العراق وأبناء صدام والخوف من غابة الذئاب المفترضة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: بين تصريح طارق عزيز من سجنه لإحدى وكالات الاخبار الاجنبية (ان اوباما يترك البلاد للذئاب)، وبين تصريح لأحد مستشاري رئيس الوزراء نوري المالكي (نحن أبناء صدام... كلنا في السلطة الآن... كنا ضده حينئذ, غير انه شكل أسلوب تفكيرنا في السياسة). صحيفة "التايمز" البريطانية. بين هذين التصريحين أكثر من رابط وأكثر من دلالة عابرة.

التصريح الأول لسياسي عراقي خدم النظام السابق لمدة عقود طويلة وتقلد في منظومته السلطوية مناصب عديدة اخرها وزارة خارجية العراق والتصريح الثاني لسياسي عراقي يخدم النظام الحالي بصفة مستشار رئيس الوزراء الذي هو ايضا قادم جديد لهذه المنظومة السياسية بعد العام 2003 ( كنا ابناء صدام ) يصرح المستشار الجديد وهو محق في اعترافه بهذه البنوة للقائد الـضرورة واعترافه بهذه الابوة القسرية التي تفعل افاعيلها العجيبة في الواقع السياسي العراقي اليوم..

علاقة قهرية متبادلة بين من كانوا يمثلون معارضة تلك الابوة واصبحوا اليوم آباء السياسة الجدد في عراق الحاضر والمستقبل.

تتأسس علاقات القهر على طرفين، الطرف القاهر وهو هنا صدام حسين الذي مد عباءة قهره على جميع العراقيين طيلة اربعة عقود، والطرف المقهور، المجتمع العراقي بجميع افراده وبضمنهم نخبته السياسية التي تتسيد مشاهد الارتباك السياسي الان.

يعرف عن علاقات القهر المستديمة ان المقهور - الطرف الضعيف - يتماهى في الكثير من تصرفاته وسلوكه مع الطرف القاهر كآلية دفاعية للحفاظ على حياته او امتيازاته وهو حين تتغير الصورة ويصبح قاهرآ فأنه يستعير نفس ادوات واساليب من قهره ازاء من يعتقد انه يحاول انتزاع ماحصل عليه او ماوصل اليه من موقع جديد، ولا يغادر هذا المستشار مربع الحقيقة حين يقول ان صدام، ونحن كنا معارضين له قد شكل اسلوب تفكيرنا في السياسة.

وهو الأسلوب القائم على الخوف من الآخر وعلى الإلغاء والتهميش والإقصاء لهذا الآخر وحتى تصفيته جسديا كما في العديد من حالات تصفية رفاق الأمس في العقيدة البعثية التي هي عقيدة القائد الضرورة بعد اختزال البعث في شخصه وحاكميته المطلقة.

يستعير احد رموز السياسة الان نفس الزي الذي كان لفدائيي صدام، زيا لميليشياته، ويستعير له تابعوه لقب السيد القائد بدلا من الرئيس القائد.

ويستعير قادة تابعين لهذا الرمز نفس أسلوب الإلغاء والإقصاء إزاء معارضيهم وخصوصا ما تعارف على تسميته بمعارضة الخارج مقابل معارضة الداخل (نفضل ان يتولى رئاسة الوزراء من كان داخل العراق وليس خارجه)، لقاء مع قناة الجزيرة القطرية.

لا لشئ إلا الاستناد على أيديولوجية غير واعية استعيرت من خلف الحدود تمثل أبوة أخرى لكنها دينية هذه المرة (إيران - العداء للشيطان الأكبر) (لبنان– حزب الله وقائده حسن نصر الله) وهي أبوة جديدة - قديمة هذه المرة، فالمالكي على حد وصف قادة سياسيين لهذه الجهة شخصية غير مرغوب بها في الشارع السياسي الذي يمثله أربعون مقعدا بينما لا يمثل 89 مقعدا أي حارة أو دربونة في الشارع السياسي المليء بالحارات والبازارات.

والمستشار في مربع حقيقته لا يأخذننا بعيدا عن هذا الإقصاء والإلغاء، فالسبعة عشر مقعدا تمثل المقبولية الوطنية ولا تمثلها 91 معقدا أو 89 مقعدا.

ذلك التشكيل للتفكير في السياسة لا يغادران أذهان وسلوك قائمة سياسية بعديد رجالاتها حين ترى أنها صاحبة المشروع الوطني الوحيد الحامل لدعامات الإنقاذ والنهوض بالعراق والآخرون محض عملاء لدول أخرى.

وهو نفس السلوك الذي تعلمه اكثر الابناء قهرا حين يقدمون ورقة مطاليبهم والتي تعتبر احدى نقاطها ان اي حكومة ينسجون منها تعتبر حكومة مستقيلة، اي ان عشرون بالمائة يتحكمون برقاب ثمانين بالمائة من هذا المجتمع في جانبه السياسي و الاقتصادي..

ولم يغادر المستشار مربع الحقيقة في تعلم فن السياسة من دكتاتور العراق والمحاباة لوجوه النظام الجديد تتماها مع نفس المحاباة التي قدمها صدام لأعوانه توزيع قطع الأراضي للمصفقين بحمده في أجمل مناطق بغداد.

وصاحب التصريح الأول صديق لرئيس قائمة (قولوا لطارق عزيز انه سيبقى صديقي، وأنا أفكر فيه كل يوم) ترى نفسها حاملة لواء الوطنية العراقية والعلمانية الناهضة من خراب الأحزاب الدينية .. يا لبؤس صداقة كهذه وعلمانية في حقيقتها صنم لدكتاتورية جديدة تصرّ على اعتذار الآخرين من توصيف لواقع ناجز لا مهرب منه.

في المجتمعات المقموعة والمقهورة والراكضة نحو انحدار القيم والإنسانية لا شئ غير الخوف يتلبس كيانها وشخصيتها الخوف من الآخر، الخوف من الأنا في تجليات صدقها وحقيقتها الخوف من الاختلاف، من التواصل، من الجسور القائمة، الخوف من كل شئ يحيط بها. كيف تتغلب على خوفها؟ بجدران الشك من النوايا، إنها نوايا سيئة لآخر هو عدوي الملعون.

هذا الخوف من الآخر يدخل حتى في الشك من النوايا المبطنة والتي لا يعلمها إلا الله، ولكنها في زمن الخوف وغاباته يعلمها الآخرون أيضا وهي نوايا دائما ما تكون شريرة وباطلة، (النوايا المبطنة غير الصادقة لدولة القانون سبب رئيسي لتوقف مباحثات العراقية معهم)، عضو ائتلاف العراقية عالية نصيف.

يبتكر جورج اورويل كلمة تصبح جزءا من المفردات العلمية الحديثة وهي (التفكير المزدوج) ويقصد بها القدرة على الإمساك بمعتقدين متناقضين في عقل المرء في وقت واحد والقبول بكليهما وهذا التفكير المزدوج معشش في نفوس المقموعين حتى وان بدا بعضهم في أعلى مراتب السلطة.

وفي (الخوف من الحرية) لايريك فروم هناك تعريف لسيبون ويل يقول: (السلطة هي القدرة على تحويل الكائن الحي الى جثمان ومن ثم الى شيء).

ويقول احمد عباس صالح في كتابه (اليمين واليسار في الإسلام): (حين يحكم السيف تضيع الكرامة ويستسلم الناس ويستدعون من أنفسهم كل الكوامن الخبيثة ليعايشوا السلطة القاهرة بأسلحة من طباعها، وحين ينتصر الباطل في افضح صوره في موقعة اثر موقعة ويكتسح الحكم الإرهابي أمامه كل العقبات يحدث ما يشبه الوباء العام وتصبح غالبية الناس جبناء ونهّازين وقتلة ومجرمين)، أليس هذا ما حدث بعد العام 2003 وما يحدث الآن؟

انه خوف متعادل يعيد إنتاج آليات القمع والإقصاء والتهميش للآخر، العدو المفترض للانا الخائفة، خوف أنتج في مرحلة الدكتاتورية الأعظم وشايات الأزواج فيما بينهم ووشايات الآباء والأبناء على بعضهم والجائزة درجة حزبية متقدمة أو ترقية وظيفية او نوط شجاعة تعلق على صدر العراقي الواشي بأصابع الدكتاتور الخائف حتى من اقرب المقربين إليه، خائف يلجأ الى خائف آخر ولا تطمين لمشاعر الخوف، فالجميع خائفون مرتجفون رعبا في غابة الخوف العراقي.

يمتد في زمن الأبناء للأبوة الظالمة الى ثقافة المخبر السري وأدواته الآن أصبحت مكالمة عبر أجهزة الاتصال لثأر مبيت أو حسد موقع وظيفي أو حقد بغيض والمخبر السري في معظم الأحيان لا ينال مكافأة كما الحال في السابق..

هل نحتاج الى نوستراداموس كي يتنبأ لنا بشكل المسخ السياسي الجديد الذي ستشكله تلك الكتل والقوائم التي تخرجت من مدرسة الدكتاتور الأعظم وتربت على نهجه السياسي معارضة وسلطة؟...

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/آب/2010 - 12/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م