أهمية الارشاد التربوي في الحياة الجامعية

أ.د. موفق عبدالعزيز الحسناوي

تعد الحياة الجامعية احد المراحل الرئيسية في حياة الطالب والذي من خلال تواجده فيها يستطيع بناء شخصيته الانسانية والعلمية والمهنية والثقافية بدرجة كبيرة وفاعلة فيما لو احسن التفاعل والانسجام والاستفادة داخل الحياة الجامعية التي تعتبر نموذجا مصغرا لحياة الطالب بصورة عامة في مجتمعه.

 ويمارس الطالب في خلال تواجده في الجامعة ممثلة بالكليات والمعاهد التقنية مختلف النشاطات العلمية والثقافية والفنية والرياضية اضافة الى حصوله على المعلومات الوافية في مجال تخصصه الذي يتم من خلاله اعداده لمهنة معينة يمارسها في المستقبل ليساهم من خلالها في بناء بلده ويشارك في عملية التنمية الشاملة لاحداث التغيير الايجابي المطلوب في البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمع.

 وخلال تواجد الطالب في الجامعة يتعرض الى العديد من المواقف الدراسية والحياتية سواء كان ذلك داخل اسوار الجامعة ام خارجها. وقد تصادفه بعض المشكلات التي قد تؤثر على نفسيته واداءه الدراسي والاجتماعي وتنعكس افرازاتها بصورة واضحة على شخصيته ومفردات تعامله مع الاخرين. وقد يصبح فكر الطالب مشغولا بها وكيفية حلها او التخلص من النتائج التي اوجدتها هذه المشكلات وساهمت من خلالها في تعقيد حياة الطالب بما يؤثر على تصرفاته في الموقف المعني او المواقف المختلفة الاخرى داخل وخارج الجامعة.

 وكما هو معروف فأن الطالب أثناء تواجده في الحياة الجامعية يكون في مرحلة عمرية تمثل بداية النضوج والشباب وغير مكتملة الملامح بدرجة وافية جدا. وهذا يجعله بحاجة دائمة ومستمرة الى النصح والتوجيه والارشاد من قبل الاخرين ممن هم اكبر منه سنا واكثر خبرة ونضوجا داخل الجامعة ومن العاملين بها وخاصة من الاشخاص الذين يؤثرون بدرجة فاعلة في شخصية الطالب ويكون متأثرا بهم ومقتنعا بالنصائح والارشادات التي يقدمونها له مع علمه المسبق بحرصهم الشديد عليه وعلى حل المشكلة التي تواجهه.

 أن حاجة الطالب الجامعي الى الارشاد التربوي يكون كبيرا ولابد منه لان الطالب في المرحلة الجامعية يتميز بنوع من الاستقلالية في التصرف بعيدا عن عائلته وولي امره بدرجة اكبر مما كان عليه في المراحل الدراسية السابقة. وهذا قد يكون ناتجا عن ابتعاد المواقع الجامعية عن مناطق سكن الطالب وهذا يؤدي به الى السفر والتنقل مما يجعله عرضة الى المشكلات والمواقف الصعبة التي تتطلب منه حلولا وحسن تصرف اكبر مما كان عليه سابقا.كما ان متابعة العائلة للطالب قد تقل عما كانت عليه نتيجة شعورهم بأنه قد بلغ سن الرشد وهذا يجعلهم يسعون الى تخفيف القيود عليه ومنحه حرية اكبر في التصرف واتخاذ القرارات فيما يتعلق بشؤون حياته الخاصة. وهذا يستدعي متابعته وارشاده من قبل المرشد التربوي في الجامعة بدرجة اكبر من المراحل الدراسية التي تسبق المرحلة الجامعية.

 وهنا يأتي دور الاستاذ الجامعي كونه الشخص المقصود بكلامنا اعلاه ليكون مرشدا وموجها للطالب في تجاوز وحل المشكلات المختلفة التي تواجهه وهنا يبرز مايسمى بعملية الارشاد التربوي الذي يعتبر ذو أهمية كبيرة للطالب في الحياة الجامعية بمختلف مراحلها وتخصصاتها

 فالارشاد التربوي عبارة عن علاقة طوعية يتفق عليها الطالب والاستاذ الجامعي الذي يمثل المرشد التربوي. فعندما يصاب الطالب بحالة قلق او توتر نتيجة لتعرضه لمشكلة ما اوموقف معين أثر بدرجة ما على سلوكه وتصرفه فأنه سوف يلجأ الى المرشد التربوي ويطلب منه تقديم المساعدة والعون له في حل هذه المشكلة او التعامل معها بصورة ايجابية ويفترض من المرشد التربوي ان يبدي المساعدة لهذا الطالب بصورة تمكنه من حل هذه المشكلة وتطوير شخصية الطالب وقدرته على التعامل مع المواقف المختلفة وان تكون هذه العلاقة مباشرة وجها لوجه بينهما.

 ونستطيع القول بأن الارشاد التربوي يهدف الى مساعدة الطالب في رسم الخطط الدراسية والحياتية التي تتلائم مع قدراته واهدافه وميوله وتساعده في تشخيص ومعالجة المشكلات التي تواجهه في الحياة والتي تجعله انسانا متزنا وصالحا وان يكتشف امكانياته العلمية والتربوية والاجتماعية ويحاول استغلالها بالصورة الافضل لتطوير وتعديل سلوكه الدراسي والاجتماعي والاخلاقي. وكذلك يساعد الطالب على تحقيق النجاح والتفوق عن طريق معرفة الطالب وفهم سلوكه وتصرفاته ومساعدته في حل المشكلات التي تعترضه اثناء الدراسة والاستمرار فيها وتحقيق النجاح والتفوق.

 ويلعب الارشاد التربوي دورا كبيرا ومهما في الحياة الجامعية بدرجة اكبر وبفاعلية اعلى مما هو عليه في المراحل الدراسية الاخرى التي تسبق الدراسة الجامعية لكون الطالب الجامعي هو الاقدر على تقبل النصح والارشاد بصورة واعية والاستفادة منه والتفاعل مع الاراء والافكار التي تطرح اثناء جلسات الارشاد التربوي التي يعقدها مع المرشد التربوي واستاذه بصورة ايجابية ويكون قادرا على تحليل عناصر الموقف المعني الذي يتطلب منه الحل والنظر في حيثياته واسبابه ونتائج الحلول المحتملة له وافرازاتها واثارها على شخصيته وسيرته الدراسية والحياتية وكذلك على الاشخاص الاخرين المحيطين به.

 مما تقدم اصبح من الضروري ان تولي الجامعات ومؤسساتها من الكليات والمعاهد التقنية اهمية كبيرة لعملية الارشاد التربوي كونه يمثل جانبا اساسيا وجوهريا في الحياة الجامعية وكونه يعد من مسؤوليات وواجبات الاستاذ الجامعي المهمة والتي ينبغي ان يضطلع بادائها بصورة وحقيقية ورغبة صادقة في مساعدة الطلبة لحل وتجاوز المشكلات التي تعترضهم في الحياة الجامعية. وان ينظر الاستاذ الجامعي للارشاد التربوي كونه يمثل جانبا مهما من مسؤولياته الوظيفية والانسانية شأنه شأن التدريس واجراء البحوث العلمية والنشاطات الاكاديمية والعلمية الاخرى التي يقوم بأدائها خلال تواجده في الجامعة. وان يكون مقتنعا بدرجة كبيرة بالدور الذي يقوم به خلال عملية الارشاد التربوي واهميته في معالجة مشكلات الطلبة وتقديم الحلول المناسبة لها او توجيههم الى الطرائق الفاعلة في حل هذه المشكلات من خلال دراسة كل مايتعلق بتلك المشكلات والنظر اليها بصورة ايجابية.

 ونتيجة لاهمية الارشاد التربوي في الحياة الجامعية ينبغي على الاستاذ الجامعي ان يكون ملما بموضوع الارشاد التربوي واهميته واهدافه وماهيته وانواعه وطرائق تقديمه الى الطلبة وان يكون على دراية لابأس بها بجميع الامور المتعلقة به. وان يكون عارفا بالمهارات والاساليب التي تمكنه من تحقيق اهداف الارشاد التربوي بصورة فاعلة وان يكون على دراية كافية بالعلوم المختلفة مثل التربية وعلم النفس والمناهج الدراسية والعلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية اي يكون ملما بكل الجوانب التي لها علاقة بحياة الطالب.

 وهذا يأتي من خلال اعداده اثناء دراسته لهذا الغرض وتضمين المواد الدراسية مواضيع متنوعة تتعلق بالارشاد التربوي والنفسي كونه سوف يكون استاذا جامعيا في المستقبل يتعامل مع شريحة الطلبة في مرحلة الشباب. وكذلك من خلال اقامة دورات تدريبية اثناء الخدمة خاصة بالارشاد التربوي وكل مايتعلق به لمن لم يتطرقوا الى هذا الموضوع اثناء دراستهم وبصورة مستمرة وان يشترك بها جميع الاساتذة الجامعين لغرض اطلاعهم على اخر المستجدات في موضوع الارشاد التربوي ونظرياته.

 وينبغي على جميع الاساتذة الجامعيين بدون استثاء القيام بعملية الارشاد التربوي للطلبة كونها من مهامهم الاكاديمية الاساسية في الحياة العملية والوظيفية. وان تكون هناك خطة تربوية واعلامية واضحة المعالم في الجامعة لتبني عملية الارشاد التربوي ومتابعة تنفيذه بصورة فاعلة من قبل القائمين على العملية الادارية والعلمية في تلك الجامعة. ووضع برامج تربوية وارشادية عامة لجميع الطلبة يتم من خلالها تعزيز الاخلاق الفاضلة والحفاظ على العادات والتقاليد الاجتماعية ومباديء الدين الاسلامي ورفع الروح المعنوية والحماس الوطني لدى الطلبة لخدمة بلدهم ومجتمعهم بالاضافة الى ارشادهم وحثهم على الالتزام بالدوام وزيادة المستوى العلمي والنجاح والتفوق وارشادهم الى الطرائق الفاعلة في التعلم والدراسة.

 ويحتاج المرشد التربوي الى فهم العوامل الاجتماعية وتأثيراتها على الطالب لانها ذو اهمية كبيرة للتوصل الى طرائق حل المشكلات المطروحة. وعليه ايضا ان يلاحظ الوضع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي لعائلة الطالب والاهتمام بهذا الجانب واخذه بنظر الاعتبار لفهم شخصية الطالب اثناء ممارسة عملية الارشاد التربوي له وتزويده بالطرائق الصحيحة المتوقعة لحل المشكلة التي تواجهه بالاعتماد على نفسه.ويفضل عدم تقديم الحلول الجاهزة لحل المشكلات الى الطالب بصورة مباشرة لان هذا سوف يجعل دوره سلبيا في هذه العملية مما لايساعده على حل المشكلات الاخرى التي قد تواجهه في المستقبل.

 ان توجيه الطالب وارشاده الى الطرائق المحتملة لحل المشكلة او الموقف الذي هو بصدده من خلال اعطاءه عدة خيارات وترك الامر للطالب لاختيار مايراه مناسبا منها لحل مشكلته سوف يؤدي به الى تنمية التفكير العلمي لديه من خلال استخدام الخطوات المنطقية الخاصة بالتفكير العلمي لغرض حل هذه المشكلة من بين عدة حلول مقترحة او فرضيات تم ارشاده اليها من قبل المرشد التربوي اي الاستاذ الجامعي المكلف بعملية الارشاد التربوي. وهذا يمنحه فهما اضافيا وحقيقيا لطبيعة المشكلة وعناصرها ومسبباتها والاجراءات الكفيلة بحلها لغرض التوصل الى حلول منطقية ونافعة.

 اما تقديم الحلول الجاهزة للطالب لحل مشكلته ودون بذل جهد من قبله ودون التفكير في طرائق حلها لاكتشافها بنفسه مع وجود بعض التوجيه والارشاد والاشراف من قبل المرشد التربوي فأن ذلك سوف يؤدي بمرور الزمن الى خلق الحالة الاتكالية للطالب على الاخرين في كل مشكلة او موقف يواجهه وانتظار الحلول الجاهزة منهم دون النظر في طرائق الحل المحتملة للتوصل الى الحل الصحيح بنفسه وبذلك سون تجعله في حالة دائمة للحاجة الى مساعدة الاخرين وهذه حالة سلبية تنشأ في شخصية الطالب.

 ويفضل استخدام نوعي الارشاد التربوي في الحياة الجامعية وهما الارشاد الجماعي والارشاد الفردي لان الطالب في الجامعة يكون بحاجة الى هذين النوعين من الارشاد لوجود مشاكل تربوية واجتماعية وانسانية عامة يتعرض لها جميع الطلبة وقد تكون بدرجات متفاوتة من حيث التأثير عليهم ولكنهم جميعا قد يتعرضون لها. وهذا يتطلب ارشادا تربويا جماعيا وحلولا كلية للامور يستطيع الاستفادة منها جميع الطلبة. وهذا يكون من خلال الندوات التربوية المتعلقة بالارشاد التربوي وتعزيز الجانب العلمي ومناقشة مشاكل وهموم الطلبة التي تخصهم بصورة عامة. وكذلك تتم من خلال المرشد التربوي بعقد جلسة مشتركة لمجموعة من الطلبة يعانون من نفس المشكلة ويحاول وضع الحلول المناسبة لها بالاستناد على مجموعة من الاراء والمقترحات التي يقدمها هؤلاء الطلبة بصورة جماعية لكي تضع اسسا مقبولة لحل المشكلة يتم التداول فيها فيما بينهم وبين مرشدهم التربوي وبالتالي التوصل الى الحل المناسب الذي يرضي جميع الطلبة اصحاب المشكلة.

 وبالاضافة الى ذلك فأن الطالب بحاجة الى جلسات ارشادية فردية بينه وبين المرشد التربوي حال تعرضه لمشكلة ما او موقف معين لايستطيع القيام بالتصرف المناسب بشأنه دون مساعدة من هو اكبر منه سنا واكثر خبرة ونضوجا. وهنا لابد ان تتوفر حالة من العلاقة التربوية الايجابية والشفافة بين الطالب والمرشد التربوي لكي يستطيع التحدث معه بصورة حرة وصريحة ومطمئنة وهذا يأتي من احساس الطالب بقرب هذا المرشد منه نفسيا. وهذه نقطة مهمة ينبغي ان يتصف بها الاستاذ الجامعي وهو القرب النفسي من الطالب مع الاحتفاظ بالحاجز الشفاف بينهما الذي يبقيه استاذا ويبقي الاخر طالبا.

 ان الارشاد التربوي عملية لاغنى عنها اطلاقا في الحياة الجامعية فهي احد الركائز الاساسية التي تستند عليها العملية التعليمية التعلمية. وهي بحاجة الى اعادة النظر في في اساليب تنفيذها والاستفادة منها في الحياة الجامعية وفهم فلسفتها الحقيقية بصورة صحيحة ودقيقة والتعامل معها على هذا الاساس كونها من ابرز مهام الاستاذ الجامعي مع التأكيد على اهمية اهتمام الجامعة بهذه العملية وتوفير مستلزمات انجاحها والتأكيد عليها ومتابعة تنفيذها بصورة دقيقة لكي تساهم في خلق الظروف الافضل لاستيعاب الطالب لمواده الدراسية وتعامله الايجابي مع مختلف القضايا او المواقف التي تصادفه في حياته ووضع الحلول السليمة لها للمساهمة في بناء شخصيته الفاعلة والمؤثرة في المجتمع والذي ينتظر منه الكثير ليكون مواطنا صالحا يساهم في وضع لبنات البناء لهذا المجتمع للارتقاء به الى مصاف الدول المتقدمة.

* هيئة التعليم التقني – المعهد التقني في الناصرية – جمهورية العراق

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/تشرين الأول/2010 - 25/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م