان الارثوذكس والاقباط الارثوذكس والأرمن الارثوذكس والبروتستانت.

سوريا - 850 الف مسيحي من بينهم زهاء 400 الف كاثوليكي ينتمون الى الكنائس السريانية والرومية والمارونية والكلدانية والارمنية.

العراق - 850 الف مسيحي من بينهم 400 الف كاثوليكي اغلبهم كلدانيون وسريانيون. وفر كثير من المسيحيين من البلاد او نزحوا داخليا منذ سقوط صدام واندلاع الحرب عام 2003.

إيران - 135 الف مسيحي من بينهم 20 الف كاثوليكي أغلبهم كلدانيون.

بالعودة الى مجزرة كنيسة النجاة، ذكر احد الناجين (ان الارهابيين وصفونا بأقذر الصفات وقالوا ان قتلاهم مصيرهم الجنة فيما يتوجه قتلى المسيحيين الى النار) وهي اللازمة التي يرددها انتحاريو القاعدة في رسائلهم المصورة التي تبثها بعض الفضائيات والمواقع الالكترونية.

وقد اعلنت دولة العراق الاسلامية في بيان لها نشر على مواقع اسلامية متشددة ان الهجوم كان عملا ضد الكنيسة القبطية في مصر. وانه كان (على وكر نجس من اوكار الشرك التي طالما اتخذها نصارى العراق مقرا لحرب دين الاسلام).

واضاف البيان ان العملية نفذت (لنصرة اخواتنا المسلمات المستضعفات الاسيرات في ارض مصر المسلمة).

ويشير بيان المجموعة الموالية للقاعدة إلى المصريتين القبطيتين وفاء قسطنطين وكاميليا شحاته وهما زوجتا قسين ينتميان إلى الكنيسة القبطية سرت شائعات واسعة حول اعتناقهما الإسلام بعد تركهما منزل الزوجية، الأولى في عام 2004 والثانية في يوليو/ تموز 2010.

ووصف خبير عراقي في شؤون تنظيم القاعدة حادثة استهداف كنيسة سيدة النجاة وسط بغداد بـ(العملية النوعية) ضمن سلسلة عمليات تسميها القاعدة بغزوات التحدي، لافتاً إلى أن القوات الأمنية العراقية تواجه حالياً جيلاً جديداً من القاعدة يصعب التعرف عليه.

وقال الخبير الأمني الملا ناظم الجبوري إن (استهداف كنيسة سيدة النجاة بهذه الطريقة يعد عملية نوعية وحلقة من سلسة عمليات تسميها القاعدة بغزوات التحدي، بدأتها بمهاجمة مؤسسات اقتصادية كالبنك المركزي العراقي ومقر وزارة الدفاع القديمة ببغداد).

وأضاف الجبوري أن (الهدف من هذه العمليات إعطاء صورة واضحة بأن عمل تنظيم القاعدة في العراق تحول إلى محلي بحت يهدف إلى استهداف المواطنين العراقيين).

وتابع الجبوري بقوله إن (الأجهزة الإستخباراتية لا تستطيع التوصل إلى أي معلومات تتعلق بهذا الجيل أو الحصول على قاعدة بيانات عنه، لأن مظهره الخارجي لا يوحي بالتدين ولا يتجه إلى المساجد بل يمكن أن يتواجد في مقاهي الانترنت).

من جانبه، أكد ماتيو غيدار الأستاذ في جامعة جنيف وخبير شؤون الإرهاب في العالم الإسلامي (أن مسيحيي الشرق الأوسط هدف جديد للتنظيم الإرهابي، وقال إن أسامة بن لادن في آخر خطابه أشار إلى قضية المصريتين القبطيتين).

وتأتي تهديدات القاعدة لأقباط مصر عقب الدعوات للتحرك من أجل زوجتي كاهنين قبطيين قيل إن إحداهما اعتنقت الإسلام، ولهذا السبب تم احتجازها داخل أحد الأديرة، وإن الثانية أبدت رغبتها في إشهار الإسلام فاحتجزت بدورها في أحد الأديرة.

وبثّ التنظيم أيضاً تسجيلاً مصوراً منسوباً إلى (مقاتل) يقود مجموعة انتحارية ويهدد بدوره الكنيسة القبطية في مصر إذا لم يتم إطلاق سراح زوجتي الكاهنين كاميليا شحاته ووفاء قسطنطين.

وجاء في التهديد (إذا لم يلبِّ الأقباط مطلب التنظيم ستفتحون على أبناء ملتكم باباً لا تتمنونه أبداً ليس بالعراق فحسب بل في مصر والشام وسائر بلدان المنطقة، فلديكم عندنا مئات الآلاف من الأتباع ومئات الكنائس وكلها ستكون هدفاً لنا إن لم تستجيبوا).

ورغم ان الاقباط المصريين لا تربطهم علاقة كنسية بالسريان الكاثوليك في العراق، فان تنظيم (دولة العراق الاسلامية) الموالي للقاعدة، الذي تبنى الهجوم على كنيسة سيدة البشارة للسريان الكاثوليك في حي الكرادة في العاصمة العراقية بغداد، اكد ان هذا الاعتداء هو تحذير للكنيسة القبطية المصرية وامهلها 48 ساعة للافراج عن مسلمات (مأسورات في سجون اديرة) في مصر، وذلك بحسب مركز سايت الاميركي المتخصص في مراقبة المواقع الاسلامية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/تشرين الثاني/2010 - 26/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م