هل ترغم العقوبات الأمريكية إيران على وقف نشاطها النووي؟

علي ألأسدي

" الأمريكان لن يحاولوا الطرق الصحيحة في حل المشاكل، إلا بعد أن يجربوا كل الطرق الخاطئة "

(ونستون تشرتشل)

 

تنشغل الولايات المتحدة في الوقت الراهن بالملف النووي الايراني، وما من اسبوع يمر إلا وتتخذ خطوات لعزل ايران وتضييق الخناق عليها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، متبعة بذلك نفس الخطوات التي اتبعتها تجاه نظام العراق السابق.

تزداد العقوبات قساوة بمرور الأيام، مع كل اصرار تبديه ايران بعدم الانصياع للشروط الأمريكية. وكان آخر العقوبات اخضاع ثماني شخصيات وجهات سياسية وشركات نفط ومصارف ايرانية لاجراءات عزل وحضر، كعدم منح ممثليها اذنا بدخول أراضي الولايات المتحدة، أو مزاولة نشاط تجاري أو مالي فيها أو في البلدان الحليفة لها.

لقد استجابت مصارف وشركات نفط كبرى بتعليق نشاطها الاستثماري في ايران، فيما قررت أخرى تصفية نشاطها فيها. وفي بلد يعتمد اعتمادا شبه كلي على صادرات النفط، يتوقع أن تحدث له مثل هذه الاجراءات صعوبات جمة، أهمها وأكثرها مباشرة، أنها ستؤثر على المستوى المعيشي لأكثرية الشعب الايراني، وتعطل خطط البلاد الاقتصادية الحالية والمستقبلية، وهو ما يقود إلى مزيد من الضغط على الحياة المعاشية للمجتمع.

سياسة كهذه ربما ستحد من نشاطات السلطة الايرانية وبالأخص في المجال العسكري، لكنها لن تضعف النظام الايراني داخليا كثيرا،لاعتماده على الأجهزة الأمنية القمعية المهيمنة على مفاصل الحياة اليومية للناس، بعد أن أحكمت أدلجتها دينيا وقوميا إضافة إلى السخاء في تمويلها.

وبالعودة إلى تجربة الحصار الاقتصادي الجائر على العراق الذي فرضته الولايات المتحدة في تسعينيات القرن الماضي، بعد أن نجحت في حشد دول العالم كافة للوقوف معها، فهي لم تستطع اضعاف قبضة النظام على الوضع الداخلي، انما دفعت أكثرية العراقيين للغرق تحت خط الفقر يكابدون المجاعة والعوز، وأجبرت آخرين على هجرة وطنهم بحثا عن مصدر رزق نظيف.

أما آثار الحصارالاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية التي نتجت عننه، فكان من المستحيل حصرها، وما تزال أكثرية شعبنا تعيش تبعاتها. وها هي الولايات المتحدة تعيد التجربة ذاتها، ويبدو أنها لم ترغب في الاستفادة من درس العراق، أو تعترف بأن أسلوب العقاب الجماعي لن ينجح في اجبار دولة ما على الخضوع لارادتها، بينما ستدفع جماهير الشعب الثمن قهرا وحرمانا وفقرا.

وبرغم عدم اتفاقنا مع تطلعات ايران أو أي بلد نامي لحيازة السلاح النووي، فانه من الواضح أن سياسة الولايات المتحدة تفتقد للمصداقية والحياد، فهي في الوقت الذي تعطي الضوء الأخضر لدول مثل اسرائيل وباكستان والهند لتطوير السلاح النووي تمنع دولا أخرى من هذا الحق، مع أن إيران قد أكدت مرارا أنها لا تنوي صنع أو حيازة السلاح النووي. وهذا أيضا يعود بنا للموقف الأمريكي من النظام العراقي السابق، عندما كانت تتهمه بحيازة أسلحة دمار شامل، برغم تقارير لجان التفتيش الدولية التي أكدت مرارا عدم حيازة العراق على تلك الأسلحة. هذه الازدواجية في المواقف أثارت في الماضي كما تثير الآن التساؤلات عن مدى مشروعية الدور الأمريكي في لعب دور الشرطي الدولي. إن الولايات المتحدة ترفض التفاوض مع ايران قبل أن توقف هذه عملية تخصيب اليورانيوم، وهو أمر يصعب تفسيره.

يذكر الموظف السابق في المخابرات البريطانية ألستركروك في مقال نشره في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية في 27 / 9 / 2010 أنه في عام 2005، اقترح كبير المفاوضين الايرانيين حول المسائل النووية، علي لاريجاني، حلاً من ثلاث نقاط قدمه للأوربيين تضمن:

 1) أجهزة طرد مركزي تكف عن التخصيب عند تخطيها حداً أدنى،

 2) ملكية مشتركة مع أوروبا لمنشآت التخصيب بحد ذاتها،

 3) تعزيز المراقبة التدخلية، لكن الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية رفضت الاقتراحات وأصرت على إنهاء دائم لعمليات التخصيب.

ويرى الكاتب كحل لهذا الاستعصاء أن يوافق الغرب على مقترح ايراني جديد أبدت فيه جهوزيةً للتفاوض على مركزها النووي. حيث عرضت ايران على روسيا والصين وبلدان أخرى، بمشاركتها في منشأة تخصيب مقرها في إيران. فيقول: " على الولايات المتحدة وبقية دول الغرب أخذ هذا العرض على محمل الجد، أمّا الحل البديل الآخر الوحيد فيتمثل في بناء ترسانة ضخمة من الأسلحة في الدول العربية السنّية، عبر شركات صناعة الأسلحة الغربية، قد تؤدي إلى إشعال حرب جديدة في الشرق الأوسط لا أحد يرغب فيها ".

 ووفق رأي الكاتب فإن ايران قد تخطت الحدود عندما دشنت مفاعل بوشهر النووي، المنشأة الخاضعة لاشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهكذا لم تعد ايران تطمح بالانضمام الى " المنتدى " النووي، فقد أصبحت دولة نووية بحق ".

إن لايران القدرة على المناورة لمدة أطول مما فعلت لحد الآن، ولها وسائلها السياسية لحماية مصالحها، وتستطيع مواجهة السياسة الأمريكية لسنين طويلة قادمة، فلها من الدبلوماسية ما يؤهلها لمقاومة الضغوط الأمريكية. فحسب ما تذكره الصحافة الدولية، أن لايران علاقات ومصالح بعيدة المدى مع دول كبرى مثل الصين وروسيا وبعض دول أمريكا الجنوبية واليابان.

فالصين تستورد 12 في المئة من نفطها من هذه البلاد، وبالرغم من موافقتها على فرض العقوبات على ايران، حرصت كذلك على أن تُستثنى وارداتها وصادراتها من الطاقة من لائحة الأمم المتحدة. يجري الحديث اليوم بشكل ثابت عن قيام الصين باستثمارات جديدة وعلى المدى الطويل في مجال الطاقة في إيران. لكن حتى هذه اللحظة، لم تُستكمل الكثير من تلك الاتفاقات. فالصين دولة واقعية وتتخذ مواقفها تبعا لمصالحها السياسية والاقتصادية، فقد عارضت العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية وإيران بالطريقة الملائمة سعياً منها إلى موازنة مصالحها القومية المتضاربة، فهي تعمل بدأب لكسب دعم الغرب في مجلس الأمن الدولي وصندوق النقد والبنك الدوليان من جهة، وتسعى من جهة أخرى، لضمان امدادات دائمة ومستقرة للنفط.

والصين الشعبية التي أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تنظر الى بناء ثاني أقوى قوة بحرية بعد الولايات المتحدة لحماية أساطيلها التجارية. فهي تنظر الى الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر والمحيط الهندي والمحيط الأطلسي كممر مهم لسفنها التجارية وبالأخص تلك الناقلة لامدادات النفط القادمة من ايران ودول الخليج والعراق والسودان الى موانئها على سواحل بحر الصين الجنوبي. ولا يستبعد أن تنشئ الصين مرافئ لها في ايران على غرار ما أنشأته في باكستان وبنغلادشت وسري لانكا، كمحطات لتموين أسطولها التجاري المار من تلك المناطق.

من جانب آخر لا ينبغي النظر الى تراجع روسيا عن الاتفاقية الموقعة مع طهران في 2006 ببيعها صواريخ من طراز أس 300 بقيمة واحد مليار دولار، باعتباره نهاية العلاقة بين البلدين، فروسيا تظل جارة لايران وان الاحتفاظ بعلاقة حسن الجوار والتعاون لن يتحول الى قطيعة بسهولة. فالتعاون الروسي بشأن مفاعل بوشهر النووي الإيراني ما يزال مستمرا، وقد يساهم في تقويض العقوبات الأميركيّة على قطاع الطاقة الإيراني، وقد يؤدّي حتى إلى تعميق الانتقادات الحادة التي توجّهها دول كالبرازيل والهند والصين لهذه العقوبات، وهذا بحد ذاته قوة ضغط مهمة لصالح ايران. وقبل أن تتوصل الولايات المتحدة وحليفاتها إلى حل وسط ينهي الأزمة مع النظام الايراني، تكون العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه قد دفعت إلى الفقر والفاقة ملايين جديدة من مواطني ايران، بينما يكون ملايين الأطفال قد فقدوا حياتهم نتيجة نقص الدواء والغذاء والرعاية والبيئة الصحية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/تشرين الأول/2010 - 27/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م