
شبكة النبأ: عندما تم تفتيش مصنع
الطرد المركزي الإيراني في منشأة "ناتانز" للمرة الأولى من قِبَل
"الوكالة الدولية للطاقة الذرية" منذ أكثر من سبعة أعوام، كان ثمة
إجماع بين وكالات الاستخبارات والمراقبين المطَّلعين بأن بإمكان إيران
امتلاك قنبلة في غضون خمس سنوات أو أقل. وفي الواقع، لو لم يفعل العالم
أي شيء، لربما أصبح الآن لدى إيران قنبلة [نووية]. إن حقيقة الأمر أن
إيران لم تصل بعد إلى هذا المستوى [من التطوير] يرجع إلى حد كبير إلى
الجهود الغربية الناجحة لإعاقة برنامجها في هذا الشأن. وغالباً ما وصفت
عقوبات الأمم المتحدة بأنها "رمزية"، في حين استهدفت في الواقع المواد
ذات الاستخدام المزدوج والتي تعتبر جوهرية لبرامج إيران النووية
والصاروخية. وتوثق تقارير "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" المشاكل
التي واجهتها إيران بدءاً من قلة الحصول على المواد والتكنولوجيا
اللازمة لصنع أجهزة طرد مركزي فعالة، مما اضطر إيران إلى الالتزام
بالتصميم السيئ [لجهاز الطرد المركزي الباكستاني] P-1، الذي باعه لها
عبد القدير خان. وإذا واصلنا جهودنا ربما نتمكن من إبطاء التقدم
الإيراني لعدة سنوات.
ولكن ما لم ننجح في التوصل إلى صفقة ما، أو إذا لم يحل الإصلاحيون
الإيرانيون محل الحكومة الحالية المتشددة، ستستمر إيران في المضي قدماً
[في تطويرها سلاح نووي]. على أي حال، تتقدم إيران أحياناً بصورة غير
متوقعة، كما فعلت في الأعوام 2006-2007 حين أضافت أجهزة طرد مركزي بشكل
أسرع مما تنبأ به معظم المراقبين. وفي يوم ما، حتى إذا كان ذلك اليوم
بعيداً أكثر مما هو قريب، ستصل إيران إلى عتبة تعتبرها إسرائيل غير
مقبولة. وتشير الحادثتين التي وقعتا حتى الآن -- العراق في عام 1981،
وسوريا في عام 2007 -- إلى أن إسرائيل ستقوم بالرد حين تقتنع بأن الأمر
قد وصل إلى نقطة تحول، على الرغم من عدم وجود مؤشرات عن وقوع أزمة
دولية. أو بعبارة أخرى، فإن "الحدث المحتِّم" الذي يعجل الإجراء
الإسرائيلي، هو إدراك الإسرائيليين بوجود خطر.
ويخطئ البعض في توقعاتهم بأن باستطاعة إيران الاستمرار في إحباط
تحركات إسرائيل من خلال عدم إظهارها مطلقاً بأنها على وشك تجاوز تلك
العتبة: فلدى إسرائيل فعلاً عدد من الخطوط الحمراء.
والعديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم قد حذرت علناً من شن غارة
إسرائيلية، فإن أولئك المتشددين في طهران قد قاموا بعمل رائع في إقناع
زعماء العالم بأنهم يتجاهلون هذا الأمر وأنهم خطرون ولا يمكن إثنائهم
عن عزمهم -- وأنهم يهتمون بشكل متقطع بمظهر المحادثات لكنهم لا يرغبون
في الواقع بتعديل مسارهم.
وفي حال اختيارهم خوض غمار الألم الواضح جراء العقوبات الحالية، فإن
الممسكين بزمام السلطة في إيران سيؤكدون فقط وجهة النظر التي ترى فيهم
مكمن المشكلة. وفي مثل هذا السياق، إذا قامت إسرائيل بشن ضربة [عسكرية
على إيران]، سيتراوح رد فعل العديد من الحكومات بين "يا له من عار بأن
تقوم إسرائيل بالرد" و"ما الذي كان يتوقعه هؤلاء الحمقى في طهران؟" وفي
الواقع، ستكون هذه وجهة النظر التي سيتبناها الكثيرون في طهران.
وجهة نظر مختلفة حول استخدام القوة
وخلال العام الماضي، أكدت تصريحات أدلى بها قادة إسرائيل حول القضية
النووية الإيرانية، مدى خطورة المشكلة بدلاً من الفورية التي ستؤدي إلى
وصولها إلى الغليان. ويشكل ذلك تحول تام من [السياسة التي كانت تتبع]
عام 2005، عندما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت أرييل شارون
-- خلال زيارة قام بها لمزرعة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في
كروفورد بولاية تكساس -- بأنه حالما تتقن إيران تكنولوجية تخصيب
اليورانيوم وفي اللحظة ذاتها، سنكون قد عبرنا نقطة اللاعودة.
ومع ذلك، ففي الوقت نفسه، كان الرئيس بوش يسمع: من أجهزة إستخباراته
بأن لدى واشنطن بعض الوقت، ومن قادته العسكريين بأنه لا ينبغي على
الولايات المتحدة أن تصرف الإنتباه عن العراق وأفغانستان، ومن
دبلوماسييه عن قيام أوروبا ومجلس الأمن بالتعاطي مع القضية، ومن
مستشاريه السياسيين بأن الشعب الأمريكي لا يثق بإدارته فيما يتعلق
بأسلحة الدمار الشامل في البلدان التي تبدأ أسماؤها بالحروف "آي. آر.
أي (I-R-A)".
ويؤكد بعض المحللين ان الشكوك الإسرائيلية حول أوباما، في رأيي أن
المخاوف الإسرائيلية العميقة إزاء سياسة أميركا تجاه إيران تعود إلى
عهد الرئيس بوش -- وإلى الخلافات العميقة حول الجداول الزمنية التي
شهدناها في ذلك الوقت بين واشنطن والقدس.
الا ان بوش نفسه لم يشاطر القيادة الإسرائيلية - إدراكها العاجل جداً
حول الخطر الذي تشكله إيران. وكان هذا بالطبع مشكلة بالنسبة للقدس --
وهو [مأزق] أصبح أسوأ بكثير في أعقاب نشر "تقديرات الإستخبارات الوطنية"
في كانون الأول/ديسمبر 2007. وكان الرأي الساخر بين الكثيرين في الشرق
الأوسط أن واشنطن وطهران قد توصلا في الواقع إلى صفقة مفادها أن
الولايات المتحدة أعطت مؤشرات بأنها ستؤجل اتخاذ إجراءات حول الملف
النووي الإيراني، في الوقت الذي أشارت فيه طهران بأنها ستخفض دعمها
للمتمردين العراقيين.
وبعبارة أخرى، لا تشكل التوترات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن
القضية النووية الإيرانية شئ جديد بالنسبة لإدارة أوباما، بل تستند على
-- أكثر بكثير من -- خلافات في التقييم كانت قائمة منذ مدة طويلة، حول
كل من التقدم الذي أحرزته إيران وما يمكن عمله حيال ذلك.
والآن، يبدو أن واشنطن والقدس تتفقان في تقييمهما حول التقدم الذي
أحرزته إيران [في المجال النووي] ومدى السرعة التي تمضي [في تطوير
برنامجها]. وتأتي رؤيتهما المشتركة نتاج تشاور وثيق للغاية بين رؤساء
المخابرات، والجيش، والقادة السياسيين في كلال البلدين. وتشكل درجة
التوافق في آراء [هؤلاء الخبراء]، إشارة عن بناء ثقة على درجة كبيرة من
الأهمية في إسرائيل. لقد كان تعامل إدارة بوش مع "تقديرات الاستخبارات
الوطنية" من عام 2007 -- التي قامت بنشر ملخص دون إعطاء الحلفاء إشعار
مسبق ودون تفسير ما الذي يعنيه التقرير بالنسبة لسياسة الولايات
المتحدة -- مثال حي حول الكيفية التي يتم بموجبها تخويف الإسرائيليين.
ويا له من تباين، [مقارنة] بالجهود التي تبذلها إدارة أوباما لضمان
إطلاع الإسرائيليين على وجهات نظر الولايات المتحدة والإتجاه الذي
تتبعه السياسة الأمريكية.
وإذا كان الإجماع الحالي في الآراء الذي تبديه أجهزة المخابرات
الأمريكية بأن "الساعة النووية" الإيرانية قد تباطأت -- هو تقييم صحيح،
هناك أسباب كثيرة للتفاؤل. فـ "ساعة الديمقراطية" التي توقفت كلية في
تلك البلاد قد تنضم مرة أخرى إلى السباق، كما فعلت في عام 2009.
بيد، تعرض إدارة أوباما نقاشاً مختلفاً حول سبب [اعتقادها] أن الوقت
يعمل لصالح الولايات المتحدة: إن عرض الرئيس الأمريكي اتباع سياسة
التعاطي مع إيران قد شوش إلى حد كبير التصور [المفترض] بأن واشنطن هي
الحاجز أمام حصول تقدم وليس طهران؛ لقد حققت الولايات المتحدة نجاحاً
كبيراً في بناء توافق دولي في الآراء لممارسة ضغوط أكبر؛ كما أن تشديد
العقوبات لها تأثير ملحوظ على الإقتصاد الإيراني.
إذا كان التباطؤ الواضح هو تباطؤاً وهمياً، أو قد تحرك في الإتجاه
المعاكس، سوف نجد أنفسنا بسرعة في ذلك العالم.
ويميل الأميركيون إلى تقبل "عقيدة باول" وتبنيها وهي: استخدام القوة
الساحقة لتحقيق نتائج حاسمة. إن نظرة "جيش الدفاع الإسرائيلي" ("الجيش
الإسرائيلي") مقيّدة في التعبير المؤسف المتمثل بـ "قص العشب": لا
يمكنك أن تعمل على إيقاف نمو العشب، [بل] ستضطر إلى جزه مراراً
وتكراراً، ولكن كل قص يجلب فترة راحة مؤقتة. وبالنسبة لـ "الجيش
الإسرائيلي"، كانت عملية "الرصاص المصبوب" في غزة - في كانون
الأول/ديسمبر 2008 - كانون الثاني/يناير 2009 - ناجحة لأنها جلبت عدة
أشهر من الهدوء النسبي، في حين كان تقييم المعلقين في الولايات المتحدة
بأنها فاشلة لأنها لم تحقق ما افترضوه كهدف إسرائيل الحقيقي وهو: تدمير
«حماس».
وعندما يقول الأمريكيون إلى الإسرائيليين بأن مهاجمة المنشآت
النووية الإيرانية يعيد إيران إلى الوراء فقط بصورة مؤقتة، يجيب
الإسرائيليون أن هذا هو كل ما يتوقعونه من استخدام القوة العسكرية في
أي وقت - وإنه لأمر جيد بما فيه الكفاية.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |