قل لي ماذا تأكل أقول لك من تنتخب

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يعيش المصريون هذه الأيام حمى الانتخابات البرلمانية وجنونها، وقد سبقهم العراقيون بانتخاباتهم منذ سبعة شهور ولم تتكشف لحظة الحقيقة لنتائج هذه الانتخابات حتى الآن.

في الانتخابات العراقية والتي جرت في موسم مابين البرودة والحر في الطقس اليومي عملت بعض الكتل السياسية على الترويج لمرشحيها عبر البطانيات وأجهزة التدفئة الرخيصة، وقد احتجت إحدى الكتل على صحفي يعمل في جريدة الصباح الحكومية لانتقاده أساليب (التكييف الانتخابي) ودفع رئيس تحرير الصباح السابق ثمنا كبيرا للسماح لهذا الصحفي بنشر مقالته حيث أقيل من منصبه كرئيس للتحرير بعد أن هدأت الضجة وهناك من حرض على الكاتب ويقال انه تم تهديده بالقتل.

عرّفت الدعاية الانتخابية بأنها طريقة المرشحين لتعريف الجمهور بخصوص مواقفهم من القضايا المتنوعة الموجودة على جدول الأعمال في الانتخابات وإقناع الجمهور لدعمها. وسائل الإعلام التي يتم من خلالها تنفيذ الدعاية الانتخابية هي إحدى الطرق التي يبلور مواطنو الدولة من خلالها تصورهم السياسي.

او هي النشاطات والفعاليات الانتخابية القانونية التي تقوم بها الهيئات الحزبية المسجلة، والقوائم الانتخابية المعتمدة، والمرشحون لشرح برامجهم الانتخابية لجمهور الناخبين، لحثهم على التصويت لصالح أي من المرشحين أو أي من القوائم أو الأحزاب.

تختلف الدعايات الانتخابية من مرشح الى آخر وتتنوع أساليبها التي تتوسل بها لاستمالة أصوات الناخبين لصفها، فهناك من يوزع البطانيات لعلاقتها بالحميمية والدفء الزوجي، وهناك من يوزع الواقيات الذكرية للتشجيع على الجنس الآمن وهذه في الدول الناعسة أو الدول المترنحة والمبتلاة بالايدز، وهناك من وزع الكباب المشوي (نفر كباب سفري) في إحدى الجامعات العراقية، الى آخر تلك الأساليب والطرق المتنوعة.

سجلت الانتخابات المصرية بعضا من المفارقات في المشاركة وفي الدعايات، فالإخوان المسلمون بعد سجالات المقاطعة او المشاركة رفعوا شعارا انتخابيا جديدا هو (مشاركة لا مغالبة) بدلا من شعارهم السابق الإسلام هو الحل.

السلطات المصرية تمارس نوعا من التضييق على الحريات الإعلامية كما تؤشر ذلك الصحف الأمريكية والمصرية بدأتها قبل الحملات الانتخابية.

دعوات كثيرة تتقدم بها منظمات المجتمع المدني المصرية لمراقبة الانتخابات خوفا من تزوير النتائج.

وفي حادثة غريبة من نوعها قام احد المواطنين وهو رجل أعمال بإحضار خنجر وقطع جزء من إصبع يده اليسرى للحصول على دم ليوقع به على استمارة الجبهة الشعبية لتأييد جمال مبارك مرشحا للرئاسة.

المفارقة الأبرز في هذه التحركات لجوء احد المرشحين للطماطم في دعاياته الانتخابية، فالمرشح عبد الغني الجمال اختار الطماطم والتي تسمى (الحارس الشخصي الأحمر) لتكون أسرع وسيلة للوصول إلى بطن وعقل الناخب‏ في منطقة بولاق الدكرور الشعبية بالعاصمة القاهرة، حيث قام بطرح ‏10‏ أطنان من الطماطم بثلاثة جنيهات (0.53 دولار) فقط للكيلو‏‏ بينما وصل سعرها إلى ‏10‏ جنيهات (1.75 دولار) في جميع الأسواق المحلية.

وقد تحمل المرشح نفقات النقل والعمالة التي وجدها أسهل من تعليق اللافتات الانتخابية له‏،‏ والتي حدد القانون الانتخابي المصري سقف المال الانتخابي ب ( 100 ) الف جنيه مصري اي ما يعادل 35 الف دولار امريكي، وأصبحت الطماطم هي أفضل دعاية لمرشح بولاق الدكرور الذي تسبب في إثارة الغيرة بين أهالي الدائرة والمناطق الأخرى الذين طالبوا مرشحيهم بطرح الطماطم ضمن برامجهم الانتخابية.

ويأتي هذا النوع من الدعاية الانتخابية المبتكرة من جانب المرشح الجمال، بعدما فشلت الإجراءات الحكومية في السيطرة على أسعار الطماطم التي استحقت عن جدارة لقب (المجنونة) التي عادة ما تتعالى به صيحات البائعين المتجولين في الشوارع المصرية، عند ترويجهم لها.

ووفقا لأحدث البيانات المتاحة الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) تحتل مصر المركز الرابع عالمياً في إنتاج الطماطم بنحو 7.6 مليون طن سنوياً، وتسبقها الصين بـ 31.6 مليون طن، والولايات المتحدة 11 مليون طن ثم تركيا 9.7 مليون طن.

وهذه الدعاية تكشف بأحد أوجهها ان الناخب العربي لم تعد تجذبه الشعارات السياسية ووعود الديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة وفرص العمل التي لم يتحقق منها شيء يذكر. كل ذلك لم يعد يهم الإنسان بعد أن أصبحت لقمة العيش هي مشكلته الكبرى التي يسعى وراءها،

أما في مدينة ملوي بالصعيد فقد بدأ أشرف عشيري وهو مرشح عن الحزب الوطني ببيع اللحوم والدواجن بأسعار تصل الى 35 جنيها للحم بدلا من 55 جنيها في السوق كما يبيع كيلو الدجاج ب10 جنيهات بانخفاض 5 جنيهات عن سعر السوق.

وتشهد المناطق التي يتم فيها بيع الأغذية بأسعار منخفضة زحمة وإقبالا من سكان مناطق أخرى في حين يقول مرشحون إنهم أصبحوا يتعرضون لضغوط من الناخبين في مناطقهم الذين يطالبونهم بتوفير تلك السلع بأسعار منخفضة بغية انتخابهم.

وقد دفع الارتفاع المستمر فى أسعار الطماطم احد المصريين إلى قتل زوجته التى لم يتجاوز عمرها 21 عاما، لأنه لم يشتر كيلو طماطم طالبته بشرائه بسبب ارتفاع أسعارها.

وأهمية الطماطم لا تقتصر على مصر والمصريين وانتخاباتهم بل تعدتها الى مجالات أخرى هي مجالات العلاقات الإسرائيلية المصرية فقد انتقدت إحدى الصحف الاقتصادية بإسرائيل عدم استجابة مصر لتصدير الطماطم إلى إسرائيل، بعدما أعلنت حكومة تل أبيب أنها ستتجه لاستيراد الطماطم من مصر وبعض الدول الأخرى لسد عجز وغلاء محصول الطماطم فى إسرائيل.

وتقديرا لدور الطماطم في فض النزاعات وعدم إراقة الدماء بين المتخاصمين يقام في اسبانيا سنويا مهرجان الطماطم استذكارا لما حدث في العام 5/1944 حين نشب عراك بالأيدي بين مجموعة من الشباب في سوق بلدة ( بونول) في اقليم فلنسيا في الشمال الشرقي لأسبانيا. وقد استعان المتعاركون بأكوام الطماطم الموجودة على عربات البيع، ومنذ ذلك اليوم وحتّى يومنا هذا يتم احياء ذكرى التراشق بالطماطم في نفس البلدة وان كان بصورة سلمية حتى طبقت شهرة هذا المهرجان العالمي الأفاق المحلية والعالمية.

في يوم الأربعاء الأخير من كل اغسطس/آب يحيي أهل بونول البالغ عددهم نحو 10 الاف نسمة مضافا إليهم ضعفي عددهم أو أكثر من الزوار والسائحين يحيوا مهرجان الطماطم المسمى.

يبدا سكان البلدة والزوار بالتجمع في ساحة البلدة المركزية حيث يتم هناك نصب سارية عالية أشبه بعمود إنارة، ويتم (طلاء) هذه السارية بالصابون اللزج من أسفلها وحتّى قمتها ويُعلق في قمتها قطعة من لحم الخنزير، وهنا تبدا محاولات الشباب لتسلق هذه السارية اللزجة للوصول الى قطعة اللحم.

في الحادية عشرة تماما تبدأّ مجموعة من الشاحنات القلاّبة المُحمّلة بحوالي 125 طنّا من الطماطم الناضجة بالزحف نحو الساحة المركزية فترتفع هتافات المتواجدين فرحا معلنة بداية الاحتفال، فيعتلي بعض الحضور الشاحنات ويرشقوا بعض الحبات الى الأعلى فتسقط الى الشارع حيث يتلقفها الحضو وهكذا تبدا عملية التراشق الجماعية فلا شروط هناك ولا قواعد للعبة المفتوحة والمتاحة للجميع سوى ضرورة ضغط حبة الطماطم باليد قبل رشق أحدهم بها تفاديا لإصابات مؤلمة أمّا اللباس فيجب ان يكون خفيفا وان كان الأغلب يفضل اللعب من دون ملابس، أما الشاحنات فتبدأ بتفريغ حمولتها رويدا رويدا، أمام حضور المتعاركين بالتراشق بالطماطم.

تستمر هذه المعركة ساعتين بالتحديد فعند الواحدة ظهرا يكون الحدث قد بلغ ذروته وسالت أودية من عصير الطماطم بل بحر من الكاتشوب يسبح ويغوص فيه الصغار والكبار الذين عادوا لطفولة مؤقتة.عند الواحدة تتجه الجموع الى النهر القريب للاستحمام وقد نصبت حوله أيضا حمامات مؤقتة.

شعارات الطماطم في الانتخابات المصرية ستفتح الطريق أمام الشعارات الانتخابية القادمة في بلداننا العربية لمخاطبة البطون والأفواه بدلا من مخاطبة العقول، وبعد ان انتشرت عدة تعبيرات من قبيل (قل لي كيف تفكر اقل لك من أنت) او كيف تنام او كيف تجلس او كيف تمشي او كيف تضحك الى اخر (الكيفات) سيكون تعبير (قل لي ماذا تاكل اقل لك من تنتخب) هو الشعار (الاستراتيجي) للساسة العرب من المحيط الى الخليج.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/تشرين الأول/2010 - 11/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م