قراءة في كتاب: المقايضة

 

 

 

 

الكتاب: المقايضة

الكاتب: عدنان سلطان

الناشر: دار الينابيع - دمشق سوريا

عدد الصفحات: 103 من القطع المتوسط

عرض: جاسم عاصي

 

 

 

 

 شبكة النبأ: تناول الناقد والروائي جاسم عاصي المجموعة الأخيرة للقاص عدنان سلطان الموسومة بـ(المقايضة) التي صدرت مؤخرا بأسلوب نقدي تحليلي أثار من خلاله ما يكتنف القاص من شجون، انطوت بين سطور ملاحمه القصصية في هذه المجموعة، فيقول عاصي، القاص مزحوم بالآني ومراقب له وفاحص لمتغيراته، غير انه ابقى خاصية بطله التي يشكلها موقفه الذاتي، بسبب سلبية المواقف من قبل الآخر، وتعقيد الزمن بكل اشكالاته، ولانه دائما يقترب من الوقائع سواء كان هذا عبر الذاتية ومعاناتها، او من خلال النظرة بمنظور الآخر وعكس معاناته ايضا، لكنها بمجموعها تشكل حقيقة معاناة الانسان، كما وان القاص ابقى خاصية الفنتازيا وروح التهكم والنقد اللاذع وكشف المسكوت عنه في العلاقات الاجتماعية والوظيفية، من هذا نراه يشتغل في نفس منطقته بادوات مختلفة، غير ان ما يميز القصص هذه هو لغتها القصصية فهي تبدو لغة قصصية خالصة لا تقبل الزيادة والاستطالة، ثم انها تتصل مباشرة بالظاهر ولا تقيم جسورا تعبيرية بين نحتها وطبيعة ما يراه السارد، او ما هي عليه الشخصية او المكان او الزمان، وبطبيعة الحال تكون لغتها ذات نكهة خاصة، حيث تشيع البهجة والحزن والسخرية والكوميديا السوداء، ليس من اجل ذاتها وانما لغرض اشاعة الاثارة، على الرغم من القيد الذي تشكله اللغة على الشخصية كسلطة فنية تسقط سلطة السارد، وبالتالي سلطة القاص كمنتج من خارج النص، في قراءة النصوص تجسد لدينا جملة ملاحظات نجملها فيما يلي:

1 ـ علاقة تاريخية الشخصية والزمان والمكان والواقعة بما هو ضمن حيز الواقع وحيز النص، اذ نرى السارد قد استطاع ان يشذب الواقعة ويتمثلها نصا مكتوبا، مبعدا كل ما تنطوي عليه من محمولات كنص شفاهي، وهنا لعبت( الـ ) دورا في هذا، كذلك رؤية القاص والسارد استنادا الى معارف كثيرة، سواء كانت تخص بنية النص او بنية الواقع المعرفي ازاء حراك الواقع، فهذه الموازنة اعتقد انها اشتغلت لصالح النص، فيما يخص بنية تشكله في المعنى والشكل، مما أنتج نصوصا مفيدة على صعيد الأدب الملتزم.

2 ـ في بناء الشخصية، نرى السارد له كامل الحرية في عرضها، مع التركيز على تشكيل نموذجه على الورق، بما يتركه له من حرية التصرف والرفد والتصعيد للموقف، فهي شخصية اجتماعية فاعلة مضطهدة ومستلبة، تحمل هما كبيرا يتشظى الى جملة حسابات ذهنية وإحساس وتوجس وخوف، مما يحيطها من منظومة اجتماعية وفكرية تصادر ذاتها كما تصادر ذوات الآخرين، بهذا الاطار انعكست بنية الشخصية في النصوص، فالسارد يتسقط التاريخ السري في حياتها ويمنحها حرية الإدلاء برايها وعكس رؤيتها، وإبداء الأفعال من خلال ردة الفعل، وبهذا يضعنا أمام شخصية حيوية مؤثرة وفاعلة، على الرغم من الحيف الذي يقع عليها، وهي انما تنظر من منظار الآخرين، مستعينة ومتوسلة بالذات كمعيار، لانها بطبيعة الحال تكون اشد حساسية في مواجهة الظواهر.

3 ـ تجسيد حالة السخرية اللاذعة والتهكم التشيخوفي، وهذا الصوت هو اقرب الى اصوات تشيخوف، وجوجول، ونجيب محفوظ، ومحمد عيتاني، وذلك كونها تعقد موازنة بين نظرتها للواقع، وطبيعة تشكلها داخل نص الكتابة ونص الواقع، وهي الى حد ما تمثل شخصية الكاتب الذي يضمر رؤيته وقدرته على تجسيدها، وفي مجمل هذا التهكم يستعين بتصعيد دراما النص، او خلق نوع من الصراع داخله، والانعطاف نحو الفنتازيا، وبما يشكل من صور واضحة لأدب الكوميديا السوداء.

4 ـ يستعين السارد بالمخيلة السردية، التي يسهم من خلالها في تصعيد مفردات الظواهر، سواء كانت من لدن الشخصية او عبر الواقعة. فالمخيال هنا يخلّق كثيرا من مقتضيات النهوض بالنموذج، وامكانيات تصعيد خط الصراع في النص، وهو في عمومياته مخيال غير مسرف بل هو مقتصد ومواز ومتوازن.

5 ـ حالة اقفال وهي ضربة تقترب من نهايات نصوص القصة القصيرة جدا، حيث لاتنفصل عن طبيعة النص ـ الحادثة ـ وطبيعة الشخصية، ذلك لانها في مجمل مانرى تسهم في اثارة الانتباه، من خلال الاشارة الى تثيّير رؤية قصصية ناقدة، سيما في بعض النصوص التي تستعين بعالم الحيوان، او النصوص التي تعالج الشخصية الهامشية، ونقصد فيها الموظف من الدرجة العاشرة والنماذج المسحوقة اجتماعيا واقتصاديا، فهي هنا تمتلك اسلوب السخرية الذي يتركز في قفل النص كخطاب نقدي.

6 ـ العنوانات عموما هي عبارة عن اشارات فاعلة في متن النص، تاخذ اشاراتها من داخله او من طبيعة حراكه الداخلي كما في ترقية، اشارة الى هم البحث عن سبيل اقتصادي ـ معيشي عبر قيمة وظيفية، الموت من النعاس، مجاز يشير الى حالة من الضجر، هكذا تكلم زرادشت، نوع من السخرية المبطنة بحكمة، وهو تناص يسفر عن طرح حالة من الاستلاب، بطولة حمار، استعانة تهكمية تحاكي ارثا بسبب مشروعية اسقاط الهم الانساني على الوجود الحيواني، هذه عينات من الثريات التي رأيناها تشتغل داخل النصوص بشكل فاعل، وهي اشارات من خارج النص توحي عما بداخله، او تكون نوعا من التورية، فالقاص شديد الاعتناء بالعنوان لانه مفتتح وعتبة متوازنة، ولها علاقة في لحظة اقفال النص او الضربة في نهايته.

ما نلحظه بشان قصص المجموعة هو انها خطوة في كتابة النص، وإضافة نوعية لتأريخ القاص الابداعي، الذي شرع في الحلول ضمن هيئة القصة القصيرة العراقية باقتدار تام.

صدرت المجموعة عن دار الينابيع دمشق سوريا وتقع بـ 103 من القطع المتوسط ويضم القصص التالية، الشبيهان- المقايضة- الاخسرون، كذلك ضم ثلاث قصص قصيرة جدا هي غياب القمر هوذا بيتك واشياء عاطلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/تشرين الأول/2010 - 3/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م