حرب العملات... منازلات ساخنة في الاقتصاد العالمي المتأزم

شبكة النبأ: توصلت الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي اثر اجتماعها في واشنطن مؤخرا إلى تسوية خجولة حول سعر صرف العملات، تقتضي ان يتم في المستقبل تعزيز اجراء مراقبة العملات من قبل صندوق النقد الدولي.

ودعت اللجنة النقدية والمالية الدولية وهي الهيئة المكلفة تحديد التوجهات الكبرى لصندوق النقد الدولي باسم الدول الاعضاء ال187، المؤسسة الى "تعميق عملها" بشان هذه المسالة المثيرة للجدل.

ولاحظت اللجنة إن "التوتر والضعف ما زالا قائمين بسبب اتساع نطاق الخلل العالمي والتقلبات المستمرة لتدفق الرساميل وتغير سعر صرف العملات والمسائل المتعلقة بالعرض وتراكم الاحتياطي".

وجاء في البيان "ندعو صندوق النقد الدولي الى تعميق عمله في هذه المجالات بما يشمل اجراء دراسات معمقة للمساهمة في زياردة فاعلية سياسات ادارة تدفق رؤوس الاموال".

إلا ان الإجراءات التي تقررت في الحين لا تبدو قادرة على تهدئة التوترات وفي مقدمتها الخلاف شبه اليومي حول مستوى سعر صرف العملة الصينية اليوان بين الصين واكبر شركائها التجاريين اي الولايات المتحدة واوروبا وجيرانها الاسيويين.

وترى الولايات المتحدة ان الصين تعطل تحسن سعر صرف اليوان عبر شرائها عملات اجنبية. ففي الثلاثين من حزيران/يونيو كانت بكين تملك اكبر احتياطي من العملات الصعبة في العالم مع قرابة 30% من المجموع العالمي، اي 2447 مليار دولار.

وتشكل هذه النتيجة للجمعية العامة السنوية لصندوق النقد الدولي ضربة للامال بتهدئة التوترات الناجمة عن تدخل عدة بلدان لخفض سعر صرف عملاتها. وفي نهاية ايلول/سبتمبر تحدثت البرازيل عن "حرب عملات"، في عبارة انتشرت في العالم اجمع.

وتفاديا لهذه "الحرب" اقترح دومينيك ستروس-كان مدير صندوق النقد الدولي المشاركة شخصيا في اعداد التقارير التقليدية السنوية حول اقتصاد اكبر الدول الاعضاء.

وستشمل تلك التقارير تطورات حول انعكاسات سياساتها الاقتصادية (بما فيها سعر الصرف) على الدول الاخرى.

ومن هذه الزاوية يامل صندوق النقد الدولي الرد على اسئلة مثل معرفة الى اي حد يزعزع ضخ الاف المليارات من الدولارات في النظام المالي الاميركي، بعض الدول او الى اي حد يتسبب ابقاء سعر منخفض لصرف اليوان في الاضرار بصناعات دول غير قادرة على منافسة الاسعار الصينية. بحسب فرانس برس.

وردا على سؤال حول ما اذا كانت نتيجة هذين اللقاءين بين وزراء المالية "مخيبة للامال" تحدث ستروس-كان عدة مرات عن "التعاون".

واوضح ان "ما ادركته خلال هذه الجمعيات السنوية -ولا ادري اذا كنت مخطئا او ان الامور تغيرت- هو ان الوزراء اتفقوا على هذه الفكرة (...) وانهم في حاجة الى المضي قدما في تعاونهم لان اقتصادنا معولم".

واضاف "يجب علينا تحسين مراقبتنا المنهجية وسنفعل ذلك (...) وان الضجة الناجمة عن ذلك تعني انه يجب علينا ان نسرع الخطى". الا ان الرجل الذي اثار هذه "الضجة"، اي الوزير البرازيلي غيدو مانتيغا اعرب عن شكوكه.

وقال "كان من الافضل ان نكون قادرين على التعاون وتفادي سياسات تضر بجيراننا مثل خفض اسعار الصرف بهدف المنافسة. لكن عمليا، ونظرا للمخاطر المحدقة بالاقتصاد العالمي ستستمر الدول الناشئة والنامية في جمع الاحتياطيات".

دعوة للتعاون

في السياق ذاته دعا المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس في يالطا (جنوب اوكرانيا) الاقتصادات العالمية الكبرى الى التعاون لتجنب "حرب عملات" قد تحول دون تحقيق الانتعاش الاقتصادي العالمي.

وقال ستروس-كان للصحافيين اثناء مؤتمر دولي بعنوان "يالطا استراتيجية اوروبية" "نرى في العالم امكانية اندلاع حرب للعملات" ستدخل خلالها العديد من الدول في سباق لتخفيض قيمة عملاتها.

ولفت الى "ان وزير (المالية) البرازيلي والسلطات الصينية وكثيرين اخرين بدأوا يعتقدون ان بامكانهم ايجاد حلول وطنية في ما يتعلق بقيمة عملتهم"، داعيا الى استئناف الحوار ل"مكافحة اختلال التوازنات العالمية".

واضاف محذرا "ان الانتعاش العالمي جار"، لكن بدون العودة الى التعاون "سنخرج من هذه الازمة لنغرق مجددا في (ازمة) اخرى".

وقد تعرضت دول عدة خصوصا الصين في الاونة الاخيرة لانتقادات لانها تبقي معدل صرف عملتها في مستوى ضعيف بغية تحفيز صادراتها. واعلن وزير المالية البرازيلي غيدو مانتيغا هذا الاسبوع ان العالم يجد نفسه "في وسط حرب دولية للعملات".

اليوان والدولار

في سياق متصل اعلن المتحدث باسم المستشارة الالمانية انغيلا ميركل ان سعر اليوان الصيني والدولار الاميركي لا يعكس "قيمتهما الفعلية"، وذلك في ظل هيمنة قضية "حرب العملات" على اعمال قمتي مجموعتي العشرين والسبع في واشنطن.

وقال المتحدث في مؤتمر صحافي في برلين ان "اليوان يجب ان يعكس قيمته الحقيقية"، مكررا بذلك موقفا لطالما اكدته ميركل.

واضاف "ولكن بالامكان ايضا رفع سعر الدولار في الوقت الذي يتم فيه ضخ كميات ضخمة من السيولة (في السوق الاميركية) ما يؤدي الى مفعول تخفيضي، وفي هذه الحالة فانه (سعر الدولار) لا يتناسب تماما مع قيمته الحقيقية".

وتحتدم "حرب العملات" بين الاقتصادات العالمية الكبرى التي يجتمع وزراء ماليتها الجمعة في واشنطن لمناقشة هذا الموضوع في اطار مجموعتي العشرين والسبع، في ظل امل ضعيف بالتوصل الى حل.

وبدأ وزراء مجموعة العشرين اجتماعاتهم في "فطور عمل" وحضر كذلك ممثلو حوالى عشر دول اخرى ممثلة في المجلس النقدي والمالي الدولي، الموكل تحديد التوجهات العامة لصندوق النقد الدولي باسم الدول الاعضاء فيه.

وشهدت الاسابيع الفائتة تصاعدا للتوتر الكلامي بين قادة الدول الغنية والناشئة في مجموعة العشرين مع تبادل للاتهامات سواء بتعمد اضعاف عملاتهم لتعزيز موقع صادراتهم او بممارسة الضغوط كي يدعم الاخرون عملاتهم.

اليابان تتمسك بموقفها

من جهتها قالت اليابان انها ستواصل التدخل لكبح صعود الين اذا اقتضت الضرورة وذلك قبل ساعات من اجتماع مسؤولي مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى وصندوق النقد الدولي لمناقشة التوتر المتنامي بشأن سياسات الصرف في حين تعتزم تايلاند أيضا القيام بتدخل.

وسمحت الصين لعملتها اليوان بالارتفاع الى أعلى مستوى أمام الدولار منذ زيادة سعر الصرف في يوليو تموز 2005. وكانت بكين قد رفضت دعوات من الغرب بأن تسمح لليوان بالارتفاع بوتيرة أسرع.

وقال متعاملون ان بكين ربما تقدم تنازلات قبيل اجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي مطلع الاسبوع القادم. لكنهم قالوا ان أي ارتفاع اضافي سيكون محدودا لكي لا يؤثر على صادارتها.

ومع رسوخ المواقف تتضاءل الامال في التوصل الى اتفاق حقيقي في واشنطن بالرغم من أن المخاوف من اندلاع حرب عملات عالمية قفزت الى صدارة جدول الاعمال.

وقال وزير المالية الياباني يوشيهيكو نودا للصحفيين عندما سئل عن ارتفاع الين الى ذروة جديدة في 15 عاما "نحن مقبلون على اجتماع لمجموعة الدول السبع لكن بغض النظر عن هذا فان اليابان ستتخذ اجراءات حازمة بما في ذلك التدخل عند الضرورة."

وتدخلت اليابان -التي يساورها القلق من أن يضر صعود الين بقطاع التصدير الحيوي- في سوق العملة الشهر الماضي للمرة الاولى في ست سنوات مما أثار انتقادات من نظرائها في مجموعة السبع. بحسب رويترز.

وتحدث رئيس الوزراء الياباني ناوتو كان بلهجة أكثر تصالحية قائلا ان طوكيو تريد التعاون مع أقرانها في مجموعة السبع بشأن العملات لكنه في الوقت نفسه جدد التأكيد على أن السلطات ستتخذ "خطوات حاسمة" اذا اقتضى الامر.

ودخل صناع السياسة العالميون في خلاف بشأن تراجع الدولار بوجه عام حيث تكثف الاقتصادات الناشئة الجهود للحد من صعود عملاتها وهو ما تقول الدول المتقدمة انه قد يقوض الانتعاش الاقتصادي.

وقال رئيس الوزراء التايلاندي ابهيسيت فيجاجيفا ان وزير المالية سيقترح اجراءات للتعامل مع ارتفاع البات خلال اجتماع للحكومة.

وتراجع البات بعد هذه التصريحات. وقد ارتفع حوالي 11 بالمئة أمام الدولار منذ بداية العام ليصبح ثاني أفضل العملات أداء في اسيا بعد الين.

وقال نائب وزير المالية الروسي ديمتري بانكين ان البرازيل والصين والهند وروسيا التي تسمى بدول مجموعة بريك تعتبر الحركة الحالية في عملات الاسواق الناشئة مشكلة عويصة لا يمكن حلها من خلال تعويم العملة.

وقال للصحفيين عقب اجتماع لنواب وزراء المالية في واشنطن يوم الخميس " التعويم ليس وصفة للخروج.. ليس وصفة لكل العلل."

وقال يي جانج نائب محافظ بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) ان الصين ستواصل اصلاح سياسة الصرف لكن الارتفاع الحاد لليوان سيضر اقتصادها.

وقالت وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاجارد ان فرنسا ستبدأ محادثات بشأن تطوير النظام النقدي العالمي خلال فترة رئاستها المقبلة لمجموعة العشرين من أجل تعزيز تنسيق السياسات والقضاء على التدفقات المالية التي تؤدي الى تقلب أسعار الصرف.

وقالت لاجارد "اذا نظرت... الى التحركات الجارية في الاونة الاخيرة سواء من البرازيل أو اليابان على سبيل المثال ناهيك عن الصين فانك تتعجب... أي نوع من التنسيق هذا."

وذكرت صحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج الالمانية أن مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس كان يعتزم عرض "مبادرة للاستقرار المنهجي" على الدول أعضاء الصندوق ستجمع القوى الاقتصادية الكبرى في العالم في منتدى دوري يهدف الى حل مشكلات العملة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/تشرين الأول/2010 - 4/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م