الثناء المتوازن ودوره في إنعاش القدرات والمواهب الفردية

 

شبكة النبأ: من الحاجات النفسية التي غالبا ما يحتاجها الإنسان، حالة الثناء والتشجيع سواء في مجال العمل او التنظير وما شابه، بمعنى أن النشاط الذي يبذله احدهم يبقى بحاجة الى الإشارة والتنويه، أما حالة التغاضي والإهمال فإنها تؤدي الى حالة من القنوط الذي يدف الانسان بدوره الى حالة من الخمول وغياب الابداع والتجدد والرغبة في الانتاج الفكري او العملي.

يقول احد المختصين في هذا المجال: نشعر كثيراً في تربيتنا وتوجيهنا أننا نحتاج لبيان الأخطاء وممارسة الانتقاد، وربما اللوم والعتاب، وقد يتطور الأمر للعقوبة، وكل ذلك - حين يكون في إطاره الطبيعي - ليس مجالاً للنقاش أو الاعتراض. ومنشأ الإشكال إنما هو في اتساع مساحة الانتقاد واللوم على حساب غيره؛ فالنفس تحتاج للثناء والتشجيع، وتحتاج للشعور بالنجاح والإنجاز كما أنها تحتاج للنقد والتسديد.

هذا يعني أننا بحاجة الى حالة دائمة من التقويم والانسان الذي يقدم لنا النصح لابد أن يكون ذا فضل علينا لاسيما اذا كان هدف هذا النصح خال من المآرب او الاهداف المسبقة، لذا قيل في هذا الشأن (من علمني حرفا ملكني حرا) وقيل الكثير في المعلمين والرجال الأفاضل العاملين على تقديم النصح والمشورة من دون مقابل، حيث قال احد الشعراء في المعلم:

قم للمعلم وفّه التبجيلا     كاد المعلم أن يكون رسولا

ومع القيمة العليا للتقويم والنصح وتقديم المشورة فإن تأشير الاخطاء يقع في هذا الباب ايضا، فالشخص الذي ينبهني على أخطائي من دون هدف مبيّت ومن دون أغراض مسبقة لابد أنه يحرص على مكانتي في المجتمع، لهذا فالانسان في العادة يكون محتاجا الى من ينبهه لأخطائه وقد قيل في هذا المجال كلام مأثور عن المصلحين الافاضل (رحم الله من أهدى لنا عيوبنا) أي أن الرحمة من نصيب الانسان الذي يؤشر أخطاء الآخرين بحيادية تامة.

ولكن في بعض الاحيان ربما يتحول الكلام الناصح الى حالة من اللوم والتقريع وهذا تحديدا ما يجعل مثل هذا الكلام حالة معرقلة للانتاج الفكري والعملي وربما للابداع على نحو عام، فالانسان الذي يتم تقريعه ولومه بشكل دائم لابد أن يتعرض لحالة من القنوط تؤدي به الى العزوف عن الانتاج ومواصلة التجدد والابداع، هنا اصبح تأشير الاخطاء والنقد عبءً على الفرد والمجتمع بدلا من ان يكون عامل دفع نحو الابداع.

لهذا يكون الثناء مطلوبا كونه يشكل دافعا للانسان كي ينشط مواهبه ويحركها بالاتجاه الذي يجعل منه انسانا مننتجا في الحياة، بيد أن الثناء نفسه لابد أن يكون متوازنا ولا يوغل في الاسراف لانه سيتحول الى حالة هزء ومزاح غير صحيحة تعود على الانسان المُثْنَى عليه بالضرر قبل الفائدة، وهذا ما نعنيه بالثناء المتوازن، حيث لا اسراف ولا تقتير في هذا الجانب.

وفي هذا المجال يقول احد المختصين: حتى يؤدي الثناء دوره دون إفراط فلا بد من الاعتدال؛ فالمبالغة فيه تُفقده قيمته، وتشعر من يسمعه بأنه ثناء غير صادق ولا جاد.

لكن يبقى (الثناء كاسلوب تربوي) دافعا مهما لتطوير قدرات الانسان ومواهبه، وقد اثبت العلماء المختصون أن الثناء والاطراء على الشخص يماثل منحه كمية من المال كمكافأة غير متوقعة على نجاحه في العمل، فحين تطري الانسان لسبب ما فإنك كما لو تكافئه بمبلغ من المال يزرع الفرحة في نفسه ويدفعه الى الابداع والتطور الدائم، وبخلاف ذلك يحدث العكس تماما، أي أن الاهمال عن قصد او دونه يدفع الانسان الى القنوط والخمول وهذا ما يعطي للثناء دورا نفسيا هاما في حياة الناس، اذ يقول المختصون:

(إن الثناء يُشعِر الشخص بالرضا والإنجاز، ويزيد من ثقته بنفسه، والمربُّون اليوم أحوج ما يكونون إلى غرس الثقة بالنفس والشعور بالقدرة على الإنجاز في ظل جيل يعاني من الإحباط، وتسبق هواجس الإخفاق تفكيره في أي خطوة يخطوها، أو مشروع يُقدم عليه).

وتبقى الموازنة في التشجيع والاطراء والثناء في غاية الاهمية، فلا افراط فيها ولا ثناء لا يستند الى الواقع الفعلي القائم، كما أننا يمكن أن نجعل من الثناء حالة مثيرة ومحركة لقدرات الآخرين، فحين تثني بشخص معين أما زملائه في العمل فإنك بذلك هؤلاء على الابداع والتطور ايضا، وفي هذا المجال يقول أحد المختصين:

(إن الثناء وسيلة غير مباشرة لإثارة تطلُّع الآخرين وحماستهم للتأسي بالمُثْنَى عليه والاقتداء به، وإبرازه مثلاً حياً مشاهَداً أمامهم) وهي حالة تكاد تكون ملموسة في معظم الاوساط المنتجة.

وهنا لابد أن تتعاضد قدرات الجهات الاهلية مع الرسمية لكي يكون الثناء اسلوب عمل ممنهج تنتظم فيه جميع الابداعات البشرية لكي يستمر الفرد والمجتمع بالعطاء والتطور.

كما اننا لابد ان نتنبّه الى التخلي عن التشجيع والاضرار المحتملة نتيجة لذلك، خاصة اذا حل محل ذلك اللوم والتوبيخ والتقريع المتواصل، فإذا كان الثناء دافعا للانسان نحو التجدد والابداع الافضل فإن التعامل بلا مبالاة مع المنتجين في اي مجال كان سيؤدي الى الضمور المتواصل للطاقات والمواهب، حيث يؤكد احد المختصين على  أن النقد واللوم يسهم في تكريس الشعور بالفشل والإحباط ونموه في النفس، ويضيفه صاحبه إلى تجاربه المخفقة.

بينما نكون بحاجة دائمة الى الوسائل والسبل القادرة على تحفيز الفرد لكي يظهر قدراته ومواهبه، والثناء هو احد أهم السبل القادرة على تحقيق هذا الهدف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 18/آب/2010 - 7/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م