
شبكة النبأ: عند دراسة موضوع أخطار
برنامج الأسلحة النووية الإيرانية، يتفق حتى أولئك الذين يختلفون في
أيديولوجياتهم السياسية على شيء واحد هو ان إقدام ايران على تطوير
اسلحة نووية سوف يدفع جيرانها، لا محالة، الى السير على نفس هذا الطريق.
من هؤلاء المحللين والباحثين على سبيل المثال السيناتور الأمريكي
السابق سام نن الذين كان قال في مطلع هذه السنة: على حكومات العالم ان
تدرك التهديد الذي ستواجهه اذا ما حصل الإيرانيون على الاسلحة النووية
فهناك حوالي 10 دول أخرى في الشرق الاوسط سوف تحذو حذو الإيرانيين خلال
السنوات العشر او العشرين المقبلة.
ويبدو ان صنّاع السياسة الامريكية، بدءا من المحافظ جون بولتون سفير
الولايات المتحدة السابق في الامم المتحدة الى جو بايدن نائب الرئيس
اوباما، يتفقون مع ذلك الرأي السوداوي.
لكن ثمة مشكلة واحدة في: «سيناريو الدومينو النووي» هذا وهي ان
التاريخ لا يؤكده. فمنذ بدء العصر النووي خشي كثيرون من انتشار السلاح
النووي بسرعة. لكن الآن، وبعد انقضاء 65 سنة على ذلك، ليس هناك الا
تسعة بلدان تمتلك أسلحة نووية متطورة. وهناك الآن فاصل زمني بمقدار 20
سنة تقريبا بين ظهور اول دولة نووية هي الولايات المتحدة عام 1945
وبروز الدولة الخامسة في هذا المجال التي هي الصين عام 1964. بحسب
صحيفة الوطن.
وكانت السنوات الأربعون اللاحقة قد شهدت ولادة خمسة بلدان نووية
اخرى هي: الهند واسرائيل وجنوب افريقيا وباكستان وكوريا الشمالية،
وتخلت جنوب افريقيا طوعيا عن اسلحتها النووية في التسعينيات، وفعلت ذلك
ايضا روسيا البيضاء وكازخستان واوكرانيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
ومن الملاحظ في هذا الاطار ان العالم لم يشهد سباقا نوويا اقليميا
بعدما طورت اسرائيل مقدرة على صنع السلاح النووي في أواخر الستينيات
على الرغم من انها محاطة بدول معادية في المنطقة. وينطبق هذا ايضا على
كوريا الشمالية فبعد أربع سنوات من اعلان نفسها دولة نووية، لم تلحق
كوريا الجنوبية ولا اليابان بها على الرغم من امتلاكها القدرة على صنع
السلاح النووي.
مظلة نووية
غير ان قرار هاتين الدولتين بعدم السير على هذا الطريق يعود الى حد
كبير للجهود الامريكية، فمن المعروف في هذا السياق ان كوريا الجنوبية
واليابان تتمتعان منذ وقت طويل بضمانات امنية دائمة في واشنطن منها
تأمين الحماية لهما من خلال مظلة نووية أمريكية إستراتيجية تجنبها
الحاجة لردع نووي ذاتي.
على هذا الأساس يمكن القول ان الجهود الأمريكية هذه في مجال منع
الانتشار النووي هي التي تجعل نظرية الدومينو النووي مجرد أسطورة «الدومينو
النووي يعني ان امتلاك دولة ما للسلاح النووي لابد ان يدفع دولا أخرى
لامتلاكه لا محالة.
ففي الشرق الأوسط ليس هناك ما يشير الى ان عامل الدومينو النووي
سيفرض نفسه قريبا، اذ على الرغم من اعتقاد العديد من الحكومات ان ايران
على بُعد سنة او ثلاث سنوات من تطوير قنبلتها النووية، لاتزال كل بلدان
الشرق الاوسط الاخرى على بعد 10 الى 15 سنة على الاقل من الوصول الى
مثل هذه القدرة.
هذه المسافة الزمنية توفر لواشنطن بالطبع فرصة طيبة لإقامة اتفاقيات
امنية مع البلدان التي يمكن ان تميل لتطوير برامج أسلحة نووية ردا على
احتمال امتلاك إيران قنبلة من هذا النوع.
ثقافة
والحقيقة ان هذا التوجه بدأ فعلا، ففي يوليو 2009 تحدثت وزيرة
الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عن إمكان توسيع المظلة الدفاعية
الأمريكية لتشمل كل منطقة الخليج وتعزز قدرات بلدانه العسكرية في حال
مضي إيران بالسير على الطريق النووي. غير ان الولايات المتحدة تحاول في
نفس الوقت تعزيز ثقافة عدم الانتشار النووي في الشرق الأوسط.
ففي أواخر عام 2009 أبرمت واشنطن اتفاقا مع الإمارات العربية
المتحدة تمتنع بموجبه الإمارات عن تخصيب ومعالجة الوقود النووي، ومعروف
ان هاتين الخطوتين مهمتان وحاسمتان في عملية تطوير السلاح النووي. وسوف
تحصل الإمارات مقابل هذا على مساعدة أمريكية لتطوير برنامج نووي مدني
من اجل توليد الطاقة.
وهناك عروض مماثلة يتم تقديمها الآن للمملكة العربية السعودية
والأردن اللذان يسعيان لتطوير برامج نووية سلمية من اجل تنويع إمدادات
الطاقة في البلدان.
كما شهد مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي الذي عقد هذا
العام انجازا آخرا عندما ساندت الولايات المتحدة فكرة عقد اجتماع
إقليمي من اجل قيام منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط، ومن
المتوقع ان ينعقد هذا الاجتماع عام 2012 على الرغم من أسلحة إسرائيل
النووية التي تعقد بعض المسائل المتعلقة به، وسوف يشكل بذلك خطوة أخرى
نحو تعزيز ثقافة عدم الانتشار النووي في المنطقة.
لكن على الرغم من ان هذا يشكل انجازا رئيسيا في مجال منع الانتشار
النووي في الشرق الأوسط الا انه لا يُرضي الا قليلا أولئك الذين يخشون
من رد الفعل، طبقا لنظرية الـ«دومينو النووي»، على سعي إيران نحو
الأسلحة النووية.
نقص المعرفة
بينما يمكن القول ان سبب الاعتقاد الخاطئ بأن سعي إيران نحو السلاح
النووي سيؤدي إلى سباق نووي في المنطقة هو ضعف فهم الغرب لإيران. فبعد
اكثر من 30 سنة من انقطاع العلاقات دبلوماسيا، ثقافيا وتعليميا مع هذا
البلد، لا يعرف الغرب الا القليل من قيادة ايران، تطلعاتها الوطنية
وثقافتها. وهذا في الواقع ما يجعل صناع السياسة يواجهون صعوبة عند
مناقشتهم مضامين بروز ايران كدولة نووية.
غير ان المبالغة في الخوف هنا كانت مفيدة اذ لو لم توضح الولايات
المتحدة طموحات إيران النووية بأسوأ صورة ممكنة لما تمكنت من كسب
التأييد لأربع جولات من العقوبات ضد جمهورية إيران الإسلامية في
السنوات الأخيرة.
والسبب الآخر للاستمرار بالتفكير في السيناريو الأسوأ هو ان مناقشة
نظرية الدومينو النووي تتم على ضوء السباقات الثنائية كتلك التي جرت
بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، وبين الهند وباكستان
ايام الحرب الباردة. غير ان ظروف تلك الفترة تختلف بالطبع عن مثيلاتها
الراهنة في الشرق الأوسط.
الا ان هذا لا يعني ان على العالم ألا يشعر بالقلق حيال برنامج
ايران النووي. فالانتشار النووي على نحو بطيء يحمل معه مضامين خطيرة
على الأمن والسلام الدوليين.
واكثر بواعث الخوف هنا تنطلق من احتمال وصول منظمة إرهابية ما
لامتلاك سلاح نووي أو مواد نووية تمكنها من صنع قنبلة بدائية، وهذا
احتمال وارد جدا لوجود دول كثيرة في العالم اليوم تنتج مواد نووية. كما
يشكل الخطأ البشري أو التكنولوجي سببا آخر للقلق، فقد اقترب العالم
أكثر من مرة خلال الحرب الباردة من حافة حرب نووية بسبب سوء الاتصال
بين الدول التي تمتلك أسلحة دمار شامل.
بقع نووية حارة
وبالإضافة لهذا العالم ليس بحاجة بالطبع لبقع نووية حارة أخرى، وما
علينا هنا سوى ان ننظر الى الهند وباكستان اللتين تقتربان بين آونة
وأخرى من إطلاق شرارة حرب نووية. وما من شك في ان إضافة عنصر نووي الى
حالة العداء السائدة بين إسرائيل وإيران لن يحسن آفاق السلام الدائم في
المنطقة.
من ناحية أخرى، يمكن القول ان المخاوف الأخرى من امتلاك إيران
للقنبلة هي مخاوف غير مقنعة تماما. فغالبا ما يقال، على سبيل المثال،
ان جيران ايران سوف يصبحون أسرى الجبروت الذري الإيراني.
بالطبع سوف تتمتع إيران النووية بقوة وهيبة نوويتين، وستتمكن من
ممارسة ضغط متزايد على البلدان الأخرى، لكن يبقى استخدام السلاح النووي
كأداة هجومية مسألة أخرى مشكوك بها. فالأسلحة النووية لم يستخدمها احد
منذ إلقائها على مدينتي هيروشيما ونغازاكي اليابانيتين في الحرب
العالمية الثانية. ومن الملاحظ ان كل القوى النووية الأخرى تعتمد على
قدراتها النووية للردع فقط، وليس هناك سبب يدعو للاعتقاد أنها ستتصرف
خلافا لذلك.
مصداقية
لذا ان أي تهديد إيراني باستعمال السلاح النووي لن يكون له أية
مصداقية بكل بساطة. ودون مثل هذه المصداقية لن يكون بمقدور إيران – مثل
أية دولة أخرى – ان تجعل دولة بعينها أسيرة لها.
ويزعم البعض ان نظام عدم الانتشار النووي العالمي سوف ينهار سريعا
اذا ما أصبحت إيران دولة نووية لأنها برأيهم ستخرب عندئذ معاهدة حظر
الانتشار النووي التي تلتزم الدول بموجبها بنزع السلاح النووي وتتعهد
بعدم تطوير أسلحة نووية.
لكن علينا ان نتذكر هنا ان معاهدة حظر الانتشار النووي هي من أكثر
المعاهدات نجاحا في التاريخ، ومن المؤكد ان أعضاءها البالغ عددهم أكثر
من 180 لن يسمحوا على الأرجح لبرنامج إيران النووي بتخريب أو تدمير هذه
المعاهدة التي تشكل منذ أربعة عقود أساسا لجهود منع الانتشار النووي في
العالم.
تكهنات سلبية
ومهما يكن الأمر من الواضح ان التكهنات التي يثيرها البعض حول
العواقب الوخيمة لامتلاك إيران سلاحا نوويا هي تكهنات غير صحيحة بل
وغير مفيدة، فالتأكيد على ان الانتشار النووي سيصبح أمرا حتميا عندئذ
هو أمر سلبي قد يدفع البعض للسير فعلا على طريق الانتشار النووي. وهنا
علينا ان نلاحظ ان أسطورة الـ «دومينو النووي» قد تشكل ذريعة لدول أخرى
في الشرق الأوسط للاستحواذ على السلاح النووي، وذلك لاعتقادها إن
جيرانها سيتحولون إلى قوى نووية.
على أي حال، ليس ثمة شك في ان العالم سوف يكون في حال أفضل إذا لم
تستحوذ إيران على السلاح النووي، وعلى المجتمع الدولي اتخاذ كل
الإجراءات الملائمة لمنعها هي أو أية دولة أخرى من الوصول الى مثل هذا
السلاح. وهنا من الضروري مواجهة إيران في هذه المسألة دون اللجوء
لأسطورة الـ «دومينو النووي» لأن إثارة مثل هذه السيناريوهات المخيفة
لن تؤدي سوى إلى تشويش الرؤية وعدم إدراك الواقع على نحو صحيح. |