المالكي ومنافسوه وآخرون

الصور القديمة للمشهد السياسي العراقي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كثيرا ما تسائل المتابعون للشأن السياسي العراقي عن سر التقلبات العديدة في مواقف السياسيين العراقيين أحزابا وشخصيات، وأسباب هذا التساؤل هو الارتباك الذي يجري امامهم وكثرة التبدلات التي لا يستطيعون معها تقديم تحليل أو رؤية للخطوة المقبلة.

في الديمقراطيات العريقة لا تقوم السياسة على العداوة والخصومات او على الاشخاص بل تقوم وتتقوّم على البرامج والمؤسسات التي تجعل من خدمة ناخبيها الهم الاكبر لها سواءا كانوا في السلطة أو المعارضة.

في عراقنا الديمقراطي ومع مايجري فيه منذ العام 2003 فان المواقف تتغير تبعا للعواطف والمشاعر الشخصية للسياسيين وتبعا للعداوات المضمرة نتيجة لمواقف سابقة وليس تبعا لمصالح وطنية عليا او خدمة للجمهور الناخب الذي اوصل اولئك السياسيين إلى كراسي السلطة، ولا نقول المعارضة فهي في ديمقراطيتنا ليست مبعث فخر واعتزاز بالنسبة للسياسيين فالجميع يتهرب من هذا الموقع وكأنه سبّة وفضيحة، فمواقع القرار الذ وأشهى وأطيب، وان وجدت تلك المعارضة، بحكم الاضطرار لا الاختيار، فإنها أيضا تكون محكومة بهذه العداوات والثارات المبيتة.

في جردة للاعوام القليلة الماضية يمكن تلمس حجم تلك الافعال والردودها لمواقف السياسيين حاليا والتي كثيرا ما أشار إليها نوري المالكي رئيس الوزراء المنتهية ولا يته بانها عقد شخصية وثارات مبيتة، وهو في توصيفه هذا يقترب من الدقة الى حد كبير.

ودع عنك حديث الخروقات الدستورية (اعتقد إن خروقات هذه وهنا تحديدا ماخوذة من الخرقة وصفا لقطعة القماش البالية) ودع عنك الحديث عن مصلحة الشعب المحروم او التفرد بالسلطة وغيرها من التهم الجاهزة التي يسوقها الخصوم في تصريحاتهم الإعلامية.

سنسوق بعض الامثلة من تاريخ السنوات السبع الماضية انعاشا للذاكرة، فقد تعودت شعوبنا على النسيان السريع والمستمر.

قبل غزو العراق كانت حظوظ احمد الجلبي في القمة وكانت اخباره تنتشر بسرعة في اوساط اصحاب القرار وكذلك بعد العام 2003، الا انه تم تهميشه لاحقا بسبب كشفه عن مجموعة ثمينة من الوثائق التي تدين اخرين وتربط شخصيات عربية وغربية رفيعة المستوى وكذلك كبار المسؤولين في الامم المتحدة بفساد واسع النطاق في برنامج النفط مقابل الغذاء.

والجلبي هو وعدنان الباججي كانت مسألة سيادة الدولة هي الشغل الشاغل لهما حين كانا اعضاءا في مجلس الحكم، وقد ترأّس الجلبي لجنة اجتثاث البعث ع تاسيسها وفق الامر رقم واحد الذي اصدره بريمر عن سلطة الائتلاف المؤقتة، وكان عنوان هذا الأمر (اجتثاث البعث من المجتمع العراقي) وكان نوري المالكي نائبا له.

ماهو موقف العرب السنة من مثل هذا الامر ؟ كان رايهم ان مشروع اجتثاث البعث ماهو الا طريقة لازاحتهم من مراكز السلطة والنفوذ، ليصبح الجلبي بعد مدة من الزمن منبوذا.

في نيسان من العام 2003 عقدت عدة اجتماعات بين الشخصيات البارزة للبحث في تكوين الحكومة المؤقتة. في تلك المرحلة كان ابراهيم الجعفري قد دعي للاشتراك في المداولات الجارية عن الحكومة المؤقتة.

إن إدخاله في مجلس القيادة الاصلي المؤلف من ستة اعضاء لم يكن مرحبا به بشكل عام، ولكن الذين عارضوا إدخاله وعلى الاخص المجلس الاعلى قد وافقوا على راي الاغلبية بشرط ان يوافق حزب الدعوة على الالتزام التام بالسياق الجديد للعمل.

عند بروز اية الله العظمى محمد صادق الصدر حاول البعض مثل حزب الدعوة اقامة اتصال معه ولكن ذلك لم يكن فعالا، اما البعض الاخر وخاصة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق في طهران فكان اكثر تشاؤما وتشككا من ظهور تلك المرجعية.

بحلول العام 1999 تحول ذلك الى عداء صريح، وقد بلغت الكراهية اقصاها حين اخذت الجرائد ذات العلاقة بالمجلس الاعلى في ايران تتهم اية الله الصدر وحركته بالتورط المباشر مع نظام صدام.

عند كتابة الدستور العراقي استفاد الكورد من الانقسام الحاصل في الائتلاف العراقي الموحد بشان قضية كركوك بين موقف المجلس الاعلى الاكثر تراضيا والذي يدعو اليه بقوة عادل عبد المهدي المناصر للكورد وموقف الصدريين وحزب الدعوة، وبعد سنوات يفقد إبراهيم الجعفري منصبه بسبب تلك المواقف.

وفي نفس السياق بعد تشكيل الحكومة الانتقالية كانت القائمة العراقية قد تحولت الى معارضة غير فعالة ولكنها معادية.

في الجمعية الوطنية الانتقالية تولى نوري المالكي رئاسة لجنة الأمن فيها، وكان معروفا بمواقفه الحدية بشان التعامل مع كبار البعثيين السابقين وبشان الحاجة الى مواجهة التمرد بشكل حازم، وهو الذي كان وراء قانون مكافحة الإرهاب.

حين اسند منصب رئاسة الوزراء للمالكي بعد انسحاب الجعفري، تعهد ان يشكل حكومة وحدة وطنية خلال ثلاثة أسابيع، وكانت حكومته محاولة لضم الجميع من الفئات البرلمانية كافة باستثناء مجموعة (صالح المطلك).

وايضا المالكي هو من وافق على قرار إعدام صدام حسين الصادر عن المحكمة الجنائية العليا، الأحداث والمواقف كثيرة جدا يمكن الرجوع فيها الى مانشر خلال السنوات السابقة من كتب ودراسات وابحاث لعدد من العراقيين والامريكيين والتي صدرت من مراكز الدراسات ودور النشر.

مصيبتان اجتمعتا لدى شعوبنا هما النسيان السريع للكثير من الاحداث والزهد في القراءة التي يمكن ان تنير الطريق لنا في معرفة هذه التبدلات والانقلابات في المواقف والقناعات التي يمارسها ساسة العراق اليوم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/تشرين الأول/2010 - 26/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م