النظام السياسي وعقبة العقليات الديكتاتورية

الديمقراطية المبطنة بثقافة الاستبداد

عدنان الصالحي

 

شبكة النبأ: حلم طالما راود الشعوب الشرق أوسطية وبالذات منها الشعب العراقي، الذي قدر له أن يرى من الحكومات والحكام أقساهم وأسوئهم على امتداد تاريخه القديم والحديث والمعاصر، استبشر هذا الشعب خيرا بالتغير في 9 ابريل نيسان عام 2003، حيث أزيل عنه كابوس الرعب الجاثم على صدره منذ خمسة وثلاثين عاما متمثلا بالدكتاتورية البعثية والحاشية الصدامية.

هذا الفرح بقدوم الحياة الديمقراطية التي وعدت بها الولايات المتحدة الأمريكية إبان غزوها للعراق لم يدم طويلا فحالة الانفلات الأمني والتطرف الطائفي ضرب هذه التجربة بضربات كادت أن تودي بها إن لم تجعلها سقيمة ومشوهة الملامح.

اليوم وبعد مضي سبعة أعوام على هذا التغيير، الذي من المفترض أن يجني ثماره الشعب ولو بمقدمات بسيطة، لم تلح بالأفق تطبيقات حقيقية للحياة الديمقراطية، عدا بعض الأمور التي تعتبر نسبة للديمقراطية المتطورة قشرية وظاهرية.

فمفهوم الديمقراطية والتي تعتبر ترجمة لجملة لغوية مفادها(حكم الشعب)، لم يستطع رعاة العملية السياسية الفلاح في إعطاء ولو صورة مبسطة عن إمكانية تطبيق هذه المقولة تطبيقا واقعيا، بل إن الحال يشير إلى إن الأمر لا يعدو السير في آليات جديدة للحكم تسمى (الديمقراطية) بعيدا عن روحها, فوجود انتخابات شعبية هو مؤشر أولي للديمقراطية وليس هو كل الديمقراطية.

هذه الظاهرة تعد مؤشرا خطيرا على فقدان المعنى والفهم الحقيقي للحياة التعددية، وإذا ما استمرت الحالة فقد نعيش ديمقراطية قشرية مبطنة بدكتاتورية حزبية او مذهبية او قومية، وهذا ما يحاول البعض الوصول إليه عن طريق التلاعب باليات أو تفسيرات المواد القانونية للدستور المصوت عليه في عام 2005.

بلا شك إن عملية النجاح في بناء حياة سياسية تعددية لا تهمش أي جانب تنتج من وجود قوانين ثابتة ومواد دستورية مفعلة وعلوية للدستور والقضاء على الجميع، مضافا الى ذلك وجود الإيمان الحقيقي بضرورة إنجاح هذه التجربة والقبول بنتائج آلياتها من الجميع وهذا ما لم يحدث لحد الآن في بلدنا العراق بشكل كلي .

فوجود أحزاب وكتل سياسية تفوق سلطتها سلطة القانون وعلوية الدستور يجعل من الصعب إنشاء حياة ديمقراطية بواقع تمثيلي صحيح في إخراج حكومة تمثل الخط الفعال في البلاد او النسبة التمثيلية الحقيقية لشرائح المجتمع، وكذلك خرق القانون بهذا الاتجاه يشكل عبا مضاعفا على أجهزة الدولة المختلفة في كيفية التعامل مع جهات تفوق سلطتها أو صلاحياتها، لذا تكون مضطرة للخضوع لمثل تلك الجهات اما للمحافظة على مناصبها او ديمومة عملها او سلامتها الشخصية على اقل تقدير.

قد يكون الزمن الماضي الذي عقب التغيير لم يترك فرصة لبناء نظام ديمقراطي تعددي حقيقي لأسباب موضوعية وفنية و أخرى سياسية إلا إن الفترة القادمة المتمثلة بالأربع سنوات المقبلة ستكون ذات قرار مهم في نوع ولون الحياة السياسية في البلاد وقد يعتمد هذا على عدة أمور:

أولا: إدارة البلاد بعقلية الشراكة الفعلية الناتجة من ضرورة جمع اغلب الأطراف وإشراكها برسم السياسة العامة للبلاد.

ثانيا: الانتقال من حالة (الهيجان) والتوتر السياسي الى الهدوء والتروي.

ثالثا: الاحتكام الى الدستور والخضوع للقانون .

رابعا: تفعيل المواد الخاصة ببناء حياة المجتمع المدني وأهمها وقف عسكرة المجتمع، والسماح و تسهيل طرق التعبير عن الرأي بشتى الوسائل السلمية المنضبطة .

خامسا: تقليل الحواجز الروتينية في التعامل مع المواطنين، وبناء جسور ثقة متبادلة بين النخب السياسية والمواطن.

سادسا: لشفافية السياسية والصراحة الواسعة مع المجتمع وبيان ما يدور خلف الكواليس بعيدا عن التصنع والشعارات البراقة.

سابعا: إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية بالانفتاح الحكومي والبرلماني على الواقع الاجتماعي وتحسيس المواطن بثمرة احتكامه لصناديق الاقتراع.

ثامنا: القبول بنتائج الانتخابات أيا كان شكلها والابتعاد عن لغة التشكيك والتخوين، وإعطاء صورة نموذجية للآخرين للاقتداء بها مستقبلا.

تاسعا: الرضوخ الى حقيقة إن من يحكم البلد وينجح في ذلك هو الذي يؤمن أكثر من غيره بضرورة التداول السلمي للسلطة وعدم تهميش الآخرين، وإحساسه بالحاجة لجميع من حوله من اجل النجاح.

عاشرا: القناعة بان من يحاول إعادة عقارب الساعة الى الوراء وإنتاج حكومة على وفق ما يشتهي إنما يسير نحو طريق السقوط بلا رجعة لنفسه ولحزبه.

لقد مارس العراقيون الحياة الديمقراطية في هوامشها أكثر مما تمتعوا بنتائجها لحد الآن، وإذا ما استمر الوضع الحالي لفترة أطول من خلال التنصل من الوعود او المراوغة كسبا للوقت فليس ببعيد أن يتخلى الشعب عن دعمها لتكون نهاية الديمقراطية الفتية على يد من حاول ترتيبها وفق ما يشتهي، فلم يفلح في ذلك ولم يترك للآخرين فرصة تاريخية لبناء مجتمع تعددي ناجح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تشرين الأول/2010 - 10/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م