الآخر بوصفه عدو أبدي... صور وأنماط ثقافية

 

شبكة النبأ: احتلت مسألة الصورة الذهنية الوطنية (National Image) لأمة ما في وسائل إعــــلام أمة أخرى، مكانة مرموقة في البحوث والدراسات التي أنجزت خــلال العقود الأربعة الماضية، في إطار النقاشات المتعلقة بالاتصال الدولي والعولمة الثقافية. وقد تركز معظم الاهتمام على دراسة موضوع الصورة النمطية (Stereotype)، وتأثيراتها المحتملة في العلاقات السياسية والثقافية بين الدول. واستندت البحوث والنقاشات المتعلقة بالصور الذهنية إلى افتراض أن نقل وسائل الاتصال لهذه الصور، بشكل منهجي ومنتظم، سيؤدي في نهاية المطاف، إلى تشكيل رأي عام مساند أو معاد نحو الأمم التي ترتبط بها الصور المنقولة، وبالتالي إلى التأثير في صنع السياسات الخارجية نحو تلك الأمم. ومن هنا فإن موضوع صور الأمم الأجنبية في وسائل الإعلام، بات يشكل مبعث اهتمام للكثير من الدول، خاصة النامية منها، حيث بذلت الجهود البحثية لتحليل تلك الصور، والتعرف إلى محدداتها، ومحاولة وضع الاستراتيجيات الإعلامية للتعامل معها. 

خلفيه تاريخية

كـان موضوع تغطية وسائــل الإعلام الأمريكيـة للشرق الأوسـط لسنوات كثيرة، مبعثاً للاهتمام في النــقاشات التي جرت وتجري في الأوسـاط الأكاديمية والصحفية والعربيـة في الولايــات المتحــدة والعالم العربي. وقبـل حرب حزيران عـام 1967، لاحظ الباحـثون أن اهتمـام وسائل الإعلام الأمريكيـة بالشرق الأوسط كـان نادراً. ويرى أحد الباحثين وهو وولف  أنه خلال تلك الفترة، كانت المقالات الصحفية حول الشرق الأوسط قليلــة الظهور، وغالبــاً ما كان محتواها يتعلق بالأخبــار السلبية، كالحروب والفوضى السياسيـة والكوارث الطبيعيـة. وقد كانت تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للحوادث الشـرق أوسطية في تلك الفترة، بؤرة نقـاش في عدد من البحـوث، التي أكـدت نتائجهـا بشكل لا يقبل الشـك، صحـة الاتهـامات المطروحة آنذاك، حول نقل تلك الوسائل لصورة سلبيـة للعرب، وأخرى إيجابية لإسرائيل.  وقد حدا التصوير السلبي للعرب في وسائل الإعلام الأمريكية بالصحفي المعروف Nicholas Von Hoffman أن يلاحظ " بأنه لم يتم الحط من منزلة فئة دينية أو ثقافية أو قومية، بشكل منهجي وشامل، مثلما حدث بالنسبة للعرب.

ويرى معظم الباحثين أن سنة 1967 كانت نقطة تحول هامة، فيما بتعلق بالنقاشات حول تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للشرق الأوسط في الدوائر الأكاديمية والصحفية على الساحة الأمريكية.

ويلاحظ وولف أن حرب حزيران 1967 قد فتحت المجال أمام تغطية أوسع للشرق الأوسط، خاصة بعد أن تحولت المنطقة إلى بؤرة للاهتمامات والجهود الدبلوماسية الأمريكية الرامية إلى وضع حل للصراع العربي الإسرائيلي بالطرق السلمية. وقد قادت تلك الحرب إلى بروز اهتمام أكبر لدى الباحثين الأمريكيين بالمنطقة العربية، وبدور وسائل الإعلام الأمريكية في التأثير في أنماط العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة والعالم العربي.

وفيما شكلت حرب 1967 بداية توسع الاهتمام الأكاديمي والصحفي الأمريكي بالعالم العربي، أظهرت حرب تشرين لعام 1973 بداية تحول في مضامين ذلك الاهتمام واتجاهاته وأطرافه. وتواصلت الاتجاهات الإيجابية في الصحافة الأمريكية نحو العرب خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى وخلال عملية السلام التي رعتها الولايات المتحدة بين العرب والإسرائيليين في التسعينات. غير أن أحداث 11 سبتمبر 2001 وما تبعها من "الحرب على الإرهاب" قد وضع صورة العرب والمسلمين في أسوأ حالاتها على الإطلاق.

محددات تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للشرق الأوسط

يشير العرض التاريخي الموجز لتغطية وسائل الإعلام الأمريكية للشرق الأوسط إلى أن حجم واتجاه تلك التغطية قد ارتبط بتغيرات الواقع العسكري والسياسي في المنطقة، وبدرجة ارتباط الولايات المتحدة بتلك التغيرات. فالمراقب لاتجاهات التغيير في أنماط وحجم تغطية أخبار الشرق الأوسط يرى أن اهتمام وسائل الإعلام بالمنطقة، بدأ يتبلور بعد حزيران 1967، وتطور أثر حرب عام 1973، وما صحبها من جهود سلمية برعاية الولايات المتحدة، وازداد واقعية بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، إلى أن وصل إلى مرحلة ذات درجة عالية من النضوج منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية، وإطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط برعاية إدارة الرئيس الأمريكي السابق كلينتون ليعود للتدهور في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 والحرب على العراق في أبريل 2003. وبشكل عام فإنه يمكن تصنيف المنطلقات التي استخدمها الباحثون في مقاربة صورة العرب والمسلمين في الإعلام الأمريكي إلى ثلاث فئات: منظور السياسة المحلية والدولية، والمنظور الثقافي، والمنظور التنظيمي – المؤسسي.

1) منظور السياسة المحلية والدولية (Domestic & International Politics Perspective)  

يرى الجانب المتعلق بالسياسة المحلية من هذا المنظور أن وسائل الإعلام هي طرف من مجموعة أطراف ذات مصالح وأهداف، تتفاعل مع بعضها بعضاً، وتؤثر في بعضها البعض على الساحة المحلية، أما الجانب المتعلق بالسياسة الدولية، فيرى أن وسائل الإعلام هي جزء من النظام السياسي الذي تعمل في إطاره، وبالتالي فهي تعكس توجهات وسياسات ذلك النظام نحو الكيانات الأخرى.  واستندت معظم الآراء المطروحة في إطار منظور السياسة المحلية حول موضوع تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للشرق الأوسط إلى افتراض أن الصحافة الأمريكية تتأثر في نقلها لأخبار الشرق الأوسط بمصالح الأطراف العاملة على ساحة السياسة المحلية الأمريكية، من مؤسسات وأفراد ومجموعات ضاغطة.

إن الفكرة التي طرحها Spears، والمتمثلة في رؤية المضامين الإعلامية المتحيزة على أنها نتيجة لنفوذ متعمد، يؤثر في العملية السياسية والصحفية والرأي العام الأمريكي، تمثل أساساً لمنظور السياسة المحلية. وقد كان الباحث الأمريكي اليهودي Lilienthal أول من وظف هذا المنظور في كتاباته، حيث رأى أن النفوذ في وسائل الإعلام الأمريكية، هو عملية متعمدة، وتتم بطريقة منهجية. ففي أحد بواكير أعماله، ضرب Lilienthal أمثلة واقعية على تحيز وسائل الإعلام ضد العرب، وعزاها إلى "الصور النمطية، وإلى خوف الصحفيين الأمريكيين من أن يوصموا باللاسامية". ويرى أصحاب هذا المنظور أن الضغوط الهيكلية التي يتعرض لها الصحفيون الأمريكيون قد بلغت ذروتها ببروز حالة ما يسمى "بالسيطرة الفكرية الباطنة" التي يتم من خلالها تحديد إطار، وحتى مضمون نقاش القضايا في المجتمع، وفقاً للقيم والعقائد السائدة.

ويرتبط منظور السياسة المحلية بفكرة أن التغطية غير المتوازنة للشرق الأوسط في وسائل الإعلام الأمريكية هي نتيجة لتقصير إعلامي عربي على الساحة الأمريكية، مما أفسح المجال أمام الفئات الأخرى، أن تمارس نشاطاتها بيسر، ودون منافسة. وتدل المعلومات المتوافرة حول النشاطات الإعلامية العربية في الولايات المتحدة إلى عدم فاعلية هذه النشاطات خلال الستينات. ويلاحظ مايكل سليمان، وهو باحث أمريكي من أصل عربي، أن برامج الإعلام العربية في الولايات المتحدة غير كافية، وتفتقر إلى إحساس واضح بالأهداف.

ويرتبط هذا المنظور أيضاً بحجم التأثير السياسي للأمريكيين العرب على الساحة الأمريكية . وقد رأى جبارة أن نفوذ الأمريكيين العرب بدأ يتنامى بعد حرب عام 1967، التي كانت الحافز الرئيسي الذي دفع الأمريكيين العرب لتنظيم أنفسهم بشكل جيد، حيث كانت المؤتمرات والاجتماعات السنوية لرابطة خريجي الجامعات من الأمريكيين العرب (AAUG) منابر دعمت هذه التوجهات. وفي منتصف السبعينات، تم تشكيل الرابطة القومية للأمريكيين العرب (NAAA) لزيادة مساهمة العرب في الحياة الأمريكية العامة. وفي عام 1980، أنشأت اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز (ADC) وما زالت تلعب دوراً هاماً في دعم القضايا العربية في الولايات المتحدة.

2) المنظور الثقافي (Cultural Perspective)  

يستند هذا المنظور إلى فكرة أن حالات التحيز والتشويه التي نراها في تغطية وسائل الإعلام الغربية للشرق الأوسط تعزى إلى التباين التاريخي القائم بين القيم الثقافية السائدة في الغرب بشكل عام، وتلك السائدة في العالم العربي. وقد أدى هذا التباين، وفقاً  لهذا المنظور، إلى قيام الصحفيين الأمريكيين بمعالجة قضايا وحوادث منطقة الشرق الأوسط استناداً إلى قيمهم واتجاهاتهم، دون إعارة اهتمام كاف للقيم والاتجاهات السائدة في العالم العربي. ويرى فارس، وهو أحد الباحثين العرب أن أصول النفور الثقافي بين العالمين العربي والإسلامي تعود إلى الشكوك المتبادلة النابعة من الصراع الطويل بين أتباع الإسلام والمسيحية، والتقاليد التبشيرية إضافة إلى أعمال المستشرقين، التي لم تبد الإكتراث الكافي بالعالم الإسلامي، حيث ركزت على نقاط الضعف فيه.

وقد حظي المنظور الثقافي لتفسير تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للشرق الأوسط باهتمام متزايد منذ بداية السبعينات، مع ازدياد حدة المناظر والنقاش حول الموضوع، ويعود الفضل في تطوير هذا المنظور إلى إدوارد سعيد، أستاذ الأدب في جامعة كولومبيا،ن حيث رأى أن تشويه الصورة العربية في الإعلام الأمريكي يرجع إلى تاريخ طويل من النفور الثقافي بين الغرب والإسلام، ويلاحظ سعيد أن الغرب، ولفترة طويلة كان يحمل مجموعة معقدة من الصور النمطية التحاملية حول المسلمين والعرب، حيث كان ينظر للأخيرين على أنهما وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن التمييز بينهما. ويرى سعيد أيضاً أن طبيعة الاتصالات التي تمت بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي، غالباً ما تميزت بالمواجهة والتحدي. ويعلق سعيد على العوامل الثقافية بقوله:

"على خلاف الثقافات الأخرى، ظل الإسلام منافساً جغرافياً وروحياً للغرب المسيحي، وأكثر من ذلك، فإن الإسلام والعرب لم يخضعوا أبداً لسيطرة الغرب، فلم يكن الإسلام البتة مصدر ثقافة جذابة للغرب ليتبنّوه ... فهناك مقاومة عضوية في الإسلام، وهناك كونية عنيدة، وقفت أمام كل الجهود الغربية الماضية والحاضرة لتدجينه، والسيطرة عليه وإضعافه، وإسكات صوته).

ويشارك الصحفي الأمريكي المعروف John Cooley في تأكيده على دور التباين الثقافي في التأثير في معالجة وسائل الإعلام الأمريكية لقضايا وحوادث الشرق الأوسط، حيث يرى وجود وعي باطني جماعي مناهض للعرب والاسلام لدى الأمريكيين، تشكل عبر الأجيال، قبل ظهور التلفزيون والأفلام، عن طريق الأدب الأمريكي الشعبي وغيره.

وقد استخدم المنظور الثقافي في تفسير المضامين الإعلامية الأمريكية المتعلقة بالشرق الأوسط من قبل عدد آخر من الباحثين، الذين حاولوا رصد مظاهر التحيز الثقافي في الأدب والمناهج الدراسية في الولايات المتحدة، وقد أظهرت أعمال قام بها كل من سري ناصر ومايكل سليمان) وإياد القزاز  وباحثون أجانب مثل Terry و Berry وGriswold وجود سياق ثقافي متحيز، اعتمد عليه أغلب الأمريكيين في تشكيل صورهم الذهنية، غير الدقيقة حول الشرق الأوسط.

(3) المنظور التنظيمي – المؤسسي   

 (Institutional – Organizational Perspective) 

يستند هذا المنظور إلى  فكرة أن المضامين الإعلامية ما هي الا نتيجية لممارسات وقوانين وأحكام وقيم العمل الصحفي السائدة في المجتمع، وإنه لكي نفهم خروج هذه المضامين بالشكل الذي هي عليه، لا بد من دراسة الجوانب المهنية والشخصية للصحفيين، ومواردهم المتاحة، وتفاعلهم مع زملائهم في العمل، وعلاقتهم برؤسائهم.

ورغم أن المنظور المؤسسي لتفسير تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للشرق الأوسط لم يستخدم بشكل كاف في البحوث والدراسات المتعلقة بهذا الموضوع، فإنه تم توظيف عدة جوانب هامة منه، ومن المحاولات الهامة في هذا المجال، ما أجراه الإعلامي والأكاديمي الأمريكي اللبناني الأصل أدموند غريب، من مقابلات متعمقة مع عدد من نخبة الصحفيين الأمريكيين، حيث برزت أهمية القيم المهنية والموارد المتاحة، كعناصر مؤسسية تؤثر في شكل ومضمون التغطية الإخبارية وفي دراسة مسحية أخرى أجراها  Sreebny  على عينة من الصحفيين الأمريكيين المكلفين بتغطية أخبار الشرق الأوسط  تبين أن معظمهم شكى من ضيق الوقت والمساحة المكرسين للأخبار الدولية في وسائل إعلامهم، ومن صعوبة الوصول إلى المسؤولين، خاصة في البلاد العربية، للحصول على المعلومات الاخبارية .

وفي تقييمه للصور النمطية العربية السائدة في الأفلام الأمريكية، برر جاك شاهين استمرار هذه الصورة ببساطه بسبب "كون عدد قليل جداً من الأمريكيين العرب يعملون ضمن المجموعة المبدعة في هوليوود، حيث يتم كتابة وإنتاج البرامج المختلفة"، وقد لاحظ أحد كبار المدراء التنفيذيين في التلفزيون الأمريكي أنه يتم استخدام الصور النمطية العربية في الإعلام الأمريكي لأنها تخدم الأهداف التجارية لشبكات التلفزيون الأمريكي، حيث تجذب أعداداً هائلة من أفراد الجمهور بشكل يماثل انجذابهم لمشاهد بطيئة من الجنس والعنف.

ثقافـة الأفكـار النمطية

تقوم مصادر التثقيف والتوجيه الإعلامي في أي مجتمع بوظيفة أساسية هي صنع وتشكيل الصور الذهنية لأفراد المجتمع وفق نهج معين، والترويج له وترسيخه في الأذهان، وتساهم بذات الوقت في تشكيل صورة نمطية عن الاخرين بين افراد المجتمع ذاته، ولثقافة النمطية صور وافكار ، فالصور تعني التصورات العقلية الشائعة بين أفراد جماعة معينة تجاه شخصية أو مجتمع أو شعب أو معتقد أو غير ذلك، وعندما تتكرر هذه الصور الذهنية تترسخ في أذهان الناس وتصبح صوراً يغلب عليها الجمود، وتنطوي على أوصاف ثابتة تتسم في معظم الأحيان بالتبسيط والتسطيح المفرط والتعميم الواسع  والتهميش المتدني.  أما الأفكارُ النمطية فهي الصيّغ التي تجري اشاعتها بين الناسِ بحيث يرددها كثيرون  ويقبلون بها دون فحصها وتمحيصها ، وهي ظاهرةٌ إنسانيةٌ توجد (بدرجات مختلفة) في كل المجتمعات ، لكنها ظاهرة سلبية.

 لقد ادى الاعلام دورياً محورياً في ارساء دعائم الثقافة النمطية في الغرب تجاه الشرق ، لاسيما السينما  فصورة العربي مثلا على الشاشة الهوليوودية  لن تخرج في احسن الاحوال عن صورة أعرابي من البدو الرحل وبجواره ناقة وخيمة ومن حوله الصحراء ، أو صورة العربي المنغمس في اللهو والملذات والمجون وتعاطي الخمر، أو صورة العربي الذي لا يمت بصلة للحضارة وآداب السلوك ومعاملة الآخرين، او حتى آداب الطعام والنظافة، أو صورة المسلم  المتشدد الذي يسوق خلفه زمرة من الحريم المتشحات بالسواد، أو صورة العربي الأبله المندهش أو المنبهر دائماً بالحضارة الغربية، ناهيك عن صورة الإرهابي المجرم مفجر المباني وقاتل الأبرياء.

المهم ان تظهر الصورة لتثبت  إن العرب قوم سوء بكل ما تعنيه هذه الكلمة من إيحاءات سلبية. والهدف في النهاية فيما يقدمه الاعلام الغربي من فنون وإبداعات، إن تبقى صورة العرب والمسلمين ألاشرار والمتخلفين راسخة في ذهن المشاهد.

صورة العدو

صورة العدو هى تمثيل للعدو ويمكن تعريفها بأنها صورة مشتركة بين أعضاء جماعة معينة تجاه العدو تتسم بنزع الطابع الإنسانى عن هذا الآخر، ونوع من التنميط القائم على الاختزال والتضخيم والتحيز والتعميم، وعادة ما تشتق من مزيج من أفعال وتصرفات هذا العدو و إدراكات المتلقى، وهو ما يضفى خليطاً من الدقة في بعض الجوانب والتحيز في جوانب أخرى على مثل هذه الصور. صورة العدو لا تقوم فقط على وجود مشاعر الكراهية بل تتعداها إلى شعور بالتهديد أو احتمال التعرض لاعتداء أو عنف وتقوم صورة العدو على وجود جماعة ذات هوية تهددها جماعة أخرى خارجة عنها فصورة العدو مختلفة عن العداء أو العنف بين أفراد الجماعة ويوجد عادة نزعة لتحقيق الانسجام بين صفات العدو الجسدية وصفاته النفسية بحيث لا يمكن فصلهما عن بعضها. وبالتالي يكون ما هو طبيعي وما هو أخلاقي عنصرين متآلفين لا يقبلان الانفصال. وبالتالي يكون بمقدور الفرد محاربة عدوه بطريقة أوضح عن العدو العقيدي فقط المماثل طبيعياً لا سيما العدو العقيدي من داخل الجماعة.

يمكن إعتبار صناعة صورة العدو جزءا من علم النفس السياسي نظرا للدور الذي تلعبه صياغة هذه الصورة من قبل أجهزة الاعلام والاستخبارات في تماسك الجماعات ضد التحدي الخارجي ودورها في تفكك الدعم لهذا العدو

نموذج صورة العدو

يمثل العدو نموذجاً خاصاً "للآخر" فكل عدو هو "آخر" لكن ليس كل "آخر" هو عدو ويرتبط بذات السياق مصطلح "صورة أو صور العدو" الأكثر تعلقاً بدراسات الحرب والصراع أو الدعاية الدولية. ويشير مصطلح " صورة العدو" إلى الصور المشتركة والنمطية والغير إنسانية عادة للجماعات الخارجية. أن مفهوم "العدو" يمثل خطوة أبعد في تعريف الهوية فصورة العدو" توفر ملامح الخصم أو العدو العسكري من منظور أشخاص أو الدعاية العسكرية. " والآخر" يساعد في تعريف الهوية بتحديد ما يتم استبعاده كآخر" وفي المقابل فإن " العدو" يوضح جوهر الصراع بين الجماعة/ الفرد والآخرين الأعداء، أي يتجاوز تحديد من هو العدو و ماهيته وطبيعته إلى تحديد سبب كونه عدواً. حيث تحقق صورة الآخر الحاجة البشرية إلى الكشف عن الهوية عبر الاحتكاك بالآخر وهى حاجة قديمة ومتشعبة التعبير، لكن ما يجمعها هو سلبيتها وتطرفها إزاء سلوك الجماعات الخارجية.

يرى فيلهو هارلي أن فكرة العدو تنبع نفسياً من قيام الجماعة بتحديد شرها بنسبته إلى "أنتم" أو "الآخرين" ومن ثم يصبح أنتم "الآخر" هم العدو  ومن ثم الناحية الاجتماعية فإن العدو نتاج مشترك يتشكل اجتماعياً منا جميعاً معاً، فالعدو عادة ليس ظاهرة فردية ينجزها شخص واحد بمفرده.

ثقافياً، تتشكل الذات والآخر في إطار التقاليد المتداولة عبر المواريث من جيل إلى آخر، وهي بطبيعتها لا تعبر عن حقيقة مطلقة أو موضوعية ويري جيمس أهو إمكانية تلمس مصدر العدو في الأفكار الدينية ويميز في هذا الإطار بين فئتين:

وظائف صورة العدو

كمصدر لإضفاء الشرعية على السياسة أو السلوك تجاهه: فصورة الآخر تعبر غالباً عن موازين قوى وعلاقات تراتبية وأحياناً نزاعية. ومن ثم غالباً ما تعبر صورة المهيمن والأقوى والأعلى تجاه الآخر عن الشعور بالتفوق عليه وعلى الإزدراء والتحقير بل والكراهية إزاءه. فالآخر يكون متوحشاً ومن البرابرة بدائياً وكافراً ومتخلفاً. وتغذى مكونات هذه الصورة وترعاها القوى الاجتماعية المختلفة والطبقات وجماعات المصالح التى تجد فيها تبريراً لمصالحها المادية، وللسياسة التى تتوخاها مع هذا الآخر واستغلاله أو الهيمنة عليه أو حتى تدميره.

فصورة الآخر تفيد في تنظيم الخصومة وإضفاء الشرعية عليها. ويظهر ذلك حتى على مستوى أكثر التركيبات الاجتماعية طبيعته وبساطة أى القبيلة حيث يكون الآخر فيها مكوناً من مكوناتها البنيوية على رغم شدة حركيته.

فيقول المثل البدوى: أنا ضد أخى، أنا وأخى ضد ابن عمى، أنا وأخى وابن عمى على الغريب. فهذا الغريب متحرك بدوره تبعاً للهدف الكامن خلف تحديده.

مواجهة أزمات المجتمع: تركز العديد من الدراسات على الحاجة إلى العدو في المجتمعات المأزومة بوصفه يمتلك حلول الأزمة وهى مقولة قابلة للجدال حيث أن العدو قد يكون مصدراً لتأجيل تصعيد الأزمات أو حتى تسويتها لكن يصعب تصور أن يساهم العدو في حل الأزمة خاصة إذا كان مختلفاً لصرف الانتباه عن الأسباب الحقيقية للأزمات. لا يمنع هذا التحفظ من التعرض لقضية توظيف العدو لمواجهة أزمات المجتمع حيث عادة يتم تأجيل البحث عن حل داخلي للأزمة وتلجأ بعض القوى السياسية – وغالباً ما تكون السلطة السياسية نفسها – إلى إعطاء المجموعة عدواً خارجياً أو مختلفاً عن المجموعة.

مواجهة الأزمات الاقتصادية وأزمات التهميش: حيث يساعد الآخر العدو في إيجاد كبش فداء لتفسير تردى الأحوال الاقتصادية ، سواء كان هذا الآخر دولة أخرى (مثل صورة العرب كعدو اقتصادى لدى الرأي العام الغربى بعد الحظر النفطى في 1973) أو كان الآخر داخل حدود نفس الدولة (مثل صورة المهاجرين العرب كمصدر لمشاكل البطالة في الدول الغربية).

تحييد الصراع الطبقى بتمكين المضطهد من التماثل مع سيده دون أن يتحمل هذا الأخير تكاليف باهظة. وفى حالة كون الآخر العدو يعيش في نفس المجتمع فإنه يوفر فرصة للبروليتاري في العثور على "بروليتاري رث" أدنى منه مرتبة فيرتقى الأول في سلم المراتب الاجتماعية دون أن يكلفه ذلك شيئاً كبيراً.

مواجهة الأزمات السياسية والعقيدية الأيديولوجية: يخلق العدو توحداً للجبهة السياسية الداخلية في مواجهة خطر العدو الذى يهدد الوجود. وعادة ما يتم إضفاء سمات عقيدية عدائية على الآخر في هذه الحالة حيث تنطلق تصرفات هذا الآخر من عقيدة تتسم بقدر كبير من الثبات والاستقرار وليس من مجرد أبعاد مصلحية ..

ربط العدو بالتهديد الدائم وهو ما يؤدي إلى تضخيم صورة العدو لأنه لا وجود لعدو إلا وكان قوياً.

ويفسر ذلك جزئياً تصدر ما يسمى "الإرهاب العربي" قائمة المخاوف المواجهة للمجتمعات المتحضرة، وكذلك التصعيد من خطر بلدان كالعراق، سوريا، ليبيا وغيره على الأمن العالمي. وكذلك تحول قضية الهجرة العربية إلى الخطر الرئيسي المهدد للسلم المدني والتوازنات الاقتصادية والاجتماعية والهوية في بعض البلدان الأوربية.

أنواع صور العدو

تتعدد أنواع العدو بحسب الصفات والسمات التي يتمتع بها هذا العدو أو التي يتم إضفاؤها عليه عبر عمليات الإدراك، وبحسب طبيعة التهديد الذي يمثله هذا العدو، ويميز البعض في هذا الإطار بين العدو الرمزي ، والعدو الشريف أو الجدير ، والعدو الحاجز أو المانع ، وعدو الإله والعدو المهاجم أو المعتدي ، والعدو المستبد /الخائن، والعدو الخفي من الداخل أو ذلك على النحو التالي :

العدو الرمزي

العدو الحاجز أو المانع

العدو الكفء أو الجدير

عدو الإله (الحرب المقدسة)

العدو مصدر التهديد (الحرب الدفاعية)

العدو القمعي (حروب التحرر أو الثورات)

العدو الداخلي الخفي

آليات عملية العداء

استطلاع مركز غالوب

كيف ينظر الغرب إلى العرب والمسلمين؟ وكيف ينظر العرب والمسلمون إليه؟ استطلاع للرأي أجراه مركز غالوب يكشف طبيعة العلاقة بين الجانبين كما تراها شعوبهما.نجوى قاسم: مساء الخير وأهلاً بكم إلى بانوراما لهذه الليلة، العنوان الذي سمعناه سوياً هو الذي سنناقشه خلال كل هذه الحلقة، لكن نبدأ مع موجز الأخبار.

[موجز الأنباء] نجوى قاسم: أهلاً بكم من جديد، هوة من عدم الثقة تفصل على ما يبدو بين عالمين يحملان مسميات مختلفة ولكن بنفس المعنى، عالم الشرق وعالم الغرب العالم الإسلامي والعالم المسيحي الشمال والجنوب هي تسمية تعكس علاقة مرتبكة بين عالمين تفاقمت بينهما هذه العلاقة منذ الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 كما لم يسبق من قبل. استطلاع للرأي أجراه مركز غالوب ربما أثبت لمرة أخرى وجود هذه الفجوة في علاقة الغرب بصورة عامة والمجتمع الأميركي بصورة خاصة مع العالمين العربي والإسلامي وبالعكس.

فبعد استطلاع الآراء في 130 دولة بينها 40 دولة مسلمة خلصت الدراسة إلى أن الجزء الأكبر من الغربيين لا سيما الأميركيين يجهل الكثير عن المسلمين، بينما قال معظم المسلمين ممن أدلوا برأيهم أن الغرب وخاصةً الولايات المتحدة لا يحترم الإسلام.

 بالسؤال عما يكنه غير المسلمين من الأميركيين والمسلمين حول العالم من مشاعر تجاه بعضهم البعض، اعترف 39% من الأميركيين بشعورهم بنوع من السلبية إزاء المسلمين، واعتقادهم بضرورة تشديد الإجراءات الأمنية عليهم تفادياً لحصول أي هجمات إرهابية على بلادهم.

فيما عبّرت شريحة واسعة من المسلمين المشاركين في الاستطلاع عن شعورها السلبي تجاه الولايات المتحدة، حيث أعرب 79% من السعوديين و65% من الأردنيين إضافةً إلى 63% من الإيرانيين و65% من الباكستانيين عن نظرتهم السلبية تجاه أميركا التي اتهموها بمحاولة تغيير القيم الإسلامية والأنظمة السياسية للدول العربية والمسلمة.

غير أن الاستطلاع أشار إلى أن هذه المشاعر السلبية ليست أمراً يرتاح إليه معظم الأميركيين والمسلمين وإن تفاوتت نسب اهتمامهم بالأمر، حيث عبر 11% من الأميركيين عن رغبتهم الشديدة في تحسين العلاقات مع المسلمين، بينما أشار 18% من السعوديين و20% من المصريين و20%من الأندونيسيين و36% من المغربيين إلى اهتمامهم الشديد بتحسين العلاقات بين المسلمين والأميركيين، فيما عبرت شريحة كبيرة من المسلمين في جميع البلاد الإسلامية باستثناء تركيا وبنغلادش عن اهتمامها النسبي بتحسّن علاقات بلادها مع الولايات المتحدة. ويشير استطلاع غالوب إلى أن غالبية المسلمين الذين تم استطلاع آرائهم ورغم مشاعرهم السلبية تجاه السياسة الأميركية فهم يكنون الإعجاب للعديد من جوانب الحياة الأميركية أولها التقدم العلمي والتكنولوجي، يتبعه نظام القيم والحريات المعمول به في البلاد، إضافةً إلى حكم القانون وحرية الاختيار التي تتيحها، وعدالة نظامها السياسي ومساواتها بين مواطنيها ذكوراً وإناثاً. كما أعربت الغالبية في أي من الدول المسلمة المستطلعة عن تقديرها الكبير لحرية التعبير التي يتسم بها المجتمع الأميركي وهو الأمر الذي عبّر الأميركيون أنفسهم عن تقديرهم الكبير له.

من جهة أخرى عبر 68% من الأميركيين عن اهتمامهم الشديد بديانتهم، شاركهم في ذلك عدد كبير من المسلمين المشاركين في الاستطلاع منهم 74% من الإيرانيين و98% في كل من السعودية ومصر، ما يشير بحسب نتائج استطلاع غالوب إلى تقدير كل من الأميركيين والمسلمين للقيم نفسها تقريباً، وينفي وجود هوة يصعب تخطيها بين المسلمين والغرب.

يقول د. محمود المسيري, إمام ومدير المركز الإسلامي في مدريد: (تشهد وسائل الإعلام الغربية, منذ عدة سنوات, حملات واسعة لتشويه صورتنا الثقافية والدينية أمام الرأي العام في بلدانها, وفي العالم كله, مستخدمة وسائل متعددة لتزييف الحقيقة من التحيز والمبالغة, إلى السطحية والتكرار, لتحفر في الأذهانِ صورةً مشوهةً عن الثقافة العربية والإسلامية. وتكون النتيجة شحذ مشاعر الكراهية والخوف بدرجة تحجب أي صوتٍ عاقل, أو خطابٍ منطقي يهدف إلى بيان الحقيقةِ المجردة).

ويقول د.جمال شقرة, أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر: (امتلأت وسائل إعلام أمريكية وأوربية عدة, خلال السنوات القليلة الماضية, بعناوين مثيرة مثل: (القنبلة الإسلامية قادمة, الحرب الإسلامية ضد الحداثة, الحروب الصليبية مازالت مستمرة, الهلال الجديد في أزمة). ولاحظ جون اسبوسيتو -مدير مركز التفاهم الإسلامي / المسيحي بجامعة جورج تاون بالولايات المتحدة الأمريكية - أن هذه العناوين جذبت الاهتمام, وشوهت الحقائق حول العالم الإسلامي وعلاقاته المتنوعة مع الغرب, من ناحية, ومن ناحية أخرى, كرست تلك العناوين (درجة الجهل المذهل بالعرب والإسلام.. لدرجة أن عديدًا من الناس في دولِ الغرب, لديهم مسلمة بديهية, وهي أن العرب ما هُم إلا بدو, أو أثرياء نفط يسكنون الصحراء, أو الحرملك. وأن العربي انفعاليٌ, مقاتلٌ, ولا يُخْضع تصرفاته للعقل.. وغالبًا ما يتم مساواة الإسلام بالحرب المقدسة والكراهية والتعصب, والعنف, وعدم التسامح, واضطهاد النساء), لذلك انتقد اسبوسيتو بشدة (أساليب الإثارة التي اتبعتها الصحف الغربية في معالجتها لقضايا الإسلام والحضارة الإسلامية, كما سدد سهام نقده العنيف للدراسات الأكاديمية التي نهجت نفس النهج, ولجأت إلى معالجة العلاقات بين الإسلام والغرب بصورة انتقائية, تفتقد الموضوعية, وتستقي مادتها العلمية من افتتاحيات الصحفِ والمقالات والتعليقات المعادية للإسلام والمسلمين).

ويقول د. أحمد البوهي - نائب رئيس منظمة الثقافة الإسلامية في الولايات المتحدة: (شهد المجتمع الأمريكي, أخيرًا, حملات مكثفة, هدفها التهجم على الإسلام, منها كتاب فرانكلين جراهام الجديد عن الإسلام, الذي ظهر منه بجلاءٍ شديدٍ, تحيزُ المؤلف ضد الإسلام وجهله بتعاليمه, وهو يتصدى للكتابة عن هذا الموضوع, فقد امتلأت صفحات الكتاب بالأخطاء العلمية والتاريخية, فقد اتهم الإسلام بأنه دين لا يعرف التسامح, وأنه يُغذي أتباعه بحب الانتقام).

كما قدمت قنوات التلفزيون الأمريكي عددًا من البرامج التي هاجمت الإسلام, من أمثلة ذلك, البرنامج اليومي (أورالي فاكتور), الذي دأب على استضافةِ بعض الأساتذة والمحللين من أعداء الإسلام, يزعمون تخصصهم في الفكر الإسلامي. وعلى مدى حلقات هذا البرنامج, يتناول هؤلاء الضيوفُ بعض المصطلحات الإسلامية, مثل الشهادة والحور العين بأسلوب ساخر ومنفر من العقيدة الإسلامية, ودون إعطاء أي فرصة متكافئة للمسلمين للرد على هذه الاتهامات, وبيان كذبها وجهل أصحابها.

أيضًا, فقد نُشر في أمريكا أخيرًا تقريرٌ بعنوان: (الإسلام الرجعي) أعده جيسون لفنجورد, وفي محاولة مفضوحة لإثارة الرأي العام الغربي والأمريكي ضد المسلمين, قال مُعد التقرير: (إن 80 في المائة من مساجد أمريكا يُسيطر عليها أو يُديرها العرب, ومن ثَمَّ يجب ألا نتوقع من مسلمي أمريكا أن يصونوا عهدًا أو يحفظوا ودًا, وإنما المتوقع من أتباع المدرسة المحمدية هو الغدر والخيانة ونقض العهد).

ومن برلين, يكتب غسان أبو حمد, في أحد مواقع الإنترنت: (من المبالغات الإعلامية, ما توقعه أخيرًا المؤرخ برنارد لويس, بأن (أوروبا ستصبح إسلاميةً, وجزءًا من المغرب العربي, حتى نهاية القرن الحالي).

واستند الخبير الأمريكي, في نظريته الجديدة, إلى التحولات الديمجرافية التي تشهدها القارة الأوربية, مشيرًا إلى الهجرات والنزوح البشري من الشرق العربي باتجاه الغرب الأوربي). وقال برنارد لويس, في حديث خاص لصحيفة (دي فيلت) الألمانية: (إن الأوربيين يتزوجون متأخرين, ولا ينجبون أطفالاً إلا بعدد قليل, بينما يبرز النقيض المعاكس تدريجيًا, والذي يتجلى في حضورٍ تركي كبيرٍ في ألمانيا, وعربي كبيرٍ في فرنسا, وحضورٍ إسلاميٍ باكستاني في إنجلترا, وإن هؤلاء يتزوجون باكرًا, وينجبون أطفالاً بكثرة.. وفي هذا السياق من التطور الحالي, ستتحول أوربا في نهاية القرن الحالي الواحد والعشرين إلى قارةٍ مسلمة, وإلى جزءٍ من المغرب العربي).

 ومرة ثانية نعود إلى د.جمال شقرة, الذي يكتب في النقطة السابقة نفسها: (صناعة الخرافات لإثارة الرعبِ من المسلمين حرفة قديمة), من ذلك ما ذكره الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه (اقبض على اللحظة), من أن الإسلام قوةٌ هائلةٌ, وأن تزايد عدد سكانه والقوة المالية التي يتمتع بها تشكلان تحديًا رئيسيًا للغرب, وأن الغرب مضطرٌ إلى تشكيل حلفٍ جديدٍ مع موسكو, بعد سقوط الاتحاد السوفييتي, لمواجهة عالم إسلامي معادٍ ومعتدٍ. فالإسلام والغرب, حسب تصوره, متناقضان ومتباينان. وردد في هذا الكتاب أن المسلمين ينظرون إلى العالم على أنه منقسمَ إلى معسكرين, لا يمكن التوفيق بينهما: معسكر أو دار الإسلام, ودار الحرب. وأكد نيكسون في هذا الكتاب على ضرورة أن يستعد الغرب للمواجهة الحاسمة مع العالم الإسلامي, الذي يُشكل واحدًا من أعظم التحدياتِ السياسيةِ الخارجيةِ للولايات المتحدة في القرن الواحد والعشرين. والشيء نفسه فعله شارلز كروثامر, عندما كتب في الـ(واشنطن بوست) في 6 فبراير 1990 حول: (هلال الأزمة الجديد).

 وللبحث عن دوافع من يقومون بعملية التشويه لصورتنا في الغرب, ربما يلزمنا أن نلجأ لعينةٍ أخرى من أصوات العرب والمسلمين الذين يعيشون في الغرب, أو من يعانون مما يحدث كأنهم يعيشونه.

يقول د. جمال شقرة, في تفسير سياسي للظاهرة:

(في زمن العولمة, تَبنّى فريقٌ من رجالِ السياسة والفكر والاستراتيجية في الولايات المتحدة, بصفة خاصة, وفي الغرب بصفة عامة, مقولة صراع الحضارات, والخطر الذي يمثله الإسلام على الحضارة الغربية. وحذّروا من الخطر الإسلامي الوشيك الذي يستعد للانقضاض على الغرب وحضارته, إلا أن فريقًا آخر في الغرب - أيضًا - لم تنطل عليه أطروحات هؤلاء, ونظر إلى القول بالتهديد الإسلامي للغرب على أنه أسطورةً تُشبه أسطورة الحرب الباردة التي صنعها الغرب بنفسه).

ويكتب د.جعفر عبدالسلام - الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية: (وصل الأمر إلى حد أن بعض المفكرين في الغرب يرون أن (الصراع بين الإسلام والغرب هو في الأساس (صراع حضاري) بسبب تعاليم الكتاب والسُنَّة لدى المسلمين, فالإسلام كما يصوره هؤلاء المستشرقون, يفرض على أتباعه جهاد غير المسلمين, ورفع السيف لقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

وبذلك طرح العديدُ من المستشرقين والمفكرين الغربيين تنظيرًا غير صادق عن الإسلام من ذلك كتاب (الأصولية الإسلامية), الذي حصل مؤلفه برنارد لويس على جائزة مهمة في الدراسات الاجتماعية. وفي هذا الكتاب يَزعم المؤلف, من بين ما يزعم, أن المسلمين يمثلون تهديدًا ثلاثيًا للحضارة الغربية: سياسيًا وحضاريًا وسُكانيًا. وأن هناك نزاعًا وشيكًا سيقوم بين الغرب والمسلمين, وأن معظم العالم المسلم تسيطر عليه الآن حالة كراهية عامة للغرب, ولأمريكا على وجه الخصوص).

 يقول برنارد لويس في كتابه (أزمة الإسلام: حرب مقدسة وإرهاب غير مقدس): (إن معظم المسلمين ليسوا من الأصوليين, كما أن معظم الأصوليين ليسوا إرهابيين, لكن معظم الإرهابيين في عصرنا مسلمون, ويفخرون بتحديد هويتهم على هذا النحو. ويشكو المسلمون, عن حق, من أن وسائل الإعلام, عندما تتحدث عن الحركات والأفعال الإرهابية تصفها بأنها (إسلامية). ويتساءلون: لماذا لا تصف الإرهابيين الأيرلنديين أو الباسك والإرهاب الذي يمارسونه بأنه (مسيحي).

والجواب بسيط وبديهي: ذلك أنهم لا يصفون أنفسهم بأنهم كذلك. وشكوى المسلمين من ذلك مفهومةٌ ولكنها يجب أن توّجه إلى أولئك الذين يصنعون الأخبار, وليس إلى أولئك الذين ينقلونها).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/آب/2010 - 8/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م