الشراكة الوطنية

من القاموس السياسي العراقي المعاصر

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الإعلام بوسائله المتعدد (فضائيات – صحف – اذاعات) لا يخلو من ذكر كلمة (الشراكة الوطنية) في تناوله لما يحدث على الساحة السياسية العراقية، وأكثر ما يتحدث عن هذه الشراكة هم المعترضون على ترشيح رئيس الوزراء نوري المالكي لدورة ثانية،حتى باتت كلمة الشراكة الوطنية لكثرة ترديدها على السنة السياسيين الرافضين لشخصية المالكي وكأنها ماركة مسجلة او علامة تجارية لمنتج اسمه الوطن والوطنية والدفاع عن مصالح الشعب العراقي.

بداية سنحاول تسليط الضوء على كلمة الشراكة وكلمة الوطنية المشتقة من الوطن ومعانيها في ميدان الاقتصاد:

الشراكة Public - Private Partnership او PPP او P3 تعنى بأوجه التفاعل والتعاون العديدة بين القطاعين العام والخاص المتعلقة بتوظيف إمكانياتها البشرية والمالية والإدارية والتنظيمية والتكنولوجية والمعرفية على أساس من المشاركة، الالتزام بالأهداف، حرية الاختيار، المسؤولية المشتركة والمساءلة من اجل تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تهم العدد الأكبر من أفراد المجتمع ولها تأثير بعيد المدى على تطلعاتها حتى يتمكن المجتمع من مواكبة التطورات المعاصرة بطريقة فاعلة وتحقيق وضع تنافسي أفضل.

وأنواع الشراكة في هذا المجال هي:

- شراكات تعاونية.

- وشراكات تعاقدية.

وهناك أيضا الشراكة المجتمعية والتي تعني إشراك شرائح المجتمع المحلي في آلية أو تنظيم مؤسسي محلي لا مركزي (مشهر)، يشارك في مختلف مجالات التنمية الشاملة المرتبطة بالعمل البلدي في الدولة سواء كانت خدمية أو ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية.

أما الشراكة السياسية، فتعني إشراك جميع مكونات الشعب السياسية في صنع القرار بنيّة الوصول إلى المصلحة العامة والى الهدف المشترك دون استئثار أي طرف من الأطراف بالتمسك بحق النقض (الفيتو) الذي من شأنه أن يخرج الشراكة من مفهومها الحقيقي إلى مفهوم المحاصصة، مع مراعاة الأغلبية الأخذ بنظر الاعتبار وجهة نظر الأقلية كي لا يصل الأمر بالاستبداد من قبل الأكثرية.

ويجب أن تتضمن حيزا لمعالجة الشراكة كمفهوم إلا أن الاهتمام الأكبر أيضا هو حول سعي القوى السياسية المتصارعة المتنافسة لترجمة الشراكة إلى مكاسب معينة تصب في مصلحتها الخاصة مصلحة القاعدة المؤيدة دون المصلحة العامة.

إن مفهوم الشراكة السياسة بهذا المعنى، أي القائم على المصلحة والفائدة التي تعود لقاعدة التأييد لكل من الحكومة والحزب والحركة، هي المحرك الأساسي ربما ليس الوحيد لسلوك القوى السياسية سواء الداخلة في الشراكة أو التي خارجها.

وتوجد ايضا المشاركة السياسية المشتقة من فعل (شرك) واشتقاقاته المتعددة، والتي تعني محصلة نهائية لجملة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية؛ تتضافر في تحديد بنية المجتمع المعني ونظامه السياسي وسماتهما وآليات اشتغالهما، وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ المشاركة الذي بات معلماً رئيساً من معالم المجتمعات المدنية الحديثة، المجتمعات التي أعاد العمل الصناعي وتقدم العلوم والتقانة والمعرفة الموضوعية والثقافة الحديثة بناء حياتها العامة وعلاقاتها الداخلية، على أساس العمل الخلاق، والمبادرة الحرة، والمنفعة والجدوى والإنجاز، وحكم القانون، في إطار دولة وطنية حديثة، هي تجريد عمومية المجتمع وشكله السياسي وتحديده الذاتي.

ويذهب الباحث العربي برهان غليون الى عدة اشتراطات موضوعية كي تتحقق المشاركة السياسية الفاعلة فهو بقول انها (مشروطة بالانتقال من "الجماعة الطبيعية" إلى الجماعة المدنية، من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث، مجتمع الشغل والإنتاج والمصالح المختلفة والمتباينة والتنافس الخلاق والاعتماد المتبادل، أي إنها مرتبطة بالاندماج الوطني أو الاندماج القومي والانتقال من التشظي والتناثر إلى الوحدة، وحدة الاختلاف، ومن الملة إلى الأمة، بالمعنى الحديث للكلمة، وهو غير المعنى المتداول في الخطاب الثقافي والسياسي العربي حتى اليوم، والانتقال من ثم من وضعية ما قبل الدولة الوطنية إلى الدولة الوطنية بثلاثة أركانها: الأرض (الوطن) والشعب والسلطة السياسية).

 ويضيف قائلا (لا يمكن الحديث عن مشاركة سياسية إلا في نطاق مجتمع مدني حديث ودولة وطنية حديثة لا تبدو لمواطنيها من الداخل سوى بصفتها دولة حق وقانون، لا دولة حزب، ولا دولة نخبة ولا دولة طغمة ولا دولة عشيرة، ولا دولة طائفة أو جماعة دينية، ولا دولة جماعة عرقية، وإلا فنحن إزاء بوادر وإرهاصات عسى أن تكون ذاهبة إلى المستقبل. وهو يميل إلى القول: ليس لدينا بعد سوى ضرب من مشاركة سياسية سلبية تتجلى في التأييد السلبي، أو القبول التام، وفي المعارضة السلبية أو الرفض التام).

أما الوطنية المشتقة من الوطن فهي كلمة ضبابية مبهمة لا تكاد تجد لها تعريفا شاملا وجامعا مانعا يمكن أن يتفق عليه الجميع داخل هذا المكان المسمى وطنا.

عراقيا، كان نظام صدام حسين في نظر مؤيديه نظاما وطنيا، وكان معارضوه في خانة العملاء او (ألا وطنيين) والعكس صحيح أيضا، واستمر الالتباس في هذه الكلمة حتى بعد سقوطه أيضا، فقد عدن عملية إسقاطه من قبل المتضررين من نظامه عيدا وطنيا وعدن من قبل مؤيديه عملا خاننا، وانسحبت كلمة الوطنية على العلم العراقي، فقسم تمسك بالعلم الذي حوره صدام حسين وعدوه من الوطنية وقسم طالب بتغييره وعد من الوطنيين ايضا،

وانسحبت تلك الكلمة على الأعمال المسلحة فمن رفع السلاح أصبح وطنيا ومن طالب بحقن الدماء والعمل السياسي أصبح عميلا وخائنا.

والوطنية والوطني تنسحب على الكثير من الأنشطة والرموز والفعاليات الحياتية الاخرى، فهناك النشيد الوطني والمنتخب الوطني والصناعة الوطنية والأمن الوطني والكهرباء الوطنية والرموز الوطنية والثروات والاستراتيجيات والخطط وكلها تضاف الى هذه الكلمة الوطني او الوطنية.

يتساءل احد الكتاب وهو يرى هذا التناقض في مدلول كلمة واحدة على لسان المتحدثين بها، (هل الشيوعية خيار وطني؟ وهل الجمهورية خيار وطني؟ وهل النظام الإسلامي خيار وطني؟ وهل إسقاط صدام حسين عمل وطني؟ وهل الكفاح المسلح عمل وطني؟ وهل كامب ديفيد عمل وطني؟ وهل وقف إطلاق النار في الجولان عمل وطني؟).

حين انتصرت الثورة البلشفية في روسيا، مجّد التاريخ الوطنيون الشيوعيون وهجا في الوقت عينه أؤلئك المدافعين عن روسيا القيصرية البيضاء.

بالإمكان ملاحظة نفس العوارض، إبّان التجربة النازية في ألمانيا. فهتلر في أطروحته، لم يكن إلا ليستند على شعور قومي وطني استلهم مقوماته من معاهدة فرساي المذلة. النازية إذن في هذا السياق تمرد على أعداء الأمة، وخلاص لها من المذلة. أن تكون نازيا، إذن أن تكون وطنيا. على هذه الأسس تم استنفار القوى الوطنية ضد القوى الا وطنية.

هزمت النازية أواسط القرن الماضي على يد الوطنيين. هكذا اجتمعت الوطنية الشيوعية أيام ستالين، مع الوطنية الديغولية في فرنسا، والوطنية البريطانية أيام ونستون تشرشل، معطوفة مع وطنية أميركية آتية من وراء المحيط أيام روزفلت.

في فرنسا تحالف الوطنيون الشيوعيون واليساريون والديغوليون في معسكر واحد، من أجل هدف واحد : تحرير البلاد من الاحتلال النازي. ولم يجفل هذا التحالف من أن يأتي التحرير بمساهمة أميركية كبرى. فلم نطّلع مما تكدس من وثائق، على بيان شيوعي مفترض، يعتبر إنزال الحلفاء في النورماندي تدخلا في شؤون فرنسا، ولم نصادف بيانا يطالب بترك أمر فرنسا و(نزاعها) الألماني للفرنسيين. لكن الوطنية الفرنسية الجامعة سرعان ما تحولت إلى وطنية متناقضة على أسس أيديولوجية من جهة، وعلى أسس تتعلق بالظروف التاريخية من جهة أخرى.

فالوطنيون الشيوعيون الفرنسيون وجدوا أنفسهم أقرب إلى الوطنيين الشيوعيين الروس من الوطنيين الديغوليين الفرنسيين. حتى أن وطنية شارل ديغول نفسه، أملت عليه، وبسبب إرث فرنسي كبير، التمرد على الحليف الأطلسي والخروج من مؤسساته العسكرية، كما أملت عليه الاقتراب من ألمانيا (العدو السابق) من أجل درء خطر وطنية قادمة من روسيا.

نعود مرة أخرى الى تسجيل عدد من التصريحات للسياسيين العراقيين حول كلمة الشراكة الوطنية لنرى ما الذي تعنيه عندهم،

المتحدث باسم حزب الفضيلة الإسلامي باسم شريف يصرح إن الاجتماع الذي جمعهم مع العراقية شدد على ضرورة وجود تعريف صريح وواضح عن الشراكة الوطنية، وذكر ان (موقف الطرفين كان متطابقا في الاجتماع مع وفد العراقية برئاسة أياد علاوي في ضرورة وجود تعريف صريح وواضح عن الشراكة الوطنية ومفهومها كمصطلح قبل ان نتكلم عنها).

وتبعه مستشار القائمة العراقية الدكتور هاني عاشور بالقول ان العملية السياسية العراقية ما زالت بحاجة الى تحديد مفهوم واضح للشراكة الوطنية مبني على أسس قانونية واخلاقية وعدم تركه ضبابيا ومادة للاستهلاك الإعلامي، وقال عاشور (ان القائمة العراقية ومنذ اليوم الاول للانتخابات وبعد إعلان النتائج وكانت الفائزة الاولى طالبت ان تكون هناك حكومة شراكة وطنية تضم الجميع لضمان استقرار واستقلال العراق، وان لا يكون مفهوم الشراكة الوطنية تكملة لنهج المحاصصة).

وقبل ذلك ذكر عادل غبد المهدي ان الائتلاف الوطني (يسعى لتشكيل حكومة شراكة وطنية قادرة على توفير الأمن والخدمات وفق مبدأ الشراكة الحقيقة)،وه كلام لا غبار عليه من عقلية اقتصادية قبل ان تكون سياسية.

في حين أكد اياد السامرائي رئيس البرلمان السابق على ضرورة الشراكة الحقيقية للسلطة وان لا يستاثر احد على السلطة وعدم تكرار التجربة السابقة للسنوات الاربع الماضية، وهنا ربط السامرائي بين الشراكة والسلطة.

وكل يوم يدعو زعيم (المجلس الإسلامي الاعلى في العراق) عمار الحكيم الى جعل مبدأ (الشراكة الحقيقية) لإدارة دفة الحكم خلال المرحلة المقبلة (مدخلا لمواجهة الأعداء).

ولم يشر الحكيم الى هويات او خلفيات هؤلاء الاعداء وهو يقول ايضا (علينا اليوم ان نقف ونستذكر أهمية الشراكة الحقيقية لبناء عراق مستقل ومستقر ومزدهر ولا يمكن ان نصل الى عراق بهذه السمات دون ان تتوافر الشراكة الحقيقية لأبناء هذا الشعب بكل أطيافهم ومكوناتهم وتوجهاتهم). وهذا تعربف عام للشراكة غير محدد وواضح المعالم، ويضيف قائلا أن، (الاستقلال الوطني إنما يحصل حينما نكون موحدين على رؤية وموقف واضح ولا يمكن ان تحصل هذه الرؤية الا بالشراكة الحقيقية وليس الشراكة الشكلية).

وتابع، (الشراكة التي نتحدث عنها هي شراكة الاقوياء، وهي شراكة في السراء والضراء وفي الشدة والرخاء وفي النجاحات والاخفاقات هذه هي الشراكة الحقيقية التي يمكن ان تحقق الاستقرار وتساعد على تعزيز الاستقلال والوحدة الكاملة لبلادنا.

واشار الحكيم في حوار تلفزيوني بثته قناة العربية الفضائية الى ان أهم ما نفكر فيه هو أن لا يكون القرار رهيناً بالشخص الذي يتبوأ رئاسة الحكومة وإنما يتحرك بعقل المجموع وبقرار المجموع وبالسياسة التي يتفق عليها الجميع هذا هو المدخل الصحيح، مؤكدا على ان الشراكة الحقيقية تعني ان تتخذ القرارات الإستراتيجية في البلد بقرار جماعي ويكون الجميع حاضراً ومقتنعاً ومدافعاً عن هذه الأفكار).

ويقول في موضع اخر (ان الشراكة الحقيقية وظهور جميع الأطراف الأساسية في الحكومة المقبلة يمثل مبدأ أساسي لا يمكن التخلي عنه في اي حال من الاحوال اذا اردنا النجاح والاستقرار والانطلاق ومعالجة التحديات الكبيرة التي تواجهنا في هذه المرحلة، علينا ان نعتمد مبدأ الشراكة الحقيقية ونسير وفق هذا المبدأ لضمان حقوق الجميع وهو المدخل الذي سيلمّ جميع الإطراف الأساسية في تشكيل الحكومة، انني احذر وبشدة من محاولات الالتفاف على مبدأ الشراكة الحقيقية والتفكير بخيارات تستبعد بعض الأطراف الأساسية في تشكيل الحكومة وان مثل هذه الخطوة ستعمق الفجوة بين العراقيين وستخاطر باللحمة الوطنية التي لم نحصل عليها بالمجان وانما جاءت بعد مخاض عسير وتضحيات جسيمة وعلينا ان نحافظ على المكتسبات الكبيرة التي حصلنا عليها).

هذا الكلام يستبطن الخوف من التهميش الذي قد تمارسه الكتل الكبيرة الفائزة بالانتخابات بحق الكتل الصغيرة التي لم تحصل سوى على عدد قليل جدا من المقاعد لا يؤهلها ان تكون ذات وزن فاعل في القرارات التي تتخذها الحكومة اذا جاء تشكيلها وفقا لعدد المقاعد البرلمانية التي حصلت عليها،

اما اياد علاوي رئيس القائمة العراقية فقد اكد في احدى بياناته على (قدرة العراقيين على تشكيل حكومة الشراكة الوطنية الحقيقية وفقا للاستحقاق الانتخابي والإرادة السياسية المستقلة ومصلحة العراق).

وذهب احد قياديي القائمة العراقية ابعد من ذلك حين ذكر ان عقد تحالف مع ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الحكومة المنتهية ولايتها نوري المالكي، مرهون بحجم التنازلات التي سيقدمها الأخير لهم وحجم الشراكة، معتبراً أن تأكيد دولة القانون على عدم تفرد المالكي بالصلاحيات في حال نيله ولاية ثانية، إشارة ايجابية يمكن البناء عليها.

وقال النائب عن القائمة العراقية كامل الدليمي ان قائمته (لا يمكنها حسم مسألة التحالف مع دولة القانون في الوقت الحالي حتى نرى حجم التنازلات المقدمة وحجم الشراكة الوطنية).

وأضاف عضو القائمة العراقية كامل الدليمي (نحن نحترم كل الإشارات الايجابية وهي تشجعنا على الجلوس الى طاولة مستديرة لتبادل الآراء والبحث في المشروع الوطني الذي يرفع الحيف الكبير عن أهلنا).

وهنا اشارة أكثر وضوحا عن معنى الشراكة الوطنية التي يتحدث بها ساسة العراق، فالشراكة في توصيف هذا النائب هي حجم التنازلات التي يمكن ان يقدمها المالكي للمعترضين عليه، ولا يهم ان كانت هذه التنازلات غير دستورية او قانونية مثل إلغاء هيئة المساءلة والعدالة وإلغاء المحكمة الجنائية العليا والتي جاءت عبر التصويت عليها في البرلمان السابق ومن خلال نواب العراقية أنفسهم.

وهو أيضا يستبطن انزعاجا طائفيا ضد الطائفة الأخرى حين يكون رئيس الوزراء منها من خلال التأكيد على رفع الحيف الكبير عن أهلنا الذي يرى ان رئيس الوزراء (الشيعي) قد ألحقه بهم خلال السنوات السبع الماضية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/تشرين الأول/2010 - 8/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م