العراق ولبنان في سلة واحدة

تشكيل الحكومة... من المحاصصة الطائفية الى الإقليمية

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يبدو إن العراق بات يخضع في مجمل قضاياه السياسية والاقتصادية الى العديد من الاعتبارات والصفقات الإقليمية، حيث انتقل زمام الأمور على ما يبدو من يد الساسة العراقيين الى ساسة الدول الإقليمية وغير الإقليمية، في تحول كبير من شهده واقع المحاصصة الطائفية، ليكون الشأن العراقي خاضعا لواقع جديد على العراقيين التعايش معه وهو المحاصصة الإقليمية، بخلاف الادعاءات التي يطلقها قادة الكتل والأحزاب الفائزة بالانتخابات إن حل معضلة تشكيل الحكومة كان وسيكون عراقيا!؟

فيما تشير التسريبات على هذا الصعيد إن شكل التدخل الخارجي وصل الى تحول اختيار الشخصيات العراقية المرشحة للمناصب السيادية الثلاث، من مجلس النواب العراقي الى مجلس حكام الدول الإقليمية، حيث بات من المرجح أن تخضع التشكيلة الحكومية الى تلك المعايير، والنزول على أحكام ومزاج قادة الدول المجاورة.

ومما يثير الاستهجان أيضا هو ربط مصير العراق ومستقبله بشؤون بعض الدول الإقليمية، وعلى وجه التحديد لبنان، وربط ملفات البلدين بمصير واحد بحسب ما اتفق عليه الفرقاء في إيران وسوريا والسعودية والعزيزة مصر.

تفاصيل الصفقة

فقد عقدت إيران في الأيام الأخيرة صفقة حاسمة الأهمية مع بعض جيرانها الإقليميين من الممكن أن تؤدي الى تنصيب حكومة في العراق مؤيدة لطهران، وهي خطوة من شأنها ان تنقل هذا البلد الهش الى خارج منطقة النفوذ الغربي. وتم ترتيب الصفقة من خلال لقاءات ومحاولات إقناع عدة من بينها اجتماع بين الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد والرئيس السوري بشار الأسد قبل بضعة أسابيع لهذه الغاية.

وقد نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية تحقيقاً من مراسلها في بغداد مارتن تشولوف يكشف فيه ان "الجمهورية الإسلامية كان لها دور فعال في تشكيل تحالف بين رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي، الذي يكافح للفوز بفترة ثانية في رئاسة الوزراء، ورجل الدين الشيعي القوي مقتدى الصدر.

ويضع الاتفاق- الذي شاركت فيه سوريا وحزب الله اللبناني وكبار المرجعيات الشيعية الإسلامية- المالكي في الواجهة ليعود إلى الزعامة على الرغم من جمود استمر سبعة شهور بين الكتل السياسية العراقية المتنافسة.

كما يضع إيران في موقع حاجز فعال امام المصالح الأميركية في وقت تتطلع فيه الولايات المتحدة لتغيير علاقتها بالعراق من وضع السيادة العسكرية إلى الشراكة المدنية.

وقدّم مسؤولون عراقيون بارزون لصحيفة "ذي غارديان" تفاصيل عن الحملة الإيرانية وراء الكواليس التي بدأت بشكل جاد أوائل أيلول (سبتمبر) الماضي.

وفي ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة قد سحبت للتو آخر وحداتها المتخصصة للقتال في العراق، لكنها تركت فراغا سياسيا لا معه في العراق حكومة بعد انتخابات آذار (مارس) التي أسفرت عن برلمان منقسم بشكل نهائي كما يبدو. ووجد الإيرانيون في ذلك فرصتهم المناسبة، وفقا لهذه المصادر.

وقال مصدر مهم معلقا على توقيت التحرك الإيراني: "الإيرانيون ظلوا متحفظين حتى ذلك الحين. ولم يرغبوا في منح الأميركيين الإحساس بانهم يغادرون في ظروف جيدة".

وبعد أيام من الانسحاب طلب الإيرانيون من الصدر الذي كان يعيش في منفاه الاختياري بمدينة قم الايرانية ان يعيد النظر في موقفه الذي كان معارضا بشدة للمالكي. وحصل حزب الصدر على 10% من مقاعد البرلمان العراقي البالغ عددها 325 في الانتخابات الاخيرة، ما جعله بيضة القبان في أي تشكيلة حكومية جديدة.

وجاء الضغط بشكل رئيس من الزعيم الروحي للتيار الصدري آية الله كاظم الحائري، الذي كان العراب الشخصي لمقتدى الصدر خلال السنوات الأخيرة. وقال المسؤول: "لم يستطع أن يرفض طلبه. ثم دخل الإيرانيون على الخط".

وبعد ايام من التحرك الإيراني جاء ضغط من داخل العراق. وخلال شهر ايلول (سبتمبر) أرسل المالكي كبير مساعديه إلى قم بصحبة زعيم بارز في حزب الدعوة الذي يقوده المالكي، وهو عبد الحليم الزهيري. وانضم إليهما، وفقا لمصدر "ذي غارديان" مسؤول كبير في المكتب السياسي لحزب الله اللبناني، محمد كوثراني، بالإضافة العدو اللدود للولايات المتحدة، الجنرال قاسم سليماني، قائد ألوية القدس في الحرس الثوري الإيراني الذي تتهم الولايات المتحدة قواته بالتسبب في ربع خسائر قواتها في العراق خلال ثماني سنوات من الحرب.

وخلال الأسابيع الثلاثة اللاحقة، اجتمع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بالرئيس السوري بشار الأسد في مطار دمشق، في طريقه لإلقاء خطاب أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك.

وكان لهذا الاجتماع الذي استغرق ساعتين تأثير حاسم في تغيير رأي الأسد في المالكي. ولم يتحدث الرئيس الاسد مع المالكي منذ 15 شهرا وقد سحب كل منهما سفيره من بلد الآخر بعد أن اتهم المالكي الأسد بإيواء الإرهابيين الذين دمروا أربع وزارات في بغداد خلال حملة تفجيرات مدمرة. وفي المقابل، زار الأسد طهران في اليوم الذي اعلن فيه الصدر عن تأييده للمالكي. ويعتقد أن اثنين آخرين من القادة الروحيين الشيعة، هما آية الله العظمى على خامنئي وزعيم حزب الله الشيخ حسن نصر الله، هما اللذان دعما التحرك الصدري.

ومن المفهوم أن الانسحاب الكامل للقوات الأميركية في نهاية العام 2011 بعد توقيع الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن هو مطلب للشيخ نصر الله.

وقال المصدر نفسه: "أخبرهم المالكي انه لن يمدد مطلقا أو يجدد لأي قاعدة عسكرية، ولن يقدم تسهيلات للأميركيين أو البريطانيين بعد نهاية العام القادم".

ولم يتم التفاوض بعد على شكل العلاقة الأمنية المستقبلية بين العراق والولايات المتحدة ويعتقد على نطاق واسع أن الولايات المتحدة تأمل في الاحتفاظ بقاعدة عسكرية واحدة على الأقل في العراق يمكن استخدامها كاحتياطي استراتيجي في المنطقة.

واشار مسؤولون اميركيون إلى أنهم سيقلصون نشاطهم في العراق إذا برز الصدريون الذين كانوا الخصم الرئيس لهم خلال سنوات الحرب كلاعبين مهمين في أي حكومة عراقية.

وجاءت هذه التسريبات وسط انتقادات حادة للدور الدبلوماسي الأميركي في العراق منذ الانتخابات. في البداية أيدت الولايات المتحدة بقوة المالكي، ثم غيرت وجهتها خلال الصيف لتطالب بتقاسم للسلطة لتمكين المرشح العلماني المنافس إياد علاوي الذي حصلت كتلته "العراقية" على عدد من الأصوات أكبر من تلك التي حصلت عليها كتلة المالكي.

وقال أسامة النجيفي مساعد علاوي: "السياسة الأميركية داخل العراق سهلت هذه السيطرة الإيرانية. الأميركيون ينسحبون الآن من العراق ويبدو أن سلوكهم أوائل الصيف كان هدفه تملق إيران. وسيؤدي هذا إلى كارثة في المنطقة، ليس فقط بالنسبة الى العراق، بل للمصالح الأميركية أيضا. انتقلنا من الاحتلال الأميركي إلى الاحتلال الإيراني".

وقال مسؤول كبير في إدارة اوباما: "اود أن أقول إن العراق حكومة مستقلة ولسنا طرفا في نقاشات كهذه. وفي ما يتعلق بمستوى الدور البناء الذي يريد جيران العراق أن يلعبوه، فنحن نرحب بذلك. واشدد على كلمة بناء. فلا يتعلق الموضوع بالتفاعل مع العراق، بل بنوعية هذا التفاعل. أما إن كان الدور هداما، فنحن ندينه".

واضاف المسؤول إنه في كانون الأول (ديسمبر) 2011 ان "اي متابعة لنشاطنا في العراق في ما يختص بالقوات ستكون بناء على طلب حكومة العراق. وليست هناك خطط لإبقاء القوات بعد كانون الأول (ديسمبر) 2011. نحن ننسحب، وستخرج كل القوات من العراق".

ورغم أن هذا هو الخط الرسمي للولايات المتحدة، فإن واشنطن غير الرسمية تتوقع الاحتفاظ بقوة في العراق بعد كانون الأول (ديسمبر) 2011، فضلا عن قواعد لحماية المصالح النفطية، وتدعيم الحكومة العراقية في حالة وقوع انتفاضة تهدد الاستقرار، كما ستساعد تلك القوة في احتواء إيران.

رئيس البرلمان العراقي

على صعيد متصل كشف مصدر عراقي مطلع على محادثات تشكيل الحكومة الاحد عن اقتراح بتعيين الشيخ نواف الجربة الذي يرتبط بعلاقة مصاهرة مع العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، رئيسا للبرلمان العراقي خلال جلسة يرجح انعقادها.

وقال المصدر لوكالة فرانس برس طالبا عدم كشف هويته ان "الجربة وهو مستقل انتخب ضمن ائتلاف وحدة العراق بزعامة وزير الداخلية جواد البولاني، شخصية لاخلاف حولها وعلاقة المصاهرة مع الملك عبد الله قد لا تثير اعتراض السعودية".

يشار الى ان ائتلاف البولاني وجبهة التوافق اعلنا الاسبوع الماضي اندماجهما تحت مسمى "تحالف الوسط". لكن الجربة لم ينضم الى هذا التحالف، وفقا للمصدر.

واشار المصدر الى "اتفاق على عقد جلسة للبرلمان السبت المقبل بحضور القائمة العراقية او من دونها".

وعزا المصدر "اختيار الجربة الى عدم وجود علاقات متوترة بينه والكتل الاخرى ولا احد يشكك بانتمائه العربي السني، كما ان صلته بالاكراد جيدة بخلاف اسامة النجيفي او طارق الهاشمي" الذي يرجح ترشحيهما للمنصب ذاته.

ومن الاسباب التي دعت الى ترشيحه انه يتمتع بنفوذ عشائري كبير خصوصا ان قبيلة شمر التي ينتمي اليها تمتد من الموصل الى سوريا والسعودية ودول الخليج، وفقا للمصدر.

وتخوض الكتل السياسية العراقية مفاوضات معقدة منذ اكثر من سبعة اشهر بهدف التوصل لاتفاق حول توزيع المناصب الرئاسية الثلاثة بينها رئاسة البرلمان، دون جدوى.

إيران

من جهته صرح علاوي لشبكة +سي ان ان+ الاميركية "نعلم مع الاسف ان ايران تحاول قلب الامور في المنطقة وزعزعة استقرارها عبر زعزعة استقرار العراق واستقرار لبنان والقضية الفلسطينية".

واضاف "المؤسف ايضا ان العراق والشرق الاوسط برمته هما ضحية هؤلاء الارهابيين الذين تمولهم ايران بالتاكيد وتدعمهم حكومات مختلفة في المنطقة".

ورفض السفير الايراني في بغداد حسن دانائفر هذه الاتهامات وقال في تصريح لوكالة فارس انها "غير صحيحة. لقد ادلى بهذه التصريحات قبيل زيارات (المالكي) الى دول اخرى. انها لا اساس لها". واوضح ان "هذه التعليقات قديمة ولقد ادلى بها هؤلاء الاصدقاء مرارا حتى لم يعد احد يصغي اليها".

واعرب عن تأييده لزيارة المالكي الى طهران مشيرا الى ان الهدف منها هو "اجراء مشاورات وتبادل الاراء مع دول مجاورة وذات نفوذ في المنطقة".

واشار تلفزيون العالم الايراني الناطق باللغة العربية الى ان المالكي الذي سبق ان توجه الى سوريا والاردن في اطار جولته على دول المنطقة، من المقرر ان يزور ايضا تركيا ومصر وعددا من دول الخليج بعد مغادرته ايران.

وحاول علاوي ايضا الحصول على الدعم الاقليمي من خلال زيارته السعودية وايضا دمشق وبيروت في الاشهر الماضية.

التوتر في لبنان

في سياق متصل التقى العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الاسد في الرياض في ظل التوتر المتصاعد في لبنان على خلفية المحكمة الدولية الخاصة بمعاقبة الضالعين في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري.

وذكرت وكالة الانباء السعودية الرسمية ان العاهل السعودي والرئيس السوري "عقدا اجتماعا في الصالة الملكية بمطار قاعدة الرياض الجوية" التي كان وصل اليها الاسد في وقت سابق.

واكتفت الوكالة بالقول ان الجانبين بحثا "مجمل التطورات على الساحتين الاسلامية والعربية وموقف البلدين الشقيقين منها وفي مقدمتها تطورات القضية الفلسطينية".

كما تناولت المباحثات "مستجدات الاحداث على الساحة الدولية اضافة الى آفاق التعاون بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها في جميع المجالات بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين"، وفق المصدر نفسه.

وتاتي زيارة الاسد للرياض بعيد زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد للبنان والتي تجلت خلالها في شكل قوي العلاقة الوثيقة بين طهران وحزب الله وجمهوره في لبنان.

ويرى محللون ان النقطة الرئيسية التي ستبحث خلال القمة في الرياض هي الخلافات في لبنان بين رئيس الحكومة سعد الحريري والمعارضة وفي مقدمها حزب الله، حول المحكمة الدولية الخاصة باغتيال والده في 2005.

واشارت تقارير صحافية الى ان القرار الظني للمحكمة الدولية في شان هذه الجريمة قد يشير الى ضلوع عناصر في حزب الله وقد يتم استدعاؤهم الى المحاكمة، الامر الذي رفع منسوب التوتر في لبنان الى مستويات عالية. وضاعف هذا التوتر المخاوف من مواجهات طائفية في لبنان ومن انهيار حكومة الوحدة الوطنية.

كما من المتوقع ان يبحث الزعيمان عملية تشكيل الحكومة العراقية المتعثرة منذ اكثر من سبعة اشهر، بحسب المحللين.

ويذكر ايضا ان رئيس الحكومة اللبناني موجود في السعودية، الا ان مصادر لبنانية مسؤولة اكدت ان سعد الحريري يقوم بزيارة عائلية للمملكة وليس هناك نية لانضمامه الى القمة السعودية السورية.

وقال مصطفى العاني الخبير في الشؤون الامنية الاقليمية والباحث في مركز الخليج للدراسات الذي مقره في دبي ان الشان اللبناني سيكون البند الاساسي في القمة.

وذكر في هذا السياق ان "هناك ازمة كبرى حول مستقبل المحكمة الدولية"، خصوصا مع اتهام حزب الله المحكمة بانها تسعى الى النيل منه بدفع من اسرائيل، واصراره على تحريك ملف ما يعرف ب"شهود الزور" الذين يعتبر التنظيم الشيعي ان شهاداتهم ضللت التحقيق.

وبحسب العاني، فان الاسد الداعم القوي لحزب الله "لم يعلن موقفه بوضوح" بشان المحكمة الدولية، فيما السعودية تدعم الحريري وتساهم في تمويل المحكمة الدولية.

من جهتها، قالت صحيفة الوطن السعودية نقلا عن مصدر حكومي سعودي ان زيارة الاسد للرياض "رد لزيارة خادم الحرمين الى دمشق في تموز/يوليو الماضي".

وبحسب المصدر الحكومي، فان "التعاون السعودي السوري هام في هذه المرحلة لمواجهة التحديات المصيرية التي تتعرض لها المنطقة والتي تتطلب تكاتف جميع القادة العرب لتفادي تأثيراتها السلبية". وقد تستمر الزيارة يومين بحسب المصدر.

وذكرت الصحيفة ان "التوافق السعودي السوري يعتبر العنصر الحاسم لنجاح عدد من القضايا العربية اولها الملف العراقي حيث ترغب الرياض في تكريس الدور السوري في العراق لايجاد توازن بين الفرقاء تدعمه علاقتها بايران".

وذكرت الصحيفة ايضا بان رئيس الوزراء العراقي الاسبق اياد علاوي طالب خلال لقائه الرئيس الاسد الشهر الماضي القوى الدولية والاقليمية بعدم التدخل في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وناشد دمشق "المساعدة في التوسط لدى ايران في ذلك الشأن". ويعد علاوي قريبا من المملكة.

وبحسب الوطن، فان سوريا "تلعب دورا في المشروع السعودي الهادف الى اعادة احياء المحور الثلاثي الرياض ـ دمشق ـ القاهرة الذي انهار بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/تشرين الأول/2010 - 11/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م