البطالة المقنّعة في مؤسسات الدولة... غياب الرؤى وفشل التخطيط

 

شبكة النبأ: لا تزال ظاهرة البطالة تشكل صورة ظاهرة للعيان في المشهد الحياتي بالعراق، ولاتزال تقدم نفسها على انها واحدة من اشد العقبات المستعصية التي فرضت نفسها على العراقيين لاسيما الفقراء والضعفاء منهم، فالاغنياء والاقوياء هم في حل من نتائج هذه الظاهرة ومحصنين من اضرارها ومساوئها ، لكنهم لابد أن يكونوا جزءً مهما من أسبابها وحضورها الدائم في الشارع العراقي.

وقد أكد المختصون على أن البطالة المقنعة تشكل مشكلة حقيقية للاقتصاد وتعد عامل ضعف متواصل في هيكلة الاقتصاد الوطني كونها تهدر طاقات عملية وفكرية هائلة في المكان غير المناسب، ومن بين المظاهر التي تظهر فيها البطالة المقنعة جلية وواضحة، هو تصاعد اعددا العمال في أماكن عمل لا تستحق عشر العدد الموجود ناهيك عن إثقال كاهل الدولة بملايين الموظفين غير المنتجين.

فهؤلاء غالبا ما يحصلون على رواتب واجور متوسطة او عالية نسبيا ولكن من دون أن يقدموا مقابل ذلك انتاجا واضحا او ملموسا، بل تجاوزت اعداد الموظفين الوهمية مئات الآلاف أحيانا في هجمة فساد مالي واداري لا تزال تضرب الاقتصاد على الرغم من جميع الجهود المضادة لها لاسيما تلك الجهود التي بذلتها ولا تزال مفوضية النزاهة.

أما في حالة نزولنا الى الشارع فإننا يمكن أن نتابع مظاهر مؤسفة حقا تتعرض لها الطفولة في هذا المجال، فثمة الآلاف من الاطفال دون سن الخامسة عشرة يقومون بأعمال لا تليق بهم كدفع عربات الحمولة وما شابه من اجل الحصول على لقمة العيش بعد أن فقدت عوائلهم رب الاسرة ومعيلها تحت أسباب عديدة في مقدمتها الارهاب الذي يضرب البلاد منذ سنسن خلت.

كذلك هناك اعداد مماثلة للمسنين الذي يقومون بأعمال لا تليق بأعمارهم بسبب ضيق الحال، وانشغال الحكومة او الجهات المعنية عن هذه الشرائح بأمور أخرى ترى انها أكثر أهمية من مساعدة هؤلاء على العيش بكرامة، أما الربط بين هذه الظواهر وبين البطالة المقنعة فهو معروف لذوي الاختصاص وواضح لمن يتمعن في هذه الظاهرة قليلا.

فالبطالة المقنعة تعني اهدار اموال الشعب والدولة في غير الأمكنة الصحيحة والمناسبة، وهذا يعني تسرب الاموال الى جهات لا تستحقها ما يمنع الدولة من مساعدة مثل هذه الشرائح، كذلك تقود البطالة المقنعة الى ضعف الانتاج وقلة الايرادات وبالتالي فقدان جانب ايرادي مهم بمقدوره مساعدة شريحة الضعفاء من الاطفال والمسنين الذين يضطرون للعمل في مهن لا تليق بأعمارهم وأوضاعهم.

فقد حرّم قانون حقوق الاطفال عمل الاطفال دون سن الخامسة عشرة وألزم الدولة والمسؤولين بمراعاة ذلك، لكننا نجد اليوم كثيرا من الاطفال ادنى من هذا السن يعملون في مهن شاقة من اجل الحصول على ما يساعد عوائلهم لاسيما الايتام منهم، كما أننا نسمع بوعود كثيرة من قبل الجهات المعنية بحقوق الانسان وانها ستعمل على معالجة هذه الظواهر قريبا وانها قد وضعت السبل الخطط الكفيلة بحل هذه الاشكالات التي تواجه الاطفال وعمالة المسنين، لكننا في واقع الحال لم نشهد حلا سريعا لهذه الظاهرة التي ادت الى تسرب اعداد كبيرة من الاطفال خارج التعليم وهذا ما سيقود بدوره الى تكوين جيل غير متعلم يصعب عليه التواصل مع عصر الانترنيت والعلم وعصر القضاء على الامية الألكترونية في معظم الدول المتقدمة.

لقد بات واضحا أن البطالة المقنعة تشكل خطرا حقيقيا على المجتمع بسبب الخلل الكبير الذي تعود به على الهيكلية الاقتصادية بصورة عامة، وبسبب تأثيرها على الانتاج الحقيقي، فالصناعة العراقية كما هو معروف تضررت كثيرا، وقد صرح احد كبار المسؤولين بصدد الصناعة العراقية قائلا او واصفا اياها بأنها صناعة راكدة.

هذا الوصف الصحيح للصناعة العراقية هو احد الاسباب المباشرة للبطالة المقنعة التي تفشت في مفاصل الاقتصاد العراقي لعدم التعامل مع هذه الظاهرة بجدية من لدن المعنيين والجهات الحكومية ذات الشأن، لذا لابد من التعامل العلمي الجاد مع هذه الظاهرة التي فرضت نفسها على الواقع الاقتصادي العراقي.

ويتطلب ذلك قيام الجهات المعنية بوضع الخطط العلمية الكفيلة بالقضاء عليها وذلك من خلال تحشيد الجهد الانتاجي والصناعي بالطريقة التي تسهم في القضاء على البطالة المقنعة وزيادة الايرادات وتفعيل الصناعة والعبور بها من حالة الركود الى حالة التفعيل والعمل الانتاجي المتواصل الذي يسهم بصورة مباشرة وفعالة في القضاء على ظاهرة البطالة المقنعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 19/أيلول/2010 - 9/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م