العراق وتجربته الديمقراطية... تضحيات لابد منها

خسائر على مقصلة الحرية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هناك من يظن أن طريق الديمقراطية مفروش بالزهور ومعبّد بالسلام والرفاهية، وأن تحقيق النتائج المرجوّة منه ستتم من دون خسائر وتضحيات كبيرة، لكن حينما تبدأ أمة أو شعب ما رحلته في هذا الطريق، عليه أن يتوقع ظهور الكثير من الأشواك والعقبات التي لابد له من تجاوزها، ويتم ذلك بالسعي والذكاء والتعاون الجماعي الدائم، والعمل الجاد بالمضي نحو الهدف المرسوم، مع ما يتخلل ذلك من مصاعب جمة، لأن من يظن خلاف ذلك، سيصطدم بالواقع المدجج بالمفاجآت غير المحسوبة.

ولأننا شعب يدخل بوابة الديمقراطية المعاصرة في خطوة أولى وفقا لتأريخنا المنظور على الأقل، فإننا لهذا السبب مطالبون بالتروّي والتأني في ذلك، لكي تأتي هذه الخطوة في مكانها الصحيح، ولكي نؤسس لنظام حياتي جديد نحن بأمسّ الحاجة إليه.

ولابد أنْ نتفق على أنَّ خطوة من هذا النوع ستكون بالغة الأهمية والتعقيد، لأن أهميتها تأتي من كونها خطوة أولى مؤسِّسة لنظام حياة لم نعشه من قبل كما يجب، ولم نستفد منه في تنظيم شؤوننا كما فعلت أمم سبقتنا الى ذلك حتى غدت من أكثر الأمم تقدما وتطورا وازدهارا.

ومثل هذا الهدف العسير (التأسيس لديمقراطية ناجحة) لابد أن يكون صعب المنال، لكنه ليس مستحيلا والدليل الماثل أمامنا، هو تمتع العديد من الشعوب والأمم في المعمورة بنعمة الديمقراطية الوارفة التي نقلتهم من عهود التسلط الدكتاتوري والرأي الشمولي الى عهود الحرية والانفتاح والتعايش التي منحتهم آفاقا واسعة للإبداع والتطور في مجالات الحياة كافة.

لهذا ليس مستغربا ما يحدث الآن في الساحة السياسية العراقية من تباطؤ ومعرقلات وتجاذبات بين السياسيين، وينبغي أن لا يُنظر إليه على أنه حالة معيبة، أو حالة مستعصية لا يمكننا الفكاك منها او التخلص من إفرازاتها ومساوئها، بل ان ما يحدث في هذا المضمار هو أمر كان قد حدث في معظم التجارب الديمقراطية التي سبقتنا، ولابد أن تتمخض خطوة الولوج الأولى لبوابة الديمقراطية عن ذلك، خاصة إذا فهمنا أن هذه البوابة بقيت مغلقة بوجوه العراقيين (والعرب والمجتمعات الإسلامية إلا ما ندر) قرونا وعقودا متتالية، ومن الطبيعي تماما أن تتعثر مسيرة من هذا النوع في مجتمعات تدخل للمرة الأولى في حيز التجريب الديمقراطي المعاصر. لكن يبقى الأهم تصحيح الأخطاء المرافقة للمسيرة الديمقراطية، ومراقبة العثرات التي قد تحدث أثناء ذلك وفهمها ووضع الحلول اللازمة لها، وهو أمر لابد أن يتبناه ذوو الاختصاص والمعنيون من النخب السياسية والثقافية والعلمية وغيرها، حرصا على إدامة الزخم الديمقراطي، وتحقيقا للأهداف الكبيرة المرسومة سلفا.

وهذا ما يقودنا الى الحديث عن أهمية تحويل جميع الإخفاقات والعثرات والتلكؤات التي تعاني منها التجربة العراقية الجديدة الى نجاحات لا مناص لنا من تحقيقها، خاصة اذا عرفنا وآمنا بأننا نؤسس لنظام حياتي جديد قادر على أن يؤهلنا لتحقيق العيش الذي يليق بالانسان كرامةً ومنزلةً.

بيد أن هذا الامر يتطلب جهدا استثنائيا، من النخب ذات العلاقة، وهي المسئولة أولا وأخيرا على تحقيق هذا الهدف المثالي الواقعي في آن، فهو مثالي لأنه يسعى لتحقيق الحياة المثالية للعراقيين بعد أن عانوا حرمانا وفقرا وتسلطا مزمنا على مدى تأريخهم القريب والمنظور والبعيد معا، وهو هدف واقعي لأن جميع المقومات التي تشترك في الوصول إليه وتحقيقه متوافرة في الساحة العراقية ويتمتع بها العراقيون نخباً وقادةً وأفراداً، لكن المطلوب هو توجيه هذه المشتركات وتفعيلها بأسلوب صائب من اجل الحصول على أفضل النتائج وأنسبها.

لهذا نحن بحاجة ماسة الى المواظبة في تغيير منظومات الفكر القار والسلوك الساكن، والعمل على تجديدها بصورة دائمة بما يتناسب ومتطلبات العصر، وينبغي أن يشمل هذا الجهد منظوماتنا العرفية والأخلاقية والإنتاجية وغيرها، ومع أن الامر يبدو صعبا او بعيد المنال، لكننا لا نملك طريقا آخر سوى مواصلة السير في الطريق الديمقراطي الذي يتيح لنا فرصا متنوعة للتغيير الافضل في المنظومات والمجالات التي سبق الحديث عنها، فليس متاحا أمامنا تجريب الدكتاتوريات ثانية، ولا ينبغي أن نسمح بذلك، بل علينا غلق الابواب التي قد تقودنا ثانية الى قمع الحريات والتسلط والتفرد بصناعة القرار، ومصادرة الرأي، وتأزيم التعايش، وتهميش الصوت المعارض.

هذه إذن هي فرصة العراقيين التي قد لا تتكرر ثانية في حالة التفريط بها، لذا ينبغي التمسك بها بكل السبل والوسائل المتاحة من لدن الجميع لأنها فرصتنا جميعا بلا استثناء، لذا يتوجب عدم إهدارها على الرغم مما يشوبها من عوائق كبيرة وبالغة الصعوبة، من هنا على الافراد والنخب وعلى المعنيين جميعا التعاون ووضع الخطط الاجرائية المناسبة والكفيلة بالعمل على:

- معالجة النواقص التي تفرزها هذه المرحلة بعد تأشير أسبابها وسبل معالجتها.

- تطوير منظمات المجتمع المدني وتفعيل دورها ومضاعفة حرصها في مجال المراقبة والتصحيح واقتراح البدائل.

- تطوير عمليات الرقابة بكل أنواعها (باستثناء الفكر والإعلام) ودعم الجهات المعنية بها.

- تفعيل دور النزاهة ومساندة خطواتها في مكافحة مظاهر وأدوات الفساد كافة.

- تنمية ثقافة القبول بالرأي الآخر واحترامه.

- تنمية تيارات النقد الهادف وتطوير حرية الرأي والقنوات التي تسعى لذلك.

- مساندة القضاء ودعم استقلاليته.

- رصد التوجهات السلطوية للاحزاب والشخصيات السيادية والتعامل معها بجدية تامة بسبب خطورتها على البناء الجديد.

- تشجيع الفرقاء على تفضيل مبدأ الحوار وتلاقح الأفكار ورفض وسائل وسبل التهميش لأنها تقود الى التناحر والمضاربات السياسية وغيرها.

- الإيمان من لدن الجميع بأن الفرصة المتاحة الآن في تكريس الديمقراطية كمنهج حياة ينبغي أن لا تضيَّع مهما كانت الأسباب والقناعات المضادة.

وهكذا لابد لنا من معرفة طبيعة الطريق الذي سلكناه ونعرف حجم ما سنضحي به ونخسره في سيرنا بهذا الطريق، لكن علينا في الوقت نفسه أن نؤمن بسلامة النتائج المتوقعة استنادا الى المقدمات التي ينبغي أن تكون سليمة بدورها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/تشرين الأول/2010 - 29/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م