الاربعة الكبار

من القاموس السياسي العراقي المعاصر

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تصيبك الدهشة العميقة وانت تتنقل عبر التصريحات التي يطلقها السياسيون العراقيون كل لحظة في جميع الارجاء (المسموعة والمشاهدة والمقروءة).

كل يوم يطالعك العشرات من المصطلحات والمفاهيم الجديدة او الجديدة - القديمة التي يعاد بعثها من جديد على السنة تعودت كل شيء الا ذكر الحقيقة.

قد يكون ذلك مصدر فخر للعراقيين والعرب انهم اصحاب انتاج وفير في المفاهيم والمصطلحات.

الا ان واقع الحال يكذب هذا الفخر لانها خالية من المعنى الذي يمكن ان تبنى عليه التغيرات في حياة الشعوب والحضارات.

فالعلمانية في الغرب على سبيل المثال حملت معها تغيرات جذرية في الثقافة والسياسة والاقتصاد والاجتماع وهي في بلداننا استنساخ مشوه لا يحمل شيئا يفيد في اي مجال من المجالات، والديمقراطية كذلك وحرية التعبير وحقوق الانسان وغيرها الكثير.

توصل احد اصدقائي الذي يرفض ان اعتبره من النخبة الثقافية العراقية ويعتبر نفسه حمارا من مجموعة حمير، توصل الى تعريف خاص به حول الحداثة والمعاصرة، فالحداثة في رايه ان ترتدي اللباس الداخلي المعروف ب (الجوكي) والاصالة ان ترتدي (لباسا داخليا طويلا). وهي سخرية مرة لواقع التنازع بين مفهومين تم استيرادهما من ضمن ما استوردناه من ثقافات اخرى لم نستطع (تبيأتها) في ثقافتنا الراهنة.

كثرة المفاهيم والمصطلحات تعد مصدر غنى في الثقافات التي تنتج المعنى الا انها ليست كذلك في ثقافات فقيرة فقرا مدقعا في انتاج المعنى ومنها ثقافتنا السياسية العراقية.

سامي شورش، عضو التحالف الكردستاني، يقول في تصريح له لـصحيفة العالم اليومية التي تصدر في بغداد ان الدستور (لا يخول رئيس الجمهورية المقبل، بتكليف مرشحين اثنين بتشكيل الحكومة في البلاد، فلا بد من وجود مرشح واحد يقبله الاربعة الكبار)، والاربعة الكبار هؤلاء الذين عناهم النائب هم (القائمة العراقية – ائتلاف دولة القانون – الائتلاف الوطني – التحالف الكردستاني).

وهذا المصطلح اصبح يطلق الان على المراجع الشيعية وخاصة (علي السيستاني وبشير النجفي ومحمد اسحاق الفياض ومحمد سعيد الحكيم) وهم الاربعة الكبار الذين يفضلون تولي نائب الرئيس العراقي القيادي في المجلس الاعلى عادل عبد المهدي رئاسة الحكومة الجديدة، على حد تصريح بعض المصادر المطلعة التي ترفض الكشف عن هويتها.

من هم الاربعة الكبار، في حضارات وثقافات اخرى قادرة على انتاج المعنى؟

في أميركا اللاتينية تطلق تسمية الأربعة الكبارعلى (ماريو بارغاس يوسا، الفائز الاخير لنوبل الاداب - خوليو كورتزار- وكارلوس فوينتس- وغارسيا ماركيز الذي فاز بنوبل للآداب قبل ثمانية وعشرين عاما). وقد جاء صعودهم في أميركا اللاتينية ومنها إلى العالم، في أوائل الستينيات، في سياق ما يُعرف بالطفرة الروائية في أميركا اللاتينية، التي كانوا أبرز ممثليها. وهؤلاء، بدورهم، كانوا ورثة لخورخي لويس بورخيس، الأرجنتيني الذي أسهم في إنشاء وتشكيل أدب أميركا اللاتينية في القرن العشرين.

وهناك ايضا الأنبياء الأربعة الكبار في الديانة المسيحية وهم (اشعياء، ارميا، حزقيال ودانيال).

والأربعة الكبار في شعر الهايكو الياباني (باشو ـ كوباياشي إسا ــ بوسون ـ شيكي).

وفي فترة زمنية ماضية اطلق لقب الاربعة الكبار على (الملك فيصل والسادات وحافظ الأسد وهواري بودين).

اما بول كينيدي الباحث الامريكي فله مقالة حول الازمة المالية العالمية حملت عنوان (لمعرفة مصير الرأسمالية. اقرأوا الأربعة الكبار) وهم حسب اعتقاده:

(آدم سميث؛ المؤسس الفعلي المبشر المبكر بالتجارة الحرة- وكارل ماركس؛ الناقد الخارق لنقاط ضعف الرأسمالية والأقل اعتمادية فيما يتعلق بانهيارها "المحتوم"- وجوزيف شومبيتر، النمساوي اللامع الذي من المؤكد أنه لم يكن خصماً للنظام الرأسمالي، لكنه حذر من التقلبات المتضمنة فيه، أي اندفاعه الدائم الخاص بالتدمير الخلاق- وكذلك تلك العقلية العظيمة، جون ماينارد كينز الذي أمضى النصف الثاني من مسيرة حياته المدهشة باحثاً عن سياسات لإنقاذ نظام السوق الحرة المزاجي من الانهيار التام).

وهناك رواية بوليسية للكاتبة اجاثا كريستي حملت عنوان (الأربعة الكبار) يتحدث المحقق الشهير بوارو بنبرة قوية لجاب كبير المفتشين في سكوتلانديارد، وقد فاض وجهه حزماً وجداً وهدوءاً: (إنها مبارزة حتى الموت يا صاحبي، نحن في جانب والأربعة الكبار قبالتنا، لقد ربحوا الجولة الأولى ربما؛ لكنهم ما استطاعوا أن يبعدوني من طريقهم، عليهم أن يحسبوا لهيركيول بوارو ألف حساب)، وتنتهي القصة بانتصار بوارو وموت (الأربعة الكبار).

والأربعة الكبار بيغ فور (بالإنجليزية: Big Four‏) وكذلك فات فور(بالإنجليزية: Fat Four ) هي تسمية تطلق على أكبر أربع شركات محاسبة وخدمات مهنية في العالم، والذين يقومون بإجراء التدقيق لمعظم الشركات المساهمة العامة وأكبرها، بالإضافة إلى الكثير من الشركات الخاصة.

وكانت هذه المجموعة تسمى فيما مضى الثمانية الكبار ومن ثم تقلصت إلى الخمسة الكبار من خلال سلسلة من الاندماجات. ومن ثم أصبحت الأربع الكبار بعد انهيار شركة آرثر آندرسون في سنة 2002 إثر فضيحة إنرون.

في عالم الرياضة نجد هذا الوصف كثيرا، ففي انكلترا يطلق لقب الاربعة الكبار على اندية (تشيلسي وآرسنال وليفربول و مانشستر يونايتد).

والأربعة الكبار beg four هى الكويكبات الاربعة الأولى فى تاريخ الإكتشاف الكويكبي. والحجم الأول هو الكويكب سيرس وقطره نحو 940 كيلو مترا، ثم بالاس وقطره نحو 580 كيلو مترا، ثم فستا وقطره نحو 576 كيلو مترا، ثم جونو وقطره نحو 248 كيلو مترا، وقد حمل الرقم اربعة عددا من الرمزيات في ثقافات الشعوب قديما وحديثا.

فهو عدد الثبات، والطاولة ذات الارجل الاربعة ثابتة، وعالمنا مؤلف من اربعة عناصر، والسماء ترتكز على اربعة اعمدة كما تقول الكوزمولوجيات.وبخاصة المصرية منها.

في ثقافات اخرى الرقم ثلاثة هي رمز ذكوري واربعة هي رمز نسوي، لان المراة قريبة من الارض التي تشاركها في الخصوبة ولان المربع رمز للارض.

ان فكرة العصور الاربعة للعالم على الارجح من اهل ميزوبوتاميا، وهي بلاد الرافدين، المصاغة في الانساب الالهية لهزيود عرفت عبر العصور نجاحا باهرا في الغرب. وهذه العصور هي: (عصر الذهب – عصر الفضة – عصر البرونز – عصر الحديد).

وقد رمز الى العصور الاربعة للعالم بالالوان (الابيص -الاحمر - الاصفر - الاسود).

فالعاقل ابيض وكان انسان العصر الذهبي، والمحارب الاحمر كان سر انسان عصر البرونز

والصانع العامل الاسود يسود اليوم في عصر الحديد.

واذا توجهنا الى الهنود نجدهم في الفيدا يرمزون بالرقم اربعة الى الكلية الطوبى والكمال، وانهر الجنة الاربعة، وهي الاناجيل الاربعة، وهي اعمدة الكنيسة الاربعة.

والفضائل الاربعة، ضمن نص للقديس اوغسطين هي (القناعة - القوة - الفطنة - العدالة)

في الاسلام الرمز الاعلى هو الكعبة وهي كتلة مربعة معبرة عن العدد اربعة رقم الثبات، ويمكن للمسلم انشاء عائلة مؤلفة من اربع زوجات.

والبيت العربي مخطط حسب الفكرة ذاتها انه مربع ومغلق نحو الخارج، وغالبا مايكون للجوامع اربع ماذن واحدة في كل زاوية، فالصلاة يجب اطلاقها في زوايا العالم الاربعة.

في مقارنة بسيطة بين الاربعة التي عرفها وانتجها غيرنا والاربعة التي يتحدث عنها النائب الموقّر، الا ترون اننا، ويشاركنا العرب كذلك مفلسون من المعنى واننا مجرد كائنات صوتية لا شيء يميزنا غير الضجيج والاصوات الجوفاء؟ دمتم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/تشرين الأول/2010 - 16/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م