رؤى وأفكار في الذكرى والمنهج

برير السادة

رغم ما يقارب العقد من الزمان على رحيل الإمام الشيرازي, فان مستوى الدراسات والبحوث التي تتناول مدرسته الفكرية والميدانية لا يزال دون المستوى المطلوب, فالمنتمون لهذه المدرسة مازالوا تحت وطأة كاريزما شخصيته الهادئة, يخصون علاقاتهم الإنسانية, وذكرياتهم الحميمة والدافئة بالكثير من الجهد.

 ومع أنها تجسيد لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين المرجع الديني ومقلديه, ونمط لاشعوري, وتجلي حقيقي للنموذج الغائب في العقل الباطن للجماهير. فمن المهم أن لا تطغي على المنهج والأسس والمرتكزات لمدرسته بحيث تتجلى وكأنها مجمل المدرسة الشيرازية.

فغزارة الإنتاج وتنوعه لاكثر من نصف قرن, تفتح الباب واسعا أمام المختصين كلا في حقله ومجاله لدراسة رؤاه ونظرياته بشرط أن تكون علمية نقدية بعيده عن منطق التبجيل الزائف.

البعض يبحث عن نصوص معقدة, وكلمات مشفرة, ليعالج نصوصها ويفك ألغازها, وكان الدراسات والبحوث لا تقوم إلا على مثل هذه النصوص. من المؤسف حقا أن يظل العقل الإسلامي أسير الشروح والتعليقات وتوضيح المصطلحات, دون أن يبتكر ويسهم في التطوير العلمي, فمحاولة اللحاق بالتطور العلمي والتكنولوجي بمجمل التراث تشكل عبئ تقيل على الفكر الإسلامي وتحد من سرعة حركته.

من المهم أن يستمر أعضاء ورواد المدرسة الشيرازية بالعمل حتى لا تظل رؤى وأفكار الإمام الشيرازي مجرد فرضيات ونظريات حبيسة الكتب واسطوانات التخزين. فالعمل بهذه الأفكار والرؤى سوف يسهم في تعريفها ونقلها من حيز التنظير إلى حيز التطبيق والفعل, كما يساهم في غربلتها و تطويرها.

فالتوقف إنما يعني التأرجح في القناعات, والتضجر من حجم وطبيعة ونوع المسؤوليات والأفكار وهو كفيل بقتلها في فراشها وفتح الباب لنظريات بديلة.

أيضا من المهم أن تبدءا الدراسات في فكر الإمام الشيرازي بالقضايا المفصلية التي تحتاج لمعالجة سريعة وجذرية. وأهمية هذا الموضوع تكمن في نقطتين الأولى توجيه القاعدة الجماهيرية نحو القضايا الكبرى التي لا ينبغي التشاغل عنها وتوعيتها بالدور المطلوب منها.

 الثانية, التعريف بالإمام الشيرازي كرائد من رواد الإصلاح الذين أحدثوا ثورة فكرية هائلة رغم كل محاولات التحجيم والتفزيم لها.

فالثورة بمفهومها التغيري قد لا تؤدي إلى تغيرات مباشرة، ولكنها تحقق بشكل تراكمي انتقال المجتمع من حالة إلى أخرى .

من هنا فان مرحلة الاستمرار والبقاء والحفاظ على الانجازات تعد من المراحل المهمة في تاريخ التوارث وأدبياتها بسبب كثرة المعوقات والأزمات التي تخل بديمومتها. لهذا نحن نصر على ضرورة بقاء شعلة الثورة الفكرية والثقافية والاجتماعية التي أوقدها الإمام الشيرازي . فالتأكيد على كونها ثورة إنما يعتمد على نقطتين في مرحلة التأسيس والنتيجة, ففي التأسيس ارتكازها واهتمامها القاعدة الجماهيرية والتأكيد على أهميتها في التغيير, والثاني شمولها واتساعها لمعظم الميادين والآفاق الحياتية.

 اما في النتيجة فقياس مقدار وحجم التغيير الذي أحدثه على مستوى العمل الإسلامي, والتطلع يكفي لوصفها بالثورة.

فلأول مرة في التاريخ الإسلامي يتم وصف وتحديد الأدوار على المستوى الفردي والوصفي للإفراد كرساليين وسياسيين واقتصاديين.. ومؤسسات, فإلقاء نظرة فاحصة على كتاب التغيير والصياغة الجديدة والسبيل الى انهاض المسلمين يرسم صورة واضحة لهاجس تغييري إصلاحي يطال كافة التفكير والتطلعات بمختلف المجالات, بل تجاوزه للعمران والبناء فكتب كيف ينبغي أن تكون مشهد المقدسة وكربلاء .. وكيف يحج عشرة مليون مسلم. وهي تمثل إضافة مهمة كونها فتحت الباب نحو فقه وثقافة إسلامية اكبر, خارج إطار فقه العبادات التي قوقعت نوعا ما الإنسان الشيعي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/أيلول/2010 - 15/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م