القادة السياسيون وظاهرة الإثراء على حساب شعوبهم

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: الترف منهج حياة يميز الذوات المشبعة بالأنانية والبحث عن لذائد الحياة، حتى لو جاء ذلك على حساب الفقراء والضعفاء وغيرهم، والترف غالبا ما يرافق حياة الملوك والسلاطين وذويهم، وكذلك الأغنياء والمتنعمين بالثروات بطرق الاستحواذ، لذا فإن الترف غالبا ما يكون مدعاة للسخط لاسيما اذا تم تحقيقه على حساب الآخرين.

ومن دواعي الأسف أن البعض من القادة في الراهن السياسي يشكلون النموذج الجائر والمؤلم في مجال (القادة المترفين)، فهم لا يضعون مصالح الإسلام والمسلمين في صدارة اهتمامهم كما يتوجب عليهم ذلك، إنما السلطة والقوة والنفوذ ديدنهم، لأن هذه العوامل تشكل مصدرا دائما لترفهم وذويهم.

وإذا اعترض احدهم أو طلب إسنادا لمثل هذه الأقوال والآراء، فإن شراء الفلل الفارهة واليخوت والقصور في مرابع الدول الغربية وغيرها دليلنا على آرائنا وأقوالنا، ناهيك عن البذخ المستديم على المقامرات السرية والمعلنة في موائد وقاعات القمار وغيرها.

وإذا تحرّز بعضهم في هذا المجال لكي لا يفضح أمره فإنه يمارس الاستحواذ داخل بلاده فتراه يشتري ما يشاء ويبذخ كيفما يشاء، ويعيش هو وذويه في بحبوحة (المال العام) في وقت تتضور ملايين المسلمين جوعا وفقرا.

وبهذا فإنهم يضعون أسسا واضحة لفشلهم في بناء الدولة المعاصرة، من خلال تفضيلهم لذواتهم، مبتعدين بذلك عن النماذج القيادية العظيمة في الحلقات المشرقة من التأريخ الاسلامي، أولئك القادة العظام الذين كانوا يتميزون بالزهد الراسخ على حساب الذات لصالح جموع المسلمين. في هذا الصدد يقول الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) في كتابه القيّم الموسوم بـ (الصياغة الجديدة):

(مجموعة من قادة الأحزاب والمنـــظمات الإسلامية يسلكون سبيل البذخ والترف، بسكنى القصور، وامتطاء السيارات الفارهة، والتزوج بالفتيات الجميلات ذوات المكانة المرموقة، وتهيئة وسائل العيش المريحة، وبذلك ينفصلون عن عامة الشعب، حيث إن من طبيعة الناس عدم الاعتراف بقادة يسكنون الأبراج العاجية ويرفلون في النعيم ثم يتكلمون باسم الفقراء والمساكين وباسم الإسلام والمسلمين).

وما يُلاحظ على مثل هؤلاء القادة، أنهم يتحدثون باسم الدين ويحاولون تسويق ما يرد في كلماتهم على المسلمين، وهم بذلك يسلكون منهج الخداع الذي لا يمكن أن يستمر طويلا، فسرعان ما يتم كشفهم من لدن الجماهير الواسعة التي لا يمكن خداعها، لأنها تلاحظ وتراقب التباين بين أقوال القادة المترفين وبين سلوكهم القائم في ساحة الفعل، وفي هذا المجال يقول الإمام الشيرازي بكتابه نفسه:

(إن من يتكلم باسم الدين لا بد وأن يكون مثل الرسول -صلّى الله عليه وآله- وخلفائه الطاهرين -عليهم السلام- في السلوك والعمل، فإذا رأى الناس رؤساء المنظمات والأحزاب والجمعيات الإسلامية يسلكون خلاف سلوكهم عرفوا أنهم ليسوا من الإسلام في شيء فانفضوا من حولهم، ويسبب ذلك فشلهم).

فإذا انشغل قادة المسلمين بالترف الشخصي والعائلي وبترف البطانة والحاشية، ستُركن قضية بناء الدولة المعاصرة جانبا، وستنشغل المنظمات والأحزاب والجمعيات الإسلامية بإمور جانبية لا تصب في صالح عموم الناس وهو أمر يقود الى عزلة القادة والمنظمات من لدن الجماهير، إذ يؤكد الإمام الشيرازي في هذا الصدد على أن:

(من أسباب تخلف المسلمين وعدم تمكن المنظمات والأحزاب والجمعيات الإسلامية من النهضة ومن الوصول إلى الحكم -عدم الجماهيرية-).

فالجماهير لابد أنها تكتشف مدى جدية قادتهم على بناء دولتهم بما يتماشى مع متطلبات العصر من خلال الافعال وليس الاقوال، وذلك برفع المستوى التعليمي والثقافي والإنتاجي والمعاشي وهو ما يصب في روافد بناء الدولة والمجتمع الحديث المنتج، وهذا لا يتم مع وجود القادة الباحثين عن الترف وديمومة السلطة.

يقول الإمام الشيرازي في كتابه الثمين نفسه:

(نحن نرى أن القائدَين العظيمَين رسول الله -صلّى الله عليه وآله- وعلي بن أبي طالب -عليه السلام- وسائر الأئمة -عليهم السلام- كانوا يعيشون عيشة متواضعة زاهدة قانعة، بما في هذه الكلمات من معنى).

فبناء الدولة المعاصرة تتطلب من قادة الحاضر أن ينهلوا من تجارب قادتنا العظام الذين زهدوا بالسلطة والمال والترف وأفنوا أعمارهم من أجل رفعة الإسلام والإنسان معا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تشرين الأول/2010 - 10/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م