وطن منهوب وثلاثة أجيال من الخيبة إلى الجوع وانتهاء بالخراب

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: العائلة اصغر خلية في المجتمع وهي مؤسسة رئيسية في بنيانه كما يعدها علماء الاجتماع والعائلة بأهميتها هذه كانت ولازالت محط اهتمام الدارسين والباحثين في مجالات العلوم الإنسانية لدورها الرئيس في التنشئة الاجتماعية ودورها في الضبط الاجتماعي ..

الجيل حسب التحقيب الزمني يمثل عددا من السنوات اتفق على انها تبلغ الثلاثين عاما وقد تكون هذه الثلاثون رمزا للنضج والاستواء في شخصيات الأفراد او الشعوب او الأمم او الثورات او اي فاعلية إنسانية أخرى.

وقد يكون مفهوما من خلال هذا التحقيب الزمني المثل الذي يقول (يحتاج الكلب إلى ليلة واحدة لأيقاظ سكان القرية لكن المفكر يحتاج الى ثلاثين سنة لأيقاظ المجتمع).

كيف يمكن او هل يمكن تقسيم العائلة العراقية من خلال اجيال بتسميات معينة؟

من خلال تجربة شخصية تتشابه مع الكثير من تجارب العائلات العراقية يمكن ذلك مع بعض التقاطع البسيط في مرحلة واحدة ربما.

ولدت في الستينات من القرن المنصرم واشتركت في حروب النظام السابق العبثية (حرب إيران- غزو الكويت) وما أفرزته تلك الحروب من كوارث وتغيرات اجتماعية عميقة في بنية المجتمع العراقي.

والداي شاهدان على تلك الحروب (إنهما جيل الخيبة والانكسار) وهما يشاهدان أبناءهم يساقون الى جبهات الموت اليومي المجنون والـعبثي وأنا المشارك مع أخي الأوسط في ذلك الجنون امثل مع أقراني جيل الحروب والموت والقتل.

في العام 1994 رزقت بابنتي الكبرى،وهي السنة الرابعة للحصار سافرت مع عائلتي خارج العراق في العام 1997 أصبحت ابنتي تمثل جيلان (جيل الحصار والغربة) وسيتبعها ابني الأوسط في الجيل الذي يمثل (الغربة).

بعد العام 2003 عدت الى العراق وفي العام 2006 اندلع القتال الطائفي عدت الى سوريا مرة أخرى وولد ابني الأصغر هناك انه (جيل الخراب).

قد يحصل التقاطع الذي ذكرته سابقا مع بعض تجارب الآخرين الذين لم يتسن لهم الخروج من العراق طيلة تلك السنوات.

كم من المفترقات والملتقيات تجمع بين تلك الحالة الاجتماعية التي يمثلها الكاتب مع حالة الملايين من العراقيين عائلات وأفراد؟

احسب أنها الكثير من المشتركات وقد تكون هناك استثناءات في بعض الحقب.

هذه الأجيال الأربعة في العائلة الواحدة ، لحقها بعض من الاستلابات المادية والمعنوية، ولا اقصد بالمادية هنا أموالا او عقارات او ثروات، رغم أهميتها بل اقصد بذلك عمليات الإعاقة الجسدية والنفسية وعمليات الفقد لأفراد من العائلة الواحدة نتيجة للتجارب التي عاشوها ومروا بها.

اصغر أعمامي مفقود منذ العام 1981، العشرات من أبناء أخوالي وأقارب والدي تم إعدامهم نهاية السبعينيات، اصغر إخوتي يرقد في مقبرة الغرباء في السيدة زينب، والدتي وأخي الأوسط مقيمان في أمريكا، أنا ووالدي في ارض الوطن الذي كلفنا دفع تلك الأثمان.

تركت تلك الأحداث ما تركت في النفوس، وكنا نستوعبها أحيانا ونتكيف معها، ربما بسبب من أعمارنا ونضجنا.

ولكن كيف يستوعبها الأطفال الذين نشئوا في تلك الدوامة؟ وفقدوا أباءا وأمهات في تلك المنعطفات والزوايا خلال الأعوام الأربعين الماضية؟

الكثير من الأيتام والذين فقدوا السلطة الأبوية ونشئوا في عوائل إهترأ نسيجها الاجتماعي والقيمي نتيجة الحرب العراقية الإيرانية، والذين عاشوا فترة الحصار الاقتصادي بحرمانها الإنساني المتعدد تجدهم في الكثير من مؤسسات الدولة، فهل نستغرب ظاهرة الفساد بسبب تلك الخلفيات الاجتماعية والسياسية الفاعلة؟

الكثير من جيل الحصار في جامعات العراق يخطون خطواتهم الأولى، فهل نتساءل لماذا هذا الانحدار في تعليمنا العالي، إذا اجتمع جيل الحروب والقتل والنفاق والتملق للقائد الضرورة (أساتذة) وجيل الحصار (طلابا) في الجامعة الواحدة؟ وهذا الجيل قد نخر أجساده ونفوسه الحصار والجوع والأحلام والأمنيات المجهضة.

الكثير من المنفيين خارج وطنهم أصبحوا قادة أحزاب وكتل سياسية، وأقاموا في مغترباتهم القسرية واكتسبوا جنسيات الدول المستضيفة، فهل يمكن الحديث عن ولاء لوطن منهوب بين أجيال ثلاثة (جيل الحروب وجيل الحصار وجيل الغربة)؟ وهل هناك من أمل في أن يصحح (جيل الخراب) ما لحق بهذا الوطن بع سنوات قادمة؟ المستقبل لا يبشر بالخير مع كل هذه الإرهاصات المنبئة به.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/تشرين الأول/2010 - 25/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م