في الذكرى التاسعة لرحيل الإمام... نستلهم فكرا ونتخذ عبرا

التخطيط المسبق لإحداث التغيير في حياة المسلمين

 

شبكة النبأ: في الأفكار السديدة والرؤى المتجددة التي قدمها الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قده) في معظم مؤلفاته، ثمة نزوع واضح نحو التغيير والدعوة الى التجدد ومغادرة الوضع الساكن الذي لايليق قط بالمجتمع الاسلامي، وقد انطوت مؤلفات الامام الشيرازي على الافكار والرؤى التي تهتم بالخطوات العملية للافكار ووضعها بين أيدي قادة المسلمين من اجل النهوض بأمتهم ومغادرة الوضع القار واللحاق بالركب العالمي المعاصر مع ضرورة التمسك بالجذور الاسلامية التي تعتبر مصدر قوة المسلمين على أن يتم في الوقت نفسه التساوق مع لغة العصر ومعطيات التحضّر.

وقدت تركزت رؤى لامام الشيرازي بهذا الخصوص في احد مؤلفاته الهامة وهو كتابه الثمين الذي يحمل عنوان (لنبدأ من جديد) وهو كما نلاحظ عنوان بالغ الدلالة والوضوح على الهدف الذي يرمي إليه الامام الشيرازي، فقد قال (رحمه الله) عن كتابه هذا:

(- لنبدأ من جديد- اسم هذا الكتاب الذي بين يديك وقد أشرنا فيه إلى بعض عوامل التقدم وأسباب التأخر وما ينبغي في ميادين العمل وتجديد الحياة في سبيل إعلاء كلمة الإسلام والمسلمين).

فالهدف من هذا الكتاب القيّم واضح حيث يركّز على الخطوات العملية القادرة على تحريك المجتمع الاسلامي ونقله الى حالة ديناميكية فعالة تنقله بدورها الى عالم اليوم المتسارع وذلك من خلال بث روح الحركة والتجدد والبحث عن الجديد دائما وابدا مع الحفاظ على اصالة الاسلام وتعاليمه التي لا تقف بالضد من روح التطور والمعاصرة، وقد أشارت كلمة مقدمة الكتاب الى هذا الهدف حيث ورد فيها: 

(هذا الكتاب الذي بين يديك ـ عزيزي القارئ ـ هو عبارة عن عشرين قاعدة لإعادة النهوض بعد الكبوة التي أصابت الأمة .. أتت من عَلَم من أعلامها الكبار وعامل من العاملين الاستراتيجيين ومفكر من مفكري العصر الحديث الموسوعيين.. جاد بها سماحة المرجع الديني الأعلى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي ـ رحمه الله تعالى ـ ).

إن التبصّر في هذه القواعد والتعمّق بمدلولاتها وما تذهب إليه من أهداف واضحة، يؤكد لنا جميعا بأنها تمثل خطة عمل متكاملة لتغيير واقع المسلمين ووضعهم في صدارة الامم المعاصرة، وتتلخص هذه القواعد الاثنا عشر بما يلي:

أولا: الهزيمة.. وأسباب الانتصار.

وفيها يقدم لنا الامام الشيرازي رؤية بالغة الوضوح على العوامل التي تقف وراء هزيمة الخير والتطور مقابل ادوات الجهل والمرض والتقدم، وفي المقابل تشتمل هذه الرؤية على العوامل والاسباب التي تقف وراء تقدم المسلمين ومجاراتهم للعصر.

 ثانيا: لنبدأ من أنفسنا.

وهنا يتبين دور القادة السياسيين وغيرهم في ضرورة تحصين ذواتهم والبدء بإصلاحها قبل الغير كونها تمثل الارادة القادرة على تحقيق التغيير المنشود فيما لو أصلحت ذاتها أولا.

ثالثا: الحرية.

إذ يقول الامام الشيرازي في هذه القاعدة ( ومن أهم ما يلزم في البدء من جديد: رعاية أسس التقدم وهي الحرية والعلم والصنعة).

رابعا: العلم.

وهو المقوّم الاساس لأي حراك مجتمعي يطمح نحو التطور والازدهار لأن العلم هو الذي يقود بالنتيجة الى تحقيق الرفاه الاقتصادي الذي يقود بدوره الى بناء الركائز المادية والفكرية لتطور الشعوب والامم.

خامسا: الصنعة.

وهنا يؤكد الامام الشيرازي قائلا:

(بعد العلم يأتي دور الصناعة لأنها تتوقف على العلم، وهي قمته، من غير فرق بين الصناعات الخفيفة أو الثقيلة).

سادسا: الكرامة الاقتصادية.

ويُقصد بها تحقيق سبل وطرائق العيش الكريم للجميع من خلال توفير فرص العمل اللائقة، وتحقيق العدل والمساواة في توزيع الثروات، وسيؤدي ذلك بالنتيجة الى حفظ كرامة الانسان وتخليصه من قبضة الفقر والحرمان والعوز.

سابعا: تقليل الموظفين.

وهي قاعدة ادارية اقتصادية لا مناص من معالجتها، حيث تؤدي كثرة الموظفين الى ارهاق كاهل خزينة الدولة (كما يحدث حاليا في العراق) ومن ثم إحداث هشاشة في الاقتصاد ما يؤدي الى دوامة من الفقر تسجق الناس وتزيد من فقرهم وحرمانهم.

ثامنا: مداراة الناس وملائمة الزمان.

لابد من القائمين على شؤون الناس أن يعرفوا كيفية التعامل معهم بالاسلوب الذي يريحهم ويجعلهم سندا للفعل الحكومي بدلا من يكونوا قوة معرقلة لتوجهات الحكومة، كما يركز الامام الشيرازي على ضرورة انتهاج الاساليب المعاصرة في التعامل مع الناس عموما.

تاسعا: معنى التوكل.

وهنا يثير الامام الشيرازي قضية مهمة جدا، حيث يحاول البعض أن يؤول التعاليم الاسلامية وفقا لمصلحته، فيؤكد الامام الشيرازي أن التوكل على الله لايعني السكون والركون الى الخمول والكسل بل التوكل يتطلب العمل والحركة المنتجة قبل كل شيء.

عاشرا: الارتباط المستمر بالله.

فلابد للانسان أن يرتبط بصورة حقيقية وصادقة في كل خطواته العملية والفكرية بمصدر قوته وحركته وفكره، وهو الله تعالى.

أحد عشر: التخطيط ضرورة.

وهي خطوة لا مناص من الالتزام بها وتنفيذها جرفيا كونها الطريق الى تحويل الافكار من حالتها المدركة عقليا الى حالة الفعل الملموس والانجاز المادي القائم على الارض.

إثنا عشر: الزواج المبكر.

وتأتي هذه القاعدة كحل للكثير من امراض العصر التي داهمت الانسان بسبب نزوعه المادي الكبير، فشاعت لهذا السبب امراض نفسية كثيرة منها الكآبة والحزن والضمور الفكري والحركي، ويسهم الزواج المبكر بحل الكثير من هذه الامراض التي شكلت جزءً مهما من الواقع العالمي المعاصر.

وهكذا تبدو لنا هذه القواعد الواردة في كتاب الامام الشيرازي (لنبدأ من جديد) وكأنها تشكل خطة عملية واضحة المعالم وقادرة على احداث التغيير المطلوب في الامة الاسلامية فيما لو تم الالتزام بها من لدن المعنيين من قادة وحكماء ومفكرين ومصلحين وغيرهم من ذوي الشأن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/أيلول/2010 - 3/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م