شبكة النبأ: للسلطة كما هو متعارف
سحرها الذي قلما يستطيع السلطان تجنبه، وذروة هذا السحر تكمن في
المكاسب المادية والمعنوية التي تضخها أدوات وتوابع السلطة في ذات
السلطان كالنفوذ والمال والجاه والسطوة وما الى ذلك من منافع تسحر
السلطان وتضخّم ذاته وتفقده توازنه فتدفعه للتشبث بالسلطة كي يبقى
متمتعا بخواصها ومزاياها الى أطول وقت ممكن.
لكن الوقائع التأريخية المنظورة والبعيدة وحتى القريبة منها التي
تخص السلطة وسحرها ونفوذها ومكاسبها، تؤكد لنا بأن بداية فقدان السلطة
تكمن في التشبث المستميت بها من لدن السلطان، ولهذا تشير الوقائع نفسها
أن السلطان كلما زاد تشبثا بالسلطة كلما قربت نهاية سلطته وامتيازاته
الكثيرة والكبيرة في آن.
هذه التوطئة تقودنا الى التساؤل التالي: لماذا وصلت حالة التنافس
على سلطة رئاسة الوزراء في العراق ذروتها، ولماذا فشل القادة السياسيون
في تشكيل الحكومة حتى الآن على الرغم من مرور ستة شهور على انتهاء
الانتخابات النيابية الأخيرة والتي ينبغي أن تتمخض عنها تشكيلة حكومية
تنقذ البلد مما هو فيه من دوامات كثيرة تعصف به وبشعبه ابتداء من دوامة
الامن وليس انتهاء بدوامة التردي الخدماتي المتصاعد؟.
ألم تشر هذه الوقائع الى تشبث مستميت بالسلطة من قبل جميع الكتل
والاحزاب السياسية ؟ ثم ألم يسمع ويتابع جميع العراقيين بأن الكتلة
الفلانية لها الحق في تشكيل الحكومة دون غيرها، وفي الوقت نفسه تعلن
كتلة اخرى أنها هي صاحبة هذا الحق وليس غيرها، لتليها كتلة ثالثة تطالب
الشيء نفسه وهكذا، وكل من هذه الكتل يحاول أن يفصّل (الدستور على
مقاساته)، وهكذا حتى وصل الامر الى التصارع بين شخصيات الكتل نفسها على
منصب رئاسة الوزراء؟
ألا يدل هذا على تهافت منقطع النظير على السلطة التي كنا نعيب
التشبث بها على الغير؟، ثم كيف لنا أن نبرر هذا الصراع العجيب بين جميع
السياسيين على رئاسة الوزراء حتى بلغ السيل الزبى كما يُقال ؟ ولم
يقتصر الصراع على الكتل مقابل بعضها البعض بل تسلل الى مكونات وأعضاء
الكتل نفسها كما تشير وسائل الاعلام مؤخرا الى ذلك.
لقد قلنا في مقالات سابقة أن طبيعة التجربة العراقية وحداثتها قد
توفر نوعا من الاعذار المقبولة للسياسيين في بعض الاخفاقات التي تسببوا
بها كما حدث في ملف الخدمات او الفساد الاداري والمالي وما الى ذلك من
نواقص ومعوقات قد تعترض الأنشطة الحكومية المتنوعة بسبب حداثة التجربة.
ولكن أن يستمر الصراع على السلطة الى حد يتسبب بتأخر تشكيل الحكومة
كل هذه الشهور ويتسبب بأضرار فادحة تلحق بالشعب، فإن هذا سيقع خارج
المتوقّع وخارج المقبول أيضا، وقد يبرر أحدهم أو بعضهم بأن التدخلات
الاقليمية والحسابات الدولية وما الى ذلك من أسباب هي التي تقف وراء
هذا التأخير، لكن هذا التبرير لايجب أن يستمر طويلا، واذا كان هذا
التبرير على قدر معين من الصحة، فإن معرفة السبب توجب المعالجة
الصحيحة.
بمعنى أكثر وضوحا، أننا كسياسيين وطنيين اذا عرفنا بأن التدخلات
الاقليمية والحسابات الدولية تحاول أن تضع المعرقلات أمام تشكيل
الحكومة، فلابد لنا من التحرك الفعلي لتحديد الاسباب ومعالجتها فورا،
وإلا ليس من المعقول أن ساسة العراق غير قادرين على النهوض بمسؤولياتهم
المتعلقة بادارة البلد من خلال الشروع الفوري بتشكيل الحكومة لوضع حد
لحالة التراجع المخيفة التي يشهدها البلد في الصعد السياسية والامنية
والخدماتية وغيرها.
ولطالما طالب موطنون من ذوي الوعي المحدود ساستهم بأهمية تقديم
التنازلات لبعضهم، وأهمية الايمان بتغير الوضع في العراق من بلد تحكمه
سلطات مستبدة الى بلد ينبغي أن يُقاد باسلوب التداول السلمي للسلطة،
أما أن يبقى الجميع متشبثا بموقفه الدال على تشبث مستميت بالسلطة، فإن
هذا دليل دامغ على عدم شعور السياسيين بمسؤولياتهم تجاه الشعب ووضع
متطلباته واحتياجاته بعد مصالحهم ومآربهم الباحثة عن السلطة أولا، وهو
أمر طالما أعابوه هم أنفسهم على غيرهم سواء الحكومات التي سبقتهم في
العراق او البلدان العربية والاسلامية أو غيرها.
لهذا نحن نؤيد من يرى أن مسألة التناحر على رئاسة السلطة التنفيذية
في العراق قد تجاوزت الحدود المعقولة، بل ربما بلغت أقصى حدودها، مما
قد يمهد الى انهيار شامل للعملية السياسية برمتها، وهو خطر يتهدد
الجميع وأولهم السياسيين العراقيين كتلا واحزابا وشخصيات سياسية
مستقلة، ناهيك عن خسارتنا كشعب - عانى من ويلات الطغاة كثيرا- للفرصة
التأريخية التي تحققت للعراقين في إمكانية بناء تجربة سياسية ديمقراطية
متحررة تنقل العراق الى مصاف الدول المستقرة ديمقراطيا لتعوض شعبه عن
مساوئ الأزمنة الماضية التي أخذت منه كل شيء ولم تعطه سوى الحرمان
والاذلال والفقر على يد أعتى الحكومات تسلطا وجبروتا. |