مراجعة الذات وتهذيب النفس من العيوب

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: لم يستطع الإنسان العادي أن يحقق حلمه المثالي بالوصول الى درجة الكمال، ولم يتمكن من شطب العيوب التي لابد أن ترافق نشاطه الفكري والعملي سواء عن وعي او من دونه، لهذا ترى الانسان يعاني من بعض العيوب التي ربما لا يدرك وجودها في شخصيته أو انه لا يعرف بتلك العيوب إلا بعد عمر طويل.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في مؤلَفه القيّم الموسوم بـ (حلية الصالحين) حول هذا الموضوع:

(قد تكون في الإنسان خصلة ولكنه لا يعلم بوجودها، وقد يعلم بها ولكنه لا يعلم أنها عيب يوجب التغيير، وقد يعلم بها ويعلم انها عيب ولكنه قاصر عن اصلاح نفسه والتخلّص منها، وقد يكون مقصّرا).

والعيوب على ما هو متعارف متنوعية وقد يكون الفرد سببا مباشرا في حدوثها او وجودها في سلوكه وتفكيره وربما تكون مكتسبة بصورة غير مباشرة، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد قائلا:

(ان المثال على ما تقدم الجهل، فالانسان يُعاب عليه، ولكن قد يكون جهله عن قصور، لأنه لم يسعه أن يتعلم، وقد يكون مقصرا، كما لو أمكنه التعلّم ولكنه تلكّأ عن الامر، فعلى أي من هذه الحالات يُعاب ؟ الجواب: يُعاب على كلها).

وهذا دليل على أن الانسان لاسيما بعد بلوغه مرحلة الوعي هو المسؤول الاول عن نفسه وعن مزاياه وعيوبه، كونه تجاوز مرحلة الطفولة وقلة او غياب الوعي الى مرحلة أعلى تتيح له الفرز بين ما هو جيد وبين ما هو سيّئ.

لذا ثمة مرحلة تتطلب من الانسان أن يرصد أخطاءه من خلال مراقبته الدائمة لسلوكه المستقى من أفكاره وطبيعتها ومساراتها، مثل هذا الرصد والمراقبة لابد أن يقود الانسان الى مراتب أعلى وأجود في مراحل بناء الشخصية، وليس من العيب قط أن يتابع الانسان عثراته بل ليس من العيب أن يعترف بها (فالاعتراف بالخطأ فضيلة)، وبهذا يكون أكثر استعدادا للتصحيح والتطور.

ولا يقتصر العيب على الفكر بل قد تدفع مداخلات الحياة نوازع الانسان نحو الزلل فيرتكب أخطاء متنوعة، وفي هذا الصدد يقول سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه:

(قد يكون العيب شرعيا كارتكاب الحرام والمكروه، أو عرفيا او اخلاقيا مثل العجلة وعدم التأني، والغضب، والتكاسل وما أشبه، فالمفهوم يشملها جميعا).

ومن العيوب التي رصدها الشرع تلك التي تنتمي الى العرف، حيث أكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا الصدد:

(لقد اعتبر الشرع العيوب العرفية نقائص، وأوصى بالتخلص منها، وخير مثال على ذلك، رفضه للباس الشهرة).

فالشهرة غالبا ما تقود الانسان الى سمة معيبة كالغرور والتعالي على الآخرين، لهذا لابد للانسان أن يراقب نفسه في حالة النجاح او الفشل.

وهذا يؤكد أن نجاح الانسان لا يعني أن شخصيته خالية من العيوب، في حين لابد أن يتسبب الفشل نتيجة لعيوب معينة تقف وراء ذلك، وبذا لاينبغي للانسان أن يتخلى عن متابعة نفسه ومراقبتها في حالتي النجاح والفشل معا.

ويذكّرنا هذا الرأي بما دعى له احد العلماء حول أهمية أن يحدد الانسان وقتا للاختلاء  بنفسه يوميا ومحاولة استخلاص نتائج أعماله وافكاره ومراقبة الذات لتخليصها من الاخطاء او العيوب التي قد تشوب أعمالها وافكارها وربما نواياها أيضا.

وقد يشترك خرق الانسان للعرف والشرع معا في تكوين إحدى العيوب ولصقها بشخصيته، أي ربما تنطوي ذاته على عيب مركّب نتيجة لتجاوز شرعي وعرفي، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد:

(قد تكون عند الفرد خصلة او خصال يُعاب عليها شرعا أو عرفا ولكنه لا يعلم بوجودها أو بأنها معيبة، وهذا هو الجهل، ويعدّ صاحبها قاصرا؛ فربما ينتبه المرء بعد خمسين سنة او اقل او اكثر الى أنه كان مبتلى بخصلة معيبة طيلة العقود الماضية من عمره، فيندم ويتألم، وحقّ له ذلك).

وفي كل الاحوال ليس العيب أن يتنبه الانسان للخصال السيئة التي قد تلتصق بشخصيته لسبب او لآخر، ولكن من العيب عدم الاعتراف به، او التغاضي عنه وتجاهله، وعدم السعي لتصحيحه بسبب شعور الانسان بالعزة، فلكي يطوّر الانسان شخصيته ويضمن نجاحه الفكري والمادي في الحياة عليه أن يتتبع العيوب التي قد تنظوي عليها شخصيته وعليه معالجتها بالطرق المثلى التي تحقق له نسبا عالية من النجاح والتطور.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/تشرين الأول/2010 - 27/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م