تركيا... بين ارث اتاتورك وإصلاحات اردوغان

 

شبكة النبأ: أيد الناخبون الأتراك قد بقوة التغييرات التي اقترحتها حكومة حزب العدالة والتنمية على الدستور الذي سنته حكومة الجنرال كنعان ايفرين الانقلابية اوائل الثمانينيات.

وتهدف التغييرات الى ادماج تركيا بشكل اوثق مع الاتحاد الاوروبي الذي تطمح الحكومة التركيا بانضمام البلاد اليه.

وجاءت النتيجة مفاجئة للذين كانوا يتوقعون ان يكون الفرق بين نسبة المؤيدين والمعارضين للتعديلات ضئيلة. بحسب البي بي سي.

وصوت الناخبون على مجموعة تعديلات دستورية طرحها رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، وهي تعديلات تقول الحكومة ذات التوجهات الإسلامية ان البلاد بحاجة الى تطبيقها من اجل تعزيز الديمقراطية وتعزيز فرص انقرة في الانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي.

وقد عُدِّل الدستور الذي وضعته الحكومة العسكرية في 1982 حتى الآن 15 مرة لكن هذا التعديلَ هو الاول الذي يعرض في استفتاء شعبي.

الجانب الآخر

وترى المعارضة العلمانية في هذا التعديل محاولة للسيطرة على المحاكم من جانب حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتمتع بأغلبية برلمانية كبيرة.

وتضم حزمة الاصلاحات 26 بندا ينظر الى معظمها على انها متدرجة وغير مثيرة للجدل ومن بينها بند يجعل من الممكن محاسبة الجيش امام المحاكم المدنية.

لكن التغييرات المقترحة لتشكيل المحكمة الدستورية والهيئة العليا للقضاة وممثلي الادعاء وهي هيئة تابعة للدولة مكلفة بتعيين القضاة أثارت القلق بشأن استقلال القضاء.

ويشكل الاستفتاء اختبارا كبيرا لشعبية اردوغان الذي يتولى حزبه السلطة منذ 2002 وهي فترة طويلة نسبيا في تركيا. ويقول المحللون إن نتيجة التصويت ستعزز موقع حكومة اردوغان.

لماذا الاستفتاء

من الصعب العثور على قضية تحرز إجماع معظم الناس في الثقافة السياسية التركية شديدة الانقسام؛ ولكن الحاجة إلى تغيير أو استبدال دستور 1982 الاستبدادي، الذي صدر مباشرة بعد وقوع انقلاب عسكري، تعد على الأرجح واحدة من القضايا التي تحظى بشيء من الإجماع.

فلماذا يواجه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان معارضة الكثير لحزمة الإصلاحات التي عرضها، وكثير منها أشاد به الاتحاد الأوروبي؟

الثقة، أو انعدامها، هو السبب. أعداد كبيرة من الأتراك - وخاصة أولئك الذين يميلون إلى نمط الحياة الغربي العلماني- لا تزال متحرجة من أن يحكمها المتدين أردوغان.

بعد ثماني سنوات تولي إردوغان منصبه، ليس ثمة أدلة تذكر على برنامج حكومي إسلامي متشدد من قبل حزب العدالة والتنمية الحاكم، ولكن أسلوبه المندفع في القيادة وضيقه من الانتقادات أفقداه تأييد الناخبين المترددين، في اعتقاد يافوز بيدار المعلق الصحافي في صحيفة تودايز زمان الموالية للحزب الحاكم.

ويخطط إردوغان لتوسيع عضوية مؤسستين قضائيتين هما الأكبر في تركيا: المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى الذي يعين القضاة.

وقد أثار ذلك الشك والقلق لأن القضاء يعتبر أهم سد يقف أمام تسرب "تيار الأسلمة" خاصة بعد انسحاب الجيش من الساحة السياسية.

وما زالت خطط هذا التوسع موضوع جدل، لكن المعارضة تخشى أن يمنح ذلك للحكومة مزيدا من النفوذ.

ويقول الزعيم الجديد لحزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليتشداروجلو: "إنهم يريدون السيطرة على القضاء وإنهاء نظام فصل السلطات الذي أخذته تركيا عن الغرب."

ويعتبر كيليتشداروجلو –وهو موظف حكومي سابق والعضو في طائفة الشيعة العلويين- أن هذا الاستفتاء اختبار لشعبية رئيس الوزراء، قبل الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في منتصف السنة المقبلة.

وبعض هذه الإصلاحات، مثل إنشاء منصب أمين مظالم للتوسط في النزاعات بين المواطنين والدولة، واضحة بما فيه الكفاية، ولقيت ترحيبا واسعا. لكن البعض الآخر –خاصة فيما يتعلق بحقوق المواطنين- هو مجرد تعديل طفيف لنص الدستور القائم.

والكثير من الإصلاحات لا تعدو أن تكون مجرد تعديلات متواضعة، بعيدة كل البعد عن القفزة الديمقراطية إلى الأمام التي تعهدت بها الحكومة.

كمثال على ذلك انهاء الحصانة القضائية التي يتمتع بها زعماء انقلاب 1980. وهو تعديل لا معنى له علما بأن مهلة الثلاثين سنة -التي يسقط بعد انصرامها حق المتابعة القضائية- تنتهي في نفس اليوم الذي سيجرى فيه الاستفتاء.

كما أدت الطريقة المتعجلة التي عرضت بها حزمة الإصلاحات الدستورية في وقت سابق من هذا العام إلى إثارة حذر وحيطة الشعب.

وتعهد حزب العدالة والتنمية منذ سنوات بتعديل الدستور أو استبداله. لكنه لم يفعل من أجل ذلك سوى القليل، باستثناء إذنه لفقهاء القانون قبل ثلاث سنوات بوضع مشروع ميثاق جديد، ومحاولته الفاشلة إنهاء الحظر الدستوري على ارتداء الحجاب في الجامعات.

وظهرت حزمة الإصلاحات هذه بغتة بعد نزاع نشب في فبراير/ شباط داخل مؤسسة النيابة العامة بين من وصفوا بالمؤيدين للحكومة والمناهضين لها.

وتدخل المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، وجرد المدعي العام الموالي للحكومة من سلطته.

وطبع الغضب رد فعل الحكومة على ما وصفته بالسلطة القضائية المسيسة - بعد أيام فقط من ذلك عرضت الحكومة تلك الإصلاحات.

إشادة أميركية وأوروبية

من جانبه أقر الرئيس الأميركي باراك أوباما بما أسماها حيوية الديمقراطية التي أظهرها الإقبال على الاستفتاء الذي شهدته تركيا أمس على أول تعديلات دستورية فيها منذ ثلاثين عاما. وفي بروكسل رحب الاتحاد الأوروبي بنتائج الاستفتاء وعدها خطوة في الاتجاه الصحيح.

وأوضح مفوض شؤون توسيع الاتحاد ستيفان فولي في بيان أن نجاح الاستفتاء يظهر استمرار التزام المواطنين الأتراك بالإصلاحات في ضوء تعزيز حقوقهم وحرياتهم.

وقال إن هذه الإصلاحات "خطوة في الاتجاه الصحيح، لأنها تعالج عددا من الأولويات المعلقة في جهود تركيا تجاه الوفاء بشكل كامل بمعيار الانضمام".

لكن فولي حث في المقابل أنقرة على تطبيق قوانين تضمن تنفيذ هذه التعديلات، مشددا على أن الاتحاد الأوروبي سيتابع استعدادات الأتراك عن كثب وهو يتفق مع "آراء كثيرين في تركيا بضرورة أن يلي التصويت إصلاحات أخرى مطلوبة بشدة لمعالجة الأولويات المتبقية في مجال الحقوق الأساسية، مثل حرية التعبير وحرية العقيدة".

منعطف تاريخي

وفي أول رد فعل على نتائج التصويت، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إنها تشكل منعطفا تاريخيا على طريق الديمقراطية المتطورة وسيادة القانون.

واعتبر أردوغان في كلمة ألقاها في حشد من أنصاره في إسطنبول أن الثاني عشر من سبتمبر/أيلول سيذكر في التاريخ بوصفه نقطة تحول، مضيفا أن من سماهم مؤيدي الانقلابات العسكرية هُزموا في الاستفتاء.

لكن القاضي السابق في محكمة حقوق الإنسان الأوروبية رضا تيرمن رأى أن رفض التعديل من قبل 40% من الأتراك مشكلة كبيرة، مضيفا أنه لا يمكن اختزال هؤلاء بهيئة داعمي الانقلابات. وأضاف أن "تركيا مقبلة على أيام صعبة".

من جانبه حذر السفير التركي السابق بواشنطن فاروق لوغوغلو من أن النتائج ستجعل الحزب الحاكم أقل تقبلا لأحزاب المعارضة، في حين ستتجه هذه الأحزاب إلى تشديد انتقادها للحكومة والحط من قدرها.

وفيما امتنع حزب الشعب الجمهوري المعارض عن التعليق الفوري على النتائج اعتبر حزب العمل الوطني، وهو ثاني أحزاب المعارضة أن تركيا دخلت "حقبة مظلمة مليئة بالمخاطر والمغامرات".

لغز الملف الأزرق

من جهة أخرى يترقب الملايين من الأتراك، وفي مقدمتهم قيادات الجيش والمؤسسة العسكرية، ما سيكشف عنه "الملف الأزرق"، الذي تسلمه رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، من مدير أمن مدينة "اسطنبول"، أواخر الأسبوع الماضي.

وحظي "الملف الأزرق"، الذي تسلمه أردوغان فور وصوله إلى كبرى المدن التركية ، بعناية "واضحة وملفتة"، حسبما أكدت تقارير إعلامية تركية، أرجعت سبب هذه العناية إلى أن الملف يتضمن "معلومات عن شبكة دعارة متورط فيها عدد كبير من ضباط الجيش."

ونقل موقع "أخبار العالم" أن الملف الأزرق يضم أسماء جنرالات وضباط يعملون في قيادة القوات البحرية، تم التعرف عليهم ضمن حملة مداهمة لإحدى شبكات الدعارة، وصفت بـ"الكبرى وشديدة السرية"، وذكر أن ملفات هذه العملية تضم مشاهد قد تستخدم لابتزاز هؤلاء الجنرالات.

كما أفادت الأنباء، بأن أردوغان قد حمل هذا "الملف الأزرق" معه إلى اجتماع مجلس الأمن القومي، وناقشه مع أعضاء المجلس، الذي يضم القيادات العسكرية وكبار رجال الحكومة. بحسب السي ان ان.

وأشار الموقع التركي إلى أنه تم استجواب نحو 80 شخصية عسكرية، بينهم طلاب وموظفين وضباط، ممن وردت أسماؤهم في إطار هذه العملية، دون أن يكشف عن مزيد من التفاصيل.

وكانت السلطات التركية قد كشفت مؤخراً عن "مؤامرة" للإطاحة بحكومة حزب "العدالة والتنمية" عام 2003، واتهمت عدداً من قادة الجيش بالتورط فيها.

وفي تعليق له على "المؤامرة المزعومة"، والتي أطلقت وسائل الإعلام التركية عليها اسم "مخطط المطرقة"، أكد أردوغان أنه "لا أحد فوق القانون"، وتوعد "كل من يتآمر ضد الحكومة المنتخبة"، بتقديمه إلى العدالة.

انقرة مستاءة

من جانب آخر ابدت تركيا مؤخرا استياءها امام وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي ازاء البطء في المفاوضات الجارية لانضمامها الى الاتحاد، المرفوض من جانب دول عدة من بينها فرنسا والمانيا.

وشارك وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو في اجتماع لنظرائه الاوروبيين في بروكسل، الذين عرضوا عليه تطوير "حوار استراتيجي" معهم بشان المشاكل العالمية الكبرى، بشكل مستقل عن المحادثات الدائرة حول امكانية انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي.

الا ان الوزير التركي قال خلال مؤتمر صحافي انه "من الصعب تطوير رؤية استراتيجية كهذه" مع اوروبا بحال لم تترافق مع "تحقيق تقدم في مفاوضات" الانضمام.

واضاف داود اوغلو "لهذا السبب عبرت خلال اجتماع اليوم عن استيائنا ازاء وتيرة المفاوضات، لقد قلتها بوضوح، قلت ان هذه الوتيرة لا ترضينا على الاطلاق".

واشار الى ان الشراكة الاستراتيجية المعروضة من جانب الاتحاد الاوروبي لمواكبة الثقل المتنامي لتركيا على الساحة الدولية "لا يشكل بديلا عن مسار المفاوضات" للانضمام الى الاتحاد الاوروبي. بحسب فرانس برس.

وبدات انقرة مفاوضات للانضمام الى الاتحاد الاوروبي في العام 2005، لكنها تتقدم ببطء شديد بفعل حالة المراوحة في المشكلة القبرصية، والبطء في الاصلاحات في تركيا، وبشكل اكبر بسبب رفض دول مهمة امثال فرنسا والمانيا انضمام هذا البلد الذي يضم 73 مليون نسمة الى الاتحاد.

ويعطل الاتحاد الاوروبي ومعه فرنسا وقبرص 18 من 35 فصلا في المفاوضات بين تركيا والاتحاد، بشكل اساسي بسبب مشكلة قبرص. وتدعو باريس وبرلين الى استبدال انضمام تركيا للاتحاد ب"شراكة مميزة" مع انقرة.

وجدد داود اوغلو رفضه القاطع لهذا الاقتراح، قائلا ان "تركيا لن تقبل يوما بادنى بديل عن مسار المفاوضات" للانضمام الى الاتحاد الاوروبي. واضاف "هدف تركيا ان تصبح عضوا كاملا" في الاتحاد الاوروبي.

تقارب تدريجي

في السباق ذاته قال وزير خارجية بلجيكا ستيفن فاناكير الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي الاربعاء ان التقارب بين دول البلقان وتركيا من جهة والاتحاد الاوروبي من جهة ثانية سيجري بصورة تدريجية. وقال فاناكير ان "مستقبل الدول المرشحة، غرب البلقان وتركيا كذلك، هو في مواصلة تقاربها مع الاتحاد الاوروبي والطريقة المثلى هي في التقدم خطوة خطوة".

وادلى الوزير البلجيكي بتصريحه بعد لقائه في اثينا برئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو ومساعد وزير الخارجية ديميتريس دروتساس. وقال فاناكير ان "توسيع الاتحاد الاوروبي يندرج في اطار اولويات" الرئاسة البلجيكية وان زيارته لاثينا تهدف الى "التشاور مع البلدان ذات الخبرة بهدف الحصول على افضل النتائج" بشأن هذه المسألة. بحسب فرانس برس.

وتدعم اليونان انضمام دول البلقان وتركيا الى الاتحاد الاوروبي ولكن شرط ان تسهم تركيا بصورة "بناءة" في اعادة توحيد جزيرة قبرص وان تحترم معاهدات "حسن الجوار" الدولية والاوروبية. ويزور وزير خارجية بلجيكا قبرص.

دعوة للانسحاب من قبرص

اخيرا، دعا وزير الخارجية اليوناني ديميتريس دروتساس تركيا الى سحب قواتها من الشطر الشمالي لقبرص للتعبير عن حسن نيتها في المحادثات الجارية لاعادة توحيد الجزيرة المقسومة منذ 1974.

وقال دروستاس الذي يزور قبرص "ادعو تركيا الى القيام بالمبادرات اللازمة وتحويل الاقوال الى افعال". واضاف "ادعو تركيا الى سحب قواتها المحتلة من قبرص".

واكد الوزير اليوناني بعد لقائه الرئيس القبرصي ديميتريس خريستوفياس "نرغب في توجيه رسالة تقول ان القضية القبرصية تشكل ابرز اولوية للسياسة الخارجية اليونانية".

واطلقت محادثات سلام تحت اشراف الامم المتحدة في 2008 بهدف اعادة توحيد الجزيرة ما قد يعزز وضع تركيا في مفاوضاتها للانضمام الى الاتحاد الاوروبي التي يعرقلها خلاف يتعلق ب"جمهورية شمال قبرص التركية" التي لا تعترف بها سوى انقرة. بحسب فرانس برس.

يشار الى ان قبرص مقسومة منذ 20 تموز/يوليو 1974 حين اجتاحت تركيا الشطر الشمالي للجزيرة اثر انقلاب تم بايعاز من قوميين قبارصة يونانيين بهدف الحاق الجزيرة باليونان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/أيلول/2010 - 4/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م