الموسوعة الشيرازية... ارث حضاري متواصل العطاء

آل حمادة: الإمام الشيرازي مشروع تربوي لبث الوعي في الأمة

 

شبكة النبأ: ضمن ندوة "الإمام الشيرازي مدرسة مناقبية"، المقامة في حسينية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بأم الحمام، شارك الكاتب والإعلامي حسن آل حمادة بورقة تحت عنوان: "الإمام الشيرازي في مشروعه التربوي"، وسط جمهور حاشد حضره علماء ومثقفين.

وفي مستهل ورقته تحدث آل حمادة عن التكوين التربوي والتعليمي للإمام الشيرازي مبينًا أنه تلقى معارفه ومهاراته وسلوكياته المناقبية عبر ثلاثة أساليب، هي: التعليم النظامي، والتلقائي، وغير الرسمي. وساعد ذلك في تأهيله ليحظى بمكانته الرائدة في عالم المرجعية الدينية والزعامة الروحية. فقد تعلم تعليمًا نظاميًا في الحوزة على يد كبار أساتذتها، إذ تتلمذ على يد أكثر من 100 أستاذًا في مختلف المعارف والعلوم، كما تعلّم تعليمًا تلقائيًا، وتعليمًا غير نظامي، من خلال حضوره مجالس العلماء برفقة والده المرجع الديني الكبير السيد مهدي الشيرازي، وتلقى المعارف أيضًا عبر المنبر الحسيني، وقد سجل هذه اللقطة في كتابه: "عشت في كربلاء"، قائلاً: كنت مولعًا بالحضور في المجالس الحسينية... ولعلي لا أكون مبالغًا إذا قلت: إن معدل المجالس التي كنت أحضرها كل سنة، يقرب من ألف مجلس.

وحين نرجع بذاكرة الزمن لطفولة الإمام الشيرازي الذي عاش تسعًا منها في النجف الأشرف، قبل أن ينتقل مع والده إلى كربلاء وهو في التاسعة من عمره، سنذهل حين نسمعه يقول: "وقد وفقت في أيام طفولتي لأن أكون إمامًا للأطفال وذلك في الأيام التي كنت أذهب لتعلّم القراءة والكتابة، والقرآن والحديث في صحن الإمام الحسين (عليه السلام)".

ولا غرابة أن يؤم الإمام الشيرازي الأطفال منذ حداثة سنه، فهو قد تربى على يد مرجعية فذّة، أخذت بيده خطوة خطوة، وكان يتبعها إتباع الفصيل أثر أمه، حتى وصل إلى ما وصل إليه، ودعونا نستمع لأسلوب من أساليب والده في تربيته وتنشئته، يقول السيّد: كان والدي (رحمه الله) ينقل عن ذكريات صغره: أن والدته (رحمها الله) كانت تعتني بتربيته وتأديبه غاية الاعتناء وقد كانت إذا قامت لصلاة الليل والتهجد فيه أيقظته معها، واصطحبته إلى مصلاها وأقعدته إلى جنبها وكانت توصيه بالانتباه إليها وعدم النوم والغفلة.

وبلا شك فإن هذه القصص والتوجيهات التي يسمعها من والده، هي أسلوب تربوي محبذ وممدوح، وهو ما يعرف بالتربية بالقدوة، لتكون سلوكًا يمارسه الإمام الشيرازي في حياته فيما بعد.

وفي جانب آخر قال آل حمادة: لا يخفى أن الإمام الشيرازي سعى وهو يؤسس لمشروعه التربوي في الأمة؛ بجديَّة ليعمل على بعث مجتمع يتقدم نحو الكمال، لذا وضع الأسس التي من شأنها تحقيق هذا المطلب؛ فبناء الأمة الواحدة المقتدرة التي طالما دعا لها في خطابه، بحاجة لمقومات عدَّة، ولعلّ أهمها، بناء إنسان هذه الأمة؛ بناءً يُعنى بالروح والعقل معًا.

ويشترط الإمام الشيرازي أن نبدأ من أنفسنا؛ فالتجديد يبدأ من نفس الإنسان، فإنه إذا لم يصلح الإنسان نفسه لا يمكنه إصلاح غيره من بني نوعه أو المحيط المتعلق به. لذا وجدنا الإمام الشيرازي يركِّز في مشروعه من أجل بناء الإنسان على منهجيتي: التزكية والتعليم، أو التعليم والتزكية، وهي منهجية القرآن، "لذا نرى القرآن الحكيم تارة يقدم "يزكيهم" على "يعلّمهم" وأخرى بالعكس".

وفصل آل حمادة القول في هذه النقطة، وقال في هذا الصدد: لذا لا غرابة حين نجد أن (الكتاب) يأخذ دورًا محوريًا عند الإمام الشيرازي وهو يكدح في  تربية الأمة. فالكتاب كفيل ببناء الأمة واستنهاضها، إذ إننا نقطع بأن الكتاب هو المتكأ الأهم لصنع وتعميق الأسس الثابتة والرصينة؛ لتحقيق الانطلاقة الرشيدة في واقعنا، وهو الوسيلة التي تجلّي الفلسفة الصحيحة لهذه الغاية.

ولأجل تربية الأمة وإصلاحها طالب الإمام الشيرازي بتشكيل (التيار الإصلاحي)، وعمل ما بوسعه لبث الوعي في الأمة؛ عبر مؤلفاته التي ناهزت الألف كتاب، وطلابه الذين انتشروا في الآفاق، ومؤسساته التي أسسها في معظم الدول التي وصلت إليها يده، لكي تتبوأ الأمة الإسلامية، مكانة تليق بها بين الأمم.

وذكر آل حمادة أن أسلوب الإمام الشيرازي التربوي اعتمد منهجية الهدم ثم البناء، بل إنه يتدارك الأمر قبل استفحاله: ولعلَّ المتتبع للإصدارات المتتالية لسماحته، يلحظ عنايته الفائقة وتحسسه المستمرين للمشاكل والأزمات التي تواجه الأمة الإسلامية، فقبل أن تنتشر الصحون الفضائية في الدول العربية والإسلامية انتشار النار في الهشيم؛ بادر الإمام الشيرازي بكتابة كرَّاسه المُتعقل: «الأفلام المفسدة في الأقمار الصناعية: وقايةً وعلاجاً»، وعندما وقع بعض العرب اتفاقية الصلح بينهم وبين الكيان الصهيوني الغاصب في يوم: 20جمادى الأولى سنة 1415هـ، بادر سماحته في نفس اليوم بكتابة كرَّاسه المعنون بـ«هل سيبقى الصلح بين العرب وإسرائيل؟» وهو تبعاً لذلك راح يسطر الكتاب تلو الكتاب، والكرَّاس تلو الكرَّاس؛ ليسهم بكتاباته المتنوعة والغزيرة؛ للعمل على إنقاذ المسلمين من واقع البؤس والشقاء؛ وليقدَّم من خلال أطروحاته الواعية العلاج الملائم للمشاكل التي تعصف بالمجتمع الإسلامي".

وفيما يخص استفادة الإمام الشيرازي من تجارب الآخرين، ذكر المحاضر جملة من المواقف المؤيدة لمقولته، قبل أن يتحدث عن نجاح الإمام الشيرازي في مخاطب كل فئة بلغتها، فقد كتب كتبًا تخاطب الجميع، بدءًا من المراحل التعليمية الأولى، حتى مرحلة البحث الخارج، بل كتب كتبًا تخاطب الأطفال واليافعين، ومن الطريف في كتابات سماحته أنه كتب كتابًا بعنوان: "المنصورية في النحو والصرف"، وقد اشتق عنوانه من اسم رفيقة دربه وزوجته المصون (منصورة)؛ ليعلّمها النحو والصرف، وهو كتاب في 224 صفحة!

كما تطرّق آل حمادة لاستخدام الإمام الشيرازي الأسلوب القصصي في العديد من كتاباته؛ لأنه يعلم أن للقِصّة تأثيرها الكبير في النفوس، إذ يرى أن «الثقافة تصنع المعاجز»، وإذا قلنا بأن القِصّة = ثقافة، فحق لنا القول بأن: القِصّة تصنع المعاجز!

وتحدّث آل حمادة في جانب آخر من ورقته عن "الموائمة بين الأقوال والأفعال" عند الإمام الشيرازي، ومن الأمثلة في هذا الجانب أن الإمام الشيرازي، مع تأسيسه لمدارس تحفيظ القرآن الكريم قد حفظ القرآن الكريم أولاً؛ قبل أن يدعو الملتحقين لحفظه! ليكون صادقًا مع نفسه في دعواه.  

ومن المحطات الجميلة التي توقف عندها آل حمادة هي تأكيده على أن الإمام الشيرازي يطالب الأمة بنقده، وبنقد المؤسسة المرجعية! وفي ذلك يقول: "ليس هناك من لا يخطأ، إلاّ المعصوم عليه السلام، فالبشر موصوفٌ بالخطأ، وحتى لو تسامى الإنسان في الملكات الرفيعة وفي الأخلاق السامية، فإنه عرضة للخطأ. فكان لا بدّ للمرجع أن يصغي بنفسه إلى جميع ما يوجه إليه من النقد، سواءٌ كان هذا النقد يستهدفه أو يستهدف جهازه من الوكلاء والخطباء والمؤلفين.. فالإصغاء المستمر إلى النقد، ومحاولة تفادي بعض الأخطاء التي يمكن تفاديها، يوجب إصلاح المرجع وإصلاح جهازه". لذا قال آل حمادة: إن النقد الموضوعي لطلبة العلوم الدينية أضعف الإيمان!

وتطرق المحاضر لنقاط عدة، منها حديثه عن تربية الإمام الشيرازي للناس تربية نفسية تريهم أن الحق للآخرين كما أن الحق لأنفسهم، وتأكيده على أهمية إخراج المسبقات، من ذهن المتحاور، فلا يزعم إن كلّ الحق معه، وعدوّه على باطل تمامًا. وفي الحين نفسه أكد أن الوحدة لا تعني أن ترفع جماعة يدها عن معتقدها، أو لا تستعد للدفاع عنها، بل معناها أن يكون المسلمون صفًا واحدًا أمام الشرق والغرب.

وعن انفتاح الإمام الشيرازي المعرفي الرشيد، قال آل حمادة "إن الإمام الشيرازي قرأ -كما أشار في كتبه- بعض روايات (أغاثا كريستي)".. فهل يوجد انفتاح كهذا؟

وتطرق آل حمادة لقاعدة (القطرات والذرّات) عند الإمام الشيرازي، وقال إن أبلغ ما أكده عمليًا؛ ليؤكد فكرته هذه، هو موسوعته الفقهية الشهيرة التي ناهزت 160 مجلدًا، فقد كتبها في حدود خمسين عامًا [1372-1422هـ]، ليعطينا درسًا بليغًا في هذا الشأن! فضلاً عن مجموع كتبه التي تعدّت الألف كتاب! وهنا يقدِّم لنا الإمام الشيرازي درسًا في الهمة العالية أيضًا، و"العمل الدائم"، وهي الفكرة التي سطرّها في كتابه: "نحو يقظة إسلامية"، حين قال: من اللازم على من يريد العمل للإسلام أن يهيئ نفسه للعمل الدائم، الذي لا يعرف الكلل والوقوف.

جدير بالذكر أن للكاتب حسن آل حمادة كتابين كتبهما حول الإمام الشيرازي، صدر الأول منهما في حياة الراحل في طبعتين عام 1421هـ، وهو بعنوان: الكتاب في فكر الإمام الشيرازي. والثاني بعنوان: هكذا ربّانا الإمام الشيرازي، صدر في طبعتين أيضًا عام 1424هـ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/تشرين الأول/2010 - 4/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م