العرب وظاهرة التخوّف من المعارضة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: تنظر الشعوب والأمم المتقدمة الى المعارضة باعتبارها الركن الأوحد المكافئ للسلطة السياسية، وتأتي أهمية المعارضة من قدرتها على موازنة كفتيّ الحقوق والواجبات التي تتعلق بتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبهذا المعنى تصبح المعارضة إحدى أهم ركيزتين تستند إليهما حركة الشعوب وأنشطتها المختلفة، وفي حال غياب إحداهما أو ضعفها ستصبح الفوضى والعشوائية وغمط الحقوق طابع الحياة الاول، فغياب الحكومة الدستورية الراسخة لابد أن يحدث كنتيجة متوقعة لضمور المعارضة الدستورية الراسخة.

وهنا يتبادر لنا التساؤل التالي، هل يتمتع العرب كحكومات وشعوب بمعارضة متكافئة مع الانظمة السياسية التي تقودهم، وهل توجد ثقافة معارضة فاعلة لها القدرة على تشكيل الركيزة التي توازن بين سطوة السلطة وضعف الشعوب ؟.

إن الاجابة عن هذا السؤال تقودنا الى الاسباب الجلية التي تدفع العرب الى الخشية من الانتماء الى المعارضة او الانضمام في صفوفها، بمعنى اوضح، أن المعارضة كركيزة موازنة اساسية مع السلطة، غائبة عن الحياة السياسية العربية او ضعيفة في افضل التصورات، والسبب يكمن في التخوف المزمن من المعارضة، ليس من لدن الحكومات فقط - وهو أمر بالغ الوضوح - بل من لدن الشعوب العربية نفسها.

فالمفارقة الواضحة في هذا المجال أننا يمكن أن نؤشر خوفا مزدوجا من المعارضة، أي أن الحكومات العربية تخشى المعارضة بسبب خطورتها على مصالحها ونفوذها وما شابه، والشعب نفسه يخشى الانتماء للمعارضة ايضا، بل يخشى مساندها او اعلان الانتماء لها والعمل معها بسبب حالات التهميش والاقصاء المؤكدة التي سيتعرض لها الانسان العربي المعارض لحكومته، بل يصل الامر الى حالات العقوبة التي تكون قاسية في كثير من الحالات، وقد تصل الى فقدان العربي لحياته بسبب معارضته السياسية لهذا النظام او ذاك.

لهذا ليس من الصعب تأشير حالة التخوّف الشعبي من المعارضة كما هو الحال مع تخوف الحكومات من المعارضة، وهو أمر ينم عن جهل مزدوج ايضا، يؤكد خشية الشعب والحكومة من المعارضة في وقت واحد، وهو أمر يبعث على الاستغراب والأسى في آن، فلا الحكومة تدرك مدى فائدة المعارضة الحقيقية لها، ولا الشعب نفسه يدرك أهمية المعارضة في تطوير حياته وتحصين حقوقه وحفظها من مخالب الحكومات المتنمرة التي غالبا ما تضع مصالحها فوق مصالح الشعب، بغض النظر عن قبوله او رفضه لهذا النهج.

ولكن كيف يمكن أن تكون المعارضة عاملا مساعدا للحكومة بدلا من أن تشكل تهديدا لها ؟ إن تجارب الشعوب والامم المتقدمة تثبت أهمية دور المعارضة في ادارة التجاذبات السياسية وتشذيبها من الاخطاء التي قد تكون قاتلة احيانا، حيث يشكل هذا الدور عامل استقرار وقوة للحكومات من خلال العمل المخلص والدؤوب للمعارضة في مجال المراقبة وتأشير الاخطاء والتصحيح المتواصل من خلال طرح البدائل المناسبة والصحيحة التي تساعد الجهات الحكومية على معالجة ما يحدث من خطأ هنا أو آخر هناك، وبهذا تصبح المعارضة عنصر موازنة وتصحيح وتكافؤ، وليس عنصر تهديد وخطورة على الحكومة ومصالحها التي ينبغي أن تمثل مصالح شعبية عامة وليست مصالح فردية او حزبية او جهوية وما شابة.

كما أن التخوف من الانتماء للمعارضة ومؤازرتها، لا يصح في الشعوب التي تسعى لتحقيق التطور والرقيّ الدائم، وهو أمر محكوم بطبيعة المنهج الحياتي القائم، هذا يعني أن المعارضة تمثل ثقافة سلوك وتفكير معا، أي أن الحكومة ينبغي أن تجعل من المعارضة منهج حياة قائم بذاته وتعمل على تدعيمه وليس محاربته، مثلما هو الحال بالنسبة للشعب الذي ينبغي عليه أن يعتمد ثقافة المعارضة الداعمة للحكومة من خلال التصحيح الدائم لمساراتها الخاطئة وفقا لعمل المؤسسات الدستورية كما يجب، واستنادا الى ما ينص عليه العقد او الدستور المنظم للعلاقة بين السلطة والشعب.

وهكذا ينبغي التخلص من حالة التخوّف المزدوج من المعارضة، تحقيقا للفوائد الكثيرة والمهمة للطرفين، الحاكم والمحكوم، وبهذا تبدو المعارضة بهذا المنظور عاملا مهما من عوامل نجاح الشعوب وحكوماتها معا، بدلا من أن تكون عامل خشية وتذبذب قد يصل الى حد الاقتتال والصراع المزمن والدامي بين الشعب والجهات التي تستحوذ على السلطة سواء بالانقلابات العسكرية او بترسيخ انظمة الحكم القائمة على مساندة الحاكم ضد المحكوم في جميع الاحوال، من خلال تفعيل حالات التهميش والعزل والاقصاء التي تشكل بدورها عناصر تفكيك وإضعاف لعلاقة السلطة بالشعب.

لذا فإن التخوّف المزدوج من المعارضة، يؤدي الى توتر مزدوج بين الحكومة والشعب، وهو أمر لن يصب في صالح الطرفين في كل الاحوال، لذا لابد أن تعمل الحكومات والمعنيون بالامر على نشر ثقافة المعارضة وتعضيدها من لدن الطرفين الحاكم والمحكوم كونها تصب اولا واخيرا في الصالح العام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/تشرين الأول/2010 - 23/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م