المنجز الروائي العراقي الراهن ومحاولات الطمس

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: إن كانت قناة الحرة لاتملك مراجع ومصادر عن الادب العراقي وليس بين معدي برامجها ومقدميها من يجهد نفسه ويبحث عن المنجز الروائي العراقي منذ 2003 حتى اليوم- فليس من حق احد مقدمي برنامج بالعراقي ان يلغي منجزا روائيا عراقيا شاخصا على مدى السنوات التي أعقبت أحداث عام 2003 والى اليوم، ففي هذه السنوات كُتب ونُشر من الروايات ما يفوق نوعيا وعدديا معظم ما كُتب في التسعينيات، وإذا كان مقدم البرنامج يجهل ما أنجزه الروائيون داخل العراق وخارجه فليس من حقه ان يصدر احكاما اقل مايقال عنها انها متعسفة ومتعجلة ولاتقوم على أساس منطقي او حتى احصائي ونقدي وبحثي تبيح للبرنامج ان يسخر من كسل الكاتب العراقي بطريقة فيها الكثير من التغاضي والتجاهل غير المبرر.

نعم يمكن القول بأن كثيرين من الذين يحسبون على اجيال سابقة قد صمتوا غير ان كتابا اكثر منهم لايقرون بالانتماء للاجيال والتحقيب الاعتباطي يواصلون الابداع ولكل منهم بصمته الخاصة في السرد العراقي والعربي، وهنا لابد أن أتساءل:

هل سأل الأخ معد البرنامج دور النشر العراقية والعربية عن عدد الروايات العراقية التي اصدرتها خلال هذه السنوات ؟؟ وهل حاول أن يستقي معلومات صحيحة يدعم بها آرائه وأسئلته التي كانت مثار استغراب واستهداف واضح للمنجز الروائي، ام انه يقيس الأمر على اصدارات دار الشؤون الثقافية فحسب ؟؟ وهل اطلع على نشرات دور النشر العربية في سوريا والاردن ولبنان ومصر والمغرب والامارات ولندن ليحصي عدد الروايات العراقية الجديدة التي تناولت ما جرى ويجري في العراق ؟؟ وهل راسل احدى الوكالات المتخصصة بمتابعة اوضاع النشر في البلاد العربية ؟ أم اكتفى بفكرة مزاجية مسبقة؟.

ان ابرز نتاج ثقافي عراقي بعد الحرب، كان النتاج الروائي والقصصي من بين اشكال الفنون والابداعات الاخرى، لانه شأن شخصي لايتعلق بانتاج جماعي كالمسرح والسينما والغناء والموسيقى، ولمن لايعلم هناك جامعات اميركية وبريطانية فيها دارسون وباحثون يعدون رسائل دكتوراه عن الرواية العراقية المكتوبة بعد الحرب، فهل يعمل هؤلاء على كتابات وهمية ؟؟ وهناك دورات لتدريس الكتابة الابداعية في جامعات اميركية تقدم نماذج من روايات وقصص عن واقعنا الراهن لطلاب الدراسات الابداعية العرب والاميركيين كنماذج متميزة للابداع العراقي بعد الحرب، وهناك مجلات اجنبية تصدر بالانكليزية والايطالية والالمانية ترجمت اعمالا لكاتبات وكتاب عراقيين ن هذه المحاور.

وهل يعلم صديقنا مقدم البرنامج ان روايات عراقية كتبت بعد 2003 ونشرت خارج العراق قد ترجمت الى الصينية والايطالية والانكليزية والاسبانية والروسية والفرنسية ؟؟ وان بعض الروائيين والروائيات قدموا شهادات عن رواياتهم في محافل دولية ومؤتمرات في المانيا واسبانيا وفرنسا وسويسرا والولايات المتحدة وبريطانيا ولبنان والامارات العربية عن روايات كتبت بعد الحرب وتناولت احداث مابعد 2003 وجذور الاستبداد التي افضت الى كل هذا الوجع العراقي وافرزت هذا العنف الثقافي العراقي الذي يعمل وباصرار على ترسيخ فكرة تراجع الادب العراقي بعد 2003.

يحدث كل ذلك الاهتمام العالمي والاكاديمي باعمال الروائيات والروائيين العراقيين راهنا غير ان هؤلاء المبدعين لايروَّج لاخبارهم وانشطتهم في اعلامنا ولانجد اعلاما بوسعه ان يضيء هذه المنجزات ليجعل من ادبائنا نجوما على غرار ما يفعل اخوتنا المصريون – مثلا- وماكنتهم  الاعلامية البارعة في تكريس أنصاف الموهوبين أعلاما ونجوما، بل لاحظنا إعلاما يعتقد بأنه عراقي- كما حدث في هذا البرنامج- يحاول طمس الجهد الابداعي الروائي الراهن ولكن الشمس لا تحجب بغربال ( بالعراقي) .. وليس بوسع مزاج شخصي يتعمد طمس الحقائق ان يقرر ما اذا كانت الرواية العراقية غير معروفة في العالم وان الروائيين العراقيين كسالى وعاجزين عن متابعة الاحداث المزلزلة التي لازلنا نشهد وقائعها في عراقنا ونحيا بين نيرانها.

نعم هناك الكسالى وهناك الكارهون لكل نتاج متميز وهناك المنسحبون من المشهد وهناك مقابل هؤلاء حشد كبير من المنتجين المميزين للرواية والسرد العراقي بشهادة الغرباء لا بما يقوله برنامج بالعراقي، وهنا أسأل ما الذي يراد الوصول اليه بهذه الاراء المجحفة ؟؟ وقد لانلوم مقدم البرنامج ومعده كونهما غير معنيين بالسرد، لكننا نعتب على الناقد العزيز الاستاذ باسم عبد الحميد حمودي وهو المتابع غزير الاطلاع على منجز الكتاب العراقيين والمشهود له بالجهد الجاد والقلم النقدي البارع والذي تفترض خبرته ان يكون عارفا بمنجز الرواية العراقية في هذه الفترة المفصلية من تاريخ العراق والثقافة العراقية، وكان الاحرى به ان لاينساق مع الاوصاف الاعتباطية التي تبناها البرنامج وان يكون أكثر موضوعية في إصدار الاراء والأحكام إن كان على علم بما يجري في الساحة الروائية.

لقد نشر عشرات الروائيين والروائيات اكثر من مائة رواية عن هذه المرحلة وتداعياتها وجذورها ونالت بعض الاعمال جوائز عربية ووصل بعضها الى ترشيحات البوكر في القائمتين الطويلة والقصيرة، كإنعام كججي وعلي بدر وعواد علي وهاهي بعض الاعمال التي تتصدى لاوضاع مابعد الاحتلال وتداعياتها تترجم الان الى لغات عالمية ويعمل باحثون من جنسيات مختلفة على دراسة اعمال روائية عراقية صدرت حديثا في رسائل واطاريح تبحث في ادب الكتاب والكاتبات العراقيات وانعكاسات الحرب وتأثيرات العنف والارهاب والطائفية على اعمالهم واعمالهن الروائية.

وهنا سأستعين بالاحصائية الأولية التي أعدها الناقد العراقي الدكتور نجم عبد الله كاظم ونشرها موقع الروائي، إذ صدرت عشرات الروايات بعد عام 2003 لمعظم الروائيين العراقيين منهم (لطفية الدليمي وميسلون هادي وعبد الخالق الركابي وطه محمود الشبيب وعبد الستار البيضاني وحميد المختار ووارد بدر السالم وإنعام كججي وبرهان الخطيب وشاكر نوري ونجم والي وعلي بدر وبتول الخضيري ومحسن الموسوي وبديعة أمين وفيصل عبد الحسن ومحمود سعيدوسعد هادي وجمعة اللامي وشاكر الأنباري وعالية ممدوح وعالية طالب وحمزة الحسن وفاتح عبد السلام وجاسم المطير وعدنان المبارك ودنى طالب غالي ومحسن الرملي ومحمد شاكر السبع وسميرة المانع  وهيفاء زنكنة وجاسم الرصيف ومحمد الحمراني وهدية حسين وعلي عبد العال وزهير الجزائري وخالد القشطيني ومحمود سعيد وعبد الإله عبد القادر وصلاح النصراوي وجنان جاسم حلاوي وعبدالستار ناصر وسلام عبود وسنان إنطوان وسلام إبراهيم وعائد خصباك وسليم مطر وأحمد سعداوي ولؤي حمزة عباس وعزيز التميمي واسعد الجبوري وفاضل العزاوي وصلاح صلاح وشوقي كريم وجمال حسين  وابتسام عبد الله  وعبد الله صخي وحازم كمال الدين وسعد محمد رحيم وابراهيم الغالبي وزهير الهيتي وحسين عبد الخضر وعبد الكريم العبيدي وفاروق يوسف ومرتضى كزار ونعيم عبد مهلهل وعواد علي وعبد الجبار ناصر ونزار عبد الستار وحسين سرمك حسن وحسن بلاسم وفرج ياسين وعلي عبد الامير صالح وعلي عبد الأمير عجام وعلي خيون وجاسم عاصي وحنون مجيد وأسعد اللامي ورياض الأسدي وذياب فهد الطائي وزيد الشهيد وعادل كامل ومحمد الاحمد) وغيرهم.

وبعد ذلك، ترى أيحق لقناة الحرة التي نعدها قناة تتحرى الحقيقة في مظانها أن تقدم - في برنامج يفترض فيه انه برنامج ثقافي- على تسفيه المنجز الروائي العراقي ورجمه ووصفه بما لايتناسب مع الحقيقة والمعطيات والارقام؟.

أما القضية الاخيرة التي سأتحدث عنها إن كان ثمة كلمة تقال في كل هذا، فهي الأسف لمثل هذه الجرأة في إعلان التجاهل ولا اقول الجهل، إذ توجد الارقام والاسماء وقوائم الاصدارات العراقية والعربية وهي التي ترد على ماورد ( بالعراقي ) ويبدو لي ان معدي بعض البرامج  لايملكون الوقت للبحث عن الحقائق في الانترنيت والمواقع والصحف العراقية والعربية، لذا فالاسف هي الكلمة الوحيدة التي تقال عن هذا الذي عُرض مساء (10 ايلول) على قناة الحرة في برنامج بالعراقي، نأسف لان هذه القناة التي تقدم برامج مهمة عن المنجزات العراقية في الثقافة والاداب والفنون المختلفة في برنامج مدروس وجميل وموضوعي كبرنامج ( ابواب ) ان تزل بها النوايا وتكون فضاء مفتوحا لرجم الابداع الروائي العراقي وباللسان العراقي، ام تراها طريقتنا الحصرية في تدمير كل شأن ايجابي وتحويله الى مفصل خائب في المرأى العام وترويج فكرة عجزنا امام الآخرين وان التغييرات السياسية خلّفت وراءها عقما ابداعيا اطاح بكل الادباء كما يدعي بعض مروجي الفتنة الثقافية التي لاتقل اذى عن الفتنة الطائفية ومروجيها وعن الفتنة السياسية ومعتنقيها؟.

اتمنى على الاخوة الذين ظهروا في حلقة بالعراقي ان يتقصوا الحقائق قبل اصدار الاحكام المزاجية والجارحة بحق الادب العراقي، وليجهدوا انفسهم ويتحروا اعداد الروايات التي ظهرت بعد 2003 ويتحدثوا بالعراقي المنصف لا بلسان من يجافي الانصاف بأقواله وربما نواياه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/أيلول/2010 - 11/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م