الوضع في العراق والهروب الأمريكي من الساحة!

د. مؤيد الحسيني العابد

لقد أوردت الكثير من الأحداث الى إمكانية التحرّك الامريكي الجديد في المنطقة لاعادة التنظيم السياسي العسكري لعدة أسباب منها التصعيد الكبير الذي ينمو بشكل كبير على النطاق الاقليمي والازمات الاقتصادية المستمرة بشكل متفاعل كسبب و كنتيجة بنفس الآن! والتحرّك الامريكي الجديد ليس بالجديد حقاً بالمناورات الامريكية المستمرة وبالتضامن مع التحرّك الصهيوني الاسرائيلي على النطاق الداخلي خاصة بعد الخسارة الامنية الكبيرة التي نالتها إسرائيل بتساقط شبكات مهمة للغاية في الجاسوسية والتي تعمي الاجهزة الاستخبارية والامنية والعسكرية بشكل كبير فتكون سبباً لتعجيل زحزحة وتحريك على النطاق العسكري للتغطية على الخسائر المتكررة في الجوانب العديدة.

إنّ المشروع الأمريكي الصهيوني للسيطرة على منابع النفط وتهيئة كلّ الوسائل المتاحة للحفاظ على كيان إسرائيل الذي يشعر لوجوده القلق في المنطقة بأنّه مستهدف للقضاء عليه وإنهاء هذا الوجود الطارىء. وقد عملت العديد من الدوائر الإستخباريّة والسياسية والعسكريّة وكلّ المجالات الأخرى لوقف جماح كلّ الحركات التي تقف حائلاً دون تحقيق هذا المشروع. من فلسطين ولبنان والعراق ومصر بل ومنطقة الخليج عموماً.

لقد هيأت الولايات المتحدة وضعاً سياسياً خطيراً على مستوى العراق خاصة لاسباب عديدة منها، لاشغاله بأمور لا علاقة لها بالوضع العام في المنطقة وقد نجحت الى حدّ ما، خاصة اذا ما علمنا انّ كلّ التيارات التي سارت على النهج الامريكي في سياستها في العراق قد انجرفت بشكل واضح الى المشروع الامريكي والتلهية الخطيرة في المجالات الثانوية بحجة تشكيل حكومة وتصارع على وزارات معينة وكلّ هذه التيارات تعرف مدى حركتها المحدودة اصلاً للاسباب المعروفة في هذه المجالات الأمر ليس هكذا!

لقد صاغت العقلية الامريكية الوضع بالشكل الذي جعل ارباب السياسة الاسلامية والليبرالية تنصاع الى مشروع هو اقليمي التوجّه، ما العراق الا حلقة من حلقات التأثير والزحف الى الحلقات الاخرى التي منها الوضع في لبنان والذي تغليه من خلال ما سموه بالمحكمة الدولية لمحاكمة قتلة موهومين اشباح لا علاقة لهم بالقتلة الحقيقيين الذين تدربوا في دهاليز الادارة المخابراتية الامريكية والصهيونية غايتهم الاساس البلبلة في ساحة لبنان وسوريا وفصل المنطقة او تقطيع اوصال المشروع المضاد للمشروع الامريكي الصهيوني والذي تسير فيه قوى مسماة بقوى الاعتدال العربي و(الكمية!) الاكبر من قوى عراقية ناعقة لا ترغب بتوضيح الامر بهذا الشكل وكأنّ العملية لا اكثر من بناء ديمقراطية مزعومة على ارض العراق وهي في حقيقة الامر وهم من اوهام الادارة الامريكية والسائرين في ركابها من داخل العراق ومن خارجه!

المساحة الايرانية العراقية السورية اللبنانية الفلسطينية تتبعها الامتدادات المتحركة وفق التأثيرات المتنقلة على ارض الخليج ومصر واليمن ومحاولة تنضيج الساحة التركية بهذا الاتجاه وهي قضية معقدة لاسباب تركية دستورية وسياسية عمرها عشرات السنين!

حين الانسحاب الامريكي المزعوم(بإعتبار ان عملية الانسحاب عملية شكلية لتحويلها الى عملية اختباء عن العين الواقعية المرئية وتحولها الى اسلوب عملياتي مخابراتي بالسفارة الامريكية التي تجهّزت بشكل كبير لهذا الغرض فالعدد المجهول في ادارة العمليات القادمة من وراء حجب ومجهولة لاي سياسي عراقي قد انشغل بالصفقات المضحكة والمبكية!) لا يمكن للعراق أن يكون مستقراً. هذه هي الحقيقة! لن يستقر العراق على الاقل في الأفق المنظور حيث ان الاستقرار العراقي سيفعل على تشكيل المساحة الفعّالة الصامدة والمتفاعلة ضدّ المشروع الامريكي الصهيوني الرجعي العربي. حيث ستكون هناك مساحة واسعة ستراتيجية وهي عمق مهم وكبير لصدّ المشروع الأمريكيّ الصهيونيّ.

لقد شمل هذا المشروع ما سميّ(بالحلقات الإسلاميّة!) وهي حلقات عاجزة تورّطت بالدخول بمثل هذا المشروع الذي كان وما زال من أدواته حفنة من المرتزقة العرب الذين حوّلوا الوقوف ضد المشروع التآمريّ الى صراع طائفي دخلوا وأدخلوا فيه ضعاف النفوس وممّن ركض منذ وقت طويل وراء مصالحه الشخصية والحزبية والطائفية.

ومن الأمور المهمّة فعلاً التي ينبغي قولها هو أنّ المسألة التي تثار حول الموضوع المشار اليه بإسم المشروع الأمريكي الصهيونيّ قد تمّ في العديد من وسائل الإعلام البائسة والعاملة والممولة من آبار النفط!! حاولت أن تحيد بالامر الى صراع بين طائفتين أو بين ديانتين أو غير ذلك! بينما الامر بات واضحاً للكثير أنّ الأمر ليس بين طائفتين دينيتين أو مدرستين فقهيتين تختلفان في مفهوم النصّ والحديث علاوة على طريق الوصول الى النصّ الصحيح، إنّما القضية منذ وقت طويل هي عبارة عن إتّجاهات ثلاثة هي إتّجاه أمريكي له حلفاؤه قسرياً وطوعياً وفئة مضادة لهذا التوجّه الامريكي بإعتباره يريد تغيير نهج المنطقة بالقوة الى وضع يتناغم مع مصالحها ومصالح إستمرار نهج الكيان المغتصب لارض فلسطين بإعتبارها جزءاً مهماً من أجزاء المنطقة عموماً وجزءاً مهماً من المنطقة العربية الاسلامية بالخصوص.

 أما الاتجاه الثالث فهو التيار المتأرجح لا مع هذا ولا مع ذاك بين الفينة والاخرى يغيّر المواقف حسب ما تقتضيه القلوب الخائفة من النتائج التي لا يستطيع أن يتنبّه لها هذا التيار ويضطهد نفسه بين الحين والاخر ويجهد نفسه ليميل ميلاً قوياً الى الامركة الصهينة ومن ثمّ يميل ميلاً خجولا الى الآخر!فحركة السياسيين في المنطقة حركات من هنا لهناك لا تتجاوز التركيز على الاندكاك الى واحد من هذه الاتجاهات الثلاثة فعند دخول قضية العراق عام 2003 بإحتلال العراق وإسقاط نظام صدام الذي عاث فساداً في المنطقة بالتناغم مع المصالح الامريكية من هنا والضحك على ذقون الاتجاه الثالث إنّما كان نتيجة لا سبباً لما حصل ويحصل في المنطقة ولن تبلغ المنطقة الفكاك من هذا التقسيم إلاّ بإحتمالات صعبة ومعقّدة ربما تثير الكثير من القلق. منها حصول شيء كبير في المنطقة (من حرب ضروس يدخل فيها الامريكي بقوة فيستنزف على المستويين العسكري والاقتصادي والبشري فيضطرّ الى الانسحاب من المنطقة كما هي تدق الطبول هذه الايام والتي يعرف نتائجها كلّ من لديه عصا الضرب على تلك الطبول.

أو أن يظهر حلف جديد يشمل عدة أنظمة معروفة على المستوى العسكري فيهدد التواجد الامريكي في المنطقة بين الحين والاخر(وهذا ما يحلم به العديد من الانظمة(من النوع الثاني والثالث) حيث يكون الحلف قوياً مبنياً على مصالح كبيرة تتهدد فيها إقتصاديات الدول المتحالفة مع أمريكا بإعتبار المنطقة وتلك الدول المتحالفة إفتراضاً تمتلك خزين النفط الذي يمدّ جهد 30% أو أكثر من ماكنة الحركة العالمية!

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/أيلول/2010 - 16/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م