الجنود الأشباح!

هادي جلو مرعي

Ghost soldiers .. مصطلح يتداوله صحفيون اجانب ومؤسسات بحثية ومراكز دراسات..معناه (الجنود الذين لايلتحقون بوحداتهم العسكرية ويتخلون عن جزء من رواتبهم مقابل ذلك).

طبعا البحث متعلق بوضع راهن، وربما كان على صلة بمشكلة الفساد الإداري الذي يعصف بالبلاد، لكن ثقافة الفساد سائدة في العراق وليس الآن فحسب وحتى في قطاع الجيش.

في التسعينيات كانت الثقافة التي تعارف عليها الجنود هي أن يدفعوا مبالغ من المال لضباط برتب مختلفة لينعموا بإجازات طويلة أو ليتخلصوا من إلتزامات كانت تضغط عليهم .

كنت ادفع لأحد الضباط عشرة دولارات بداية كل أسبوع واذهب في حال سبيلي، ولكي أؤمن مبلغ الاسبوع التالي كنت امارس فسادا من نوع آخر,كنت اعود لهوايتي التي لطالما إستمتعت بها ايام الكلية حين أكتب بحوثا ودراسات وتقارير شهرية للزملاء والزميلات وأستلم عن طريق الوسيط عناوين بحوث ومصادر معلومات أعتمدها في الكتابة,كنت اكسب النقود لأضعها بين يدي (سيدي إشكد إنت رائع) وأغادر المعسكر..

إنعكس ذلك على واقع الجيش العراقي الذي لايقهر بحسب التصنيفات الموضوعة..كان الجنود يكدون ليدفعوا،  في حين كان القائد العام للقوات المسلحة العراقية يلتقي كبار ضباط الجيش ليوبخهم ! كانت كروشهم تندلق قبالة عينيه، وكان يشعر بالإشمئزاز. كان يمنح الضباط مهلة لأسابيع محدودة ليشفطوا الدهون الراتبة على البطون, بينما يعيش الجنود في أحوال سيئة للغاية دون أمل في تغيير الحال الذي وصل في النهاية الى الإنهيار الكامل وإنتهى بإجتياح أمريكي مريح لبلاد الرافدين العزيزة.

في المرحلة التي تلت الدخول الامريكي كانت المصاعب جمة تلك التي واجهت مساع بناء الدولة، ولعل قطاع الجيش وقوى الأمن من القطاعات التي ماتزال تشهد معاناة قاسية للوصول بها الى حال التكامل.وفي بلد مثل العراق نتوقع ماهو اسوء على الدوام, ففيه سادت (ثقافة الحرمان) التي دفعت بمجموعات بشرية للنإي بنفسها عن الهم العام والتفكير بالخصوصية وتحصيل المكاسب حتى لو أدى ذلك الى حرق الأخضر واليابس.

الفساد ليس حكرا على مؤسسة أو وزارة أو فرد, والمثير للقلق إنه تحول الى شكل من أشكال الحياة في البلاد يرغب فيه أناس ويخشى آخرون الخوض فيه خاصة وإن المفسد ينجح غالبا في تكوين مافيا تحميه وترهب الآخرين من الذين يعملون لفضحه ورفضه.إيطاليا شهدت عقودا من الصراع بين السلطة وعصابات المافيا التي نجحت في مد نفوذها داخل المؤسسة الأمنية وأجهدت وهددت المؤسسة القضائية، ولطالما قتلت قضاة ورجال شرطة، ودخلت في مواجهة عنيفة مع الحكومة، ولم تستثن فئة إجتماعية او سياسية او قطاعا إقتصاديا إلا وأثرت فيه ووجهته الى مقاصدها.

وحتى في كرة القدم كانت المافيا تلعب بحرفة وذكاء وقدرة على الغلبة،  ولم يكن مارادونا اللاعب الشهير أول الضحايا وليس آخرهم.

في العراق الامور اكثر تعقيدا مع توفر الثروة الطائلة والقدرة على التمدد وضعف الاجهزة القضائية وتهلهل كيان الدولة والقدرة على التأثير في القرارالذي تملكه جماعات ضغط حصلت على المال والنفوذ,ولابد من إستراتيجية وطنية لمواجهة الفساد الذي يهدد عنفوان الدولة العراقية وربما أعاقها عن حركة التاريخ المعتادة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/تشرين الأول/2010 - 27/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م