ماذا وراء الحملة المعادية للجالية الاسلامية الألمانية؟

علي الأسدي

الأزمة الاقتصادية الراهنة في أوربا والتي لم تبدو نهاية قريبة لها، تكشف يوما بعد يوم عن المزيد من المظاهرالاجتماعية والاقتصادية التي ما كانت لتتصاعد بهذا الزخم لو كان الاقتصاد الأوربي متعافيا من علله الكثيرة، في مقدمتها وأهمها سوء استخدامه لموارده المادية والبشرية.

لكن مع تناقص الطلب العام على السلع والخدمات بسبب تصاعد البطالة في أغلب البلدان الصناعية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وبدلا من وضع السياسات الاقتصادية لاستغلال تلك الموارد في تنشيط حقول الانتاج المادي لاتاحة فرص عمل جديدة، توجهت الأنظار صوب الجاليات الأجنبية، باعتبارها سببا للأزمة الاقتصادية لاجزءا منها أو أحد ضحاياها. وتناست المجتمعات الأوربية أن الجاليات الأجنبية فيها قد ساهمت في الازدهار الاقتصادي الذي تمتعت به الدول الأوربية خلال السنين الطويلة الماضية.

 كانت ألمانيا منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية قد رحبت بالمهاجرين الأجانب، لا حبا بهم أو بثقافاتهم، وانما كمورد بشري رخيص لتعويض قوة العمل الشابة التي فقدتها أثناء الحرب العالمية الثانية. فشحة الأيدي العاملة في ذلك الوقت كانت عائقا جديا في طريق أعادة بناء ما خربته تلك الحرب، وهكذا تصرف بقية البلدان التي واجهت المشكلة ذاتها، حيث حققت الأهداف التي من أجلها سمحت للأجانب بالتدفق إلى بلدانها.

 فقد استقبلت ألمانيا وحدها عدة ملايين من العمال الأتراك بموجب اتفاقيات عقدتها ألمانيا مع تركيا في بداية ستينيات القرن الماضي، وبفضلهم تم انتشال ألمانيا من بين الأنقاض. لكن الأجيال الجديدة من الألمان لا ترى في الأتراك وغيرهم كقوة ايجابية، ساعدت وتساعد في بناء بلدهم، بل كقوة استنزاف لنظام التكافل الاجتماعي وأضعاف اقتصاد بلادهم، وتحملهم مسئولية البطالة السائدة في البلاد.

المسئولون الكبار من جهتهم تناسوا ما قدمه الاتراك لبناء ألمانيا، ويبدون ضيقا من وجودهم، ويسعون للتخلص منهم بأية طريقة، حتى ولو تطلب الأمر منحهم بعض المال تشجيعا لعودتهم إلى بلدانهم التي قدموا منها، مع أنهم أنفقوا جزءا عزيزا من حياتهم في اعمار وتطوير اقتصاد البلاد. لكن لماذا تتصاعد حدة حملة معاداة الأتراك والأجانب الآخرين الآن بالذات مع أنهم موجودون هناك خلال العقود الستة الماضية ؟ قد لا نجد سببا مباشرا لهذا غير المعركة الانتخابية التي بدءها اليمين الألماني المتطرف أخيرا، مستغلا الوجود الأجنبي وخاصة الجالية التركية، ليجعلها كبش الفداء ومادة الصراع مع غريمه يمين الوسط المتحالف مع الحزب الاشتراكي.

لقد صرح أخيرا رئيس جمهورية ألمانيا ردا على تصريحات أدلى بها بعض قادة اليمين المتطرف الألماني عبروا فيها عن ضيقهم من الجالية الاسلامية، حيث قال الرئيس: " إن الاسلام كالمسيحية واليهودية جزءا من الثقافة الألمانية ". فلم ينتظر ممثل أقصى اليمين طويلا للرد على أقوال رئيس البلاد، حيث صرح رئيس الاتحاد المسيحي الاجتماعي الألماني بالقول، " أن الاسلام ليس جزءا من الثقافة الألمانية، فالثقافة الألمانية ثقافة مسيحية، وأن المجتمع الألماني سيحافظ على ثقافته المسيحية، وهو ليس بحاجة للتعدد والتنوع الثقافي، ولم يعد بحاجة للعرب والأتراك، لقد انتهى ذلك تماما ".

وكان الخبير الاقتصادي في مجلس محافظي البنك المركزي الألماني، قد أدلى بتصريح شوفيني أشد حدة ضد الجالية الاسلامية والعربية في ألمانيا، متهما أياها بأنها جماعة من المحتالين قدموا إلى البلاد ليحتالوا على نظام التكافل الاجتماعي، وقد أضطر بسببه إلى الاستقالة من منصبه بضغط من الحكومة الألمانية.

 لم تتخلف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن هذا السجال، فقد أطلقت تصريحها هي الأخرى الذي فاجأت به الرأي العام الداخلي والعالمي، قالت فيه: " إن الأجانب الذين استقدمناهم في الستينيات من القرن الماضي لتطوير التنوع الثقافي في مجتمعنا، قد انغلقوا على بعضهم البعض ولم يندمجوا مع المجتمع الألماني، مما يثبت أن مجتمع تعدد الثقافات الذي تمنيناه لألمانيا قد فشل تماما ". وهذا بالضبط ما خرجت به استطلاعات الرأي الأخيرة، التي بينت أن 30 % من المجتمع الألماني لا يحبذ التنوع الثقافي الحالي، وهو ما يراهن عليه حزب اليمين المتطرف الألماني الذي يحظى بتعاطف واسع من قبل فئات واسعة من الألمان ذي البشرة البيضاء.

وواضح من هذا أن السيدة ميركل أرادت بتصريحها ذاك قطع الطريق أمام رئيس " حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي " من تحقيق مكاسب في الحملة الانتخابية القادمة على حسابها، حيث يتوقع أن ينافسها على منصب المستشارية الألمانية. ولا يستبعد أن يكون هدف زيارة رئيس جمهورية ألمانيا إلى تركيا أخيرا، هو تلطيف الأجواء التي لاشك تعكرت بعد تصريحات المستشارة الألمانية غير المتوقعة حول الاندماج الثقافي التي قصدت بها بشكل خاص الجالية التركية في ألمانيا. ومعلوم إن الزيارة التي يقوم بها الرئيس الألماني هي أول زيارة يقوم بها رئيس ألماني إلى تركيا في تاريخها، وتعتبر الدولتين أكبر شريكين تجاريين لبعضهما البعض، وتشكل الجالية التركية النسبة الأكبر بين المكونات الأجنبية في ألمانيا البالغ عددها أربعة ملايين مواطن.

ليست ألمانيا الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوربي التي تتصاعد فيها مشاعر معاداة الأجانب في السنين الأخيرة، ففي السويد وهولندا وبلجيكا والدنمارك والى حد ما في بريطانيا، يجري العمل حثيثا لاعادة النظر بقوانين الهجرة باتجاه وضع المزيد من الصعوبات أمام قبول مهاجرين جددا إلى البلدان المذكورة. بل ذهب البعض منهم إلى اجبار أعدادا كبيرة من اللاجئين الذين دخلوا البلاد أخيرا على العودة إلى بلدانهم بالقوة. وتحقق السلطات البريطانية مع وحدة الشرطة التي رافقت طالب لجوء أفريقي إلى الطائرة التي ستقله إلى بلده، والذي لفظ أنفاسه الأخيرة على مقعده في الطائرة قبل اقلاعها.

وتحوم الشكوك حول الحادث، وفيما اذا كان الضحية قد تعرض لمعاملة قاسية أثناء نقله رغما عن ارادته إلى الطائرة ومن ثم إلى بلاده. وتدعي السلطات الحكومية في البلدان الأوربية بأن ما تتخذه من اجراءات ضد المهاجرين هو من أجل الحفاظ على فرص العمل لمواطنيها الذين يعانون من البطالة. فيما ترى اتحادات رجال الأعمال عكس ذلك، اذ يرون في العمالة الوافدة عاملا لازدهار نشاطاتهم بسبب مرونة المساومة معها على الأجور وساعات العمل، بينما يتعذر ذلك مع العمال المحليين، بسبب تمسكهم بالحد الأدنى للأجور، وهو بحد ذاته مرتفع مما يخفض من حجم أرباح أرباب الأعمال وبخاصة الصغيرة منها.

 وهناك سببا آخر يقف وراء الضجة المثارة حول الهجرة والمهاجرين الأجانب إلى الدول الأوربية، وهو التصاعد الملفت للنظر للحركات العنصرية التي لا تخفي حقدها على الجاليات غير الأوربية، وبالأخص الملونين منهم، وهي رغم صخبها لا تشكل أكثرية في الوقت الحاضر، لكنها يمكن تحقق نجاحا في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/تشرين الأول/2010 - 16/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م