هل التعددية الثقافية فشلت في ألمانيا؟

مرتضى بدر

مطالبة رئيس وزراء ولاية “بافاريا” الألمانية ورئيس الحزب المسيحي الاجتماعي “هورست زيهوفر” بتقليص استقدام المهاجرين من ذوي الأصول التركية والعربية بسبب صعوبة اندماجهم في المجتمع الألماني، وُوجِهت بانتقادات واسعة من قبل المعارضة اليسارية وحزب الخضر، وبعض رجال الكنيسة، وحتى من داخل حكومة المستشارة انجيلا ميركل.

التصريح الأخير فتح الجدل مجدداً حول سياسة الهجرة، واندماج الأجانب من المهاجرين واللاجئين. أتباع تيار التسامح يتمسكون بمبدأ التعددية الثقافية الذي يتمتع به المجتمع الألماني، ويذكرون معارضيهم من تيار اليمين المحافظ بدور الأجانب في تنمية الاقتصاد، بل ويذهبون بعيداً في تذكيرهم بفضل قوات التحالف في تحرير ألمانيا من النازية.

 هناك من المفكرين الألمان من يرى في وجود المهاجرين من ذوي الثقافات المتعددة خير وسيلة لنشر التسامح، وإضعاف روح التطرف القومي في المجتمع الألماني، خاصة بعد أن تزايدت الجماعات المعادية لليهود والمسلمين وذوي الأصول الأفريقية. الضغوطات أجبرت المستشارة ميركل على إعلان موقفها حول الجدل الدائر، فخرجت بتصريح مثير، حيث دافعت عن موقف شريكها في الحكم، وهو رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي، فقالت: “إن التعددية الثقافية فشلت تماماً في ألمانيا”.

 ميركل بدل أن تسكب الماء على النار المشتعلة، سكبت الزيت مما زاد من تهيجها، وأعتقد أن ذلك سيؤثر على مستقبلها السياسي، ومصير حكومتها الائتلافية.

“ماريا بومر” مفوضة الحكومة لشؤون الاندماج سارعت في توجيه الانتقاد لرئيس حكومة ولاية بافاريا “زيهوفر” بقولها: “أشعر بصدمةٍ شديدةٍ إزاء هذه التصريحات”، وأضافت: “إن ما يطالب به زيهوفر يتعارض مع الجهود المبذولة لإنجاح الاندماج”. وفي الوقت الذي يتواصل فيه الجدل حول الاندماج ودور الإسلام في المجتمع الألماني، نجد أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي ومعه حزب الخضر يطالبان بالاعتراف رسمياً بالإسلام كديانة في ألمانيا، ومساواته قانونياً بالمسيحية واليهودية.

 موقف الحزبين المعارض والمؤيد للهجرة جاء رداً على موقف المستشارة ميركل وشركائها في الحكم. والنقاش الدائر اليوم في ألمانيا سوف يحتدم كلما اقتربنا من الانتخابات القادمة، وسيترك تأثيراته على دول الجوار، وتحديدًا في فرنسا بدرجة خاصة، وهولندا والدنمارك والنمسا بدرجة عامة، حيث الأحزاب اليمينية المحافظة المعادية للمهاجرين نشطة في نشر الكراهية للأجانب والمهاجرين، وخاصة المسلمين منهم.

نستطيع القول إن أكثر الدول تسامحاً في أوروبا اليوم هي بريطانيا التي تجاوزت عقدة الهجرة والاندماج، وربما السبب يرجع إلى الدور التاريخي الاستعماري لبريطانيا، واحتكاكها بالشعوب الأخرى، واستغلالها لثروات تلك الشعوب. ويتساءل القارئ: لماذا لا يسري هذا المثل على فرنسا التي لا تختلف كثيراً عن بريطانيا في دورها الاستعماري؟

 فرنسا تعتبر ثاني دولة أوروبية تستقطب المهاجرين بعد بريطانيا، ونفوذها الاستعماري تمركز في أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، بينما بريطانيا توسع نفوذها وشمل القارات الخمس، وبذالك فهي أكثر معرفة بثقافات الشعوب من فرنسا، والشيء المهم هو أن البريطانيين لديهم مقولة طبقوها على أرض الواقع، وقد كان يرددها الساسة منهم وهي (لندن للأجانب أما العالم كله لبريطانيا). واستطاعوا بهذه النظرة التوسعية أن يحققوا هدفين، الأول حل عقدة الاندماج، والثاني توسع نفوذهم السياسي والاقتصادي والثقافي، بينما ألمانيا التي لم تخرج قواتها خارج إقليم أوروبا ودخلت في حروب مع جيرانها الأوروبيين كانت أقل الدول معرفة بثقافات الشعوب الأخرى، وأقل تسامحاً، فانتشرت فيها النزعة القومية والشيفونية، حتى أنجبت شخصية كهتلر الذي تسبب في خلق كارثة في أوروبا.

 وبعد الحرب العالمية الثانية عكفت دول التحالف على إنقاذ ألمانيا من الثقافة العنصرية التي أوجدها النازيون، فوضعت الخطط والموازنات حتى استطاعت زرع ثقافة التسامح والتعددية. طبعاً هذا لا يعني أن النزعة القومية اختفت من الخارطة الألمانية، ولا يعني اندثار الجماعات التي تحنّ إلى الماضي، لكن الحقيقة التي يجب أن تقال، هي أن الشعب الألماني انفتح ثقافياً على الشعوب الأخرى، وانكشفت له تداعيات الانغلاق الثقافي ومآسي التطرف القومي، وهو بالتالي لا يرغب في أن تعود بلاده إلى عهد الكراهية، واضطهاد الأقليات الدينية والعرقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/تشرين الأول/2010 - 20/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م