الشخصية السوية من منظور إسلامي

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: الشخصية personality هي مجموعة الميزات السلوكية، التصرفات والأحاسيس الشعورية واللاشعورية، الأفكار، التصورات العقلية، هي الفكرة الكلية، غير الثابتة، أو المستقرة، التي يكونها كل إنسان عن ذاته وذات الآخرين.

من أصعب وأجمل الأشياء، أن يعرف الإنسان ذاته والآخرين. في القرآن الكريم نجد الوصف الحقيقي للذات الإنسانية بكل مقوماتها ومسببات شقائها وسعادتها.

نتحدث عن الشخصية السوية؛ من حيث مئات المجلدات كتبت وستكتب حول تحديد معالم الشخصية السليمة. علماء النفس لم يتفقوا في ما بينهم على نموذج معين من الشخصيات السليمة، بل ذهب البعض منهم الى القول بأنه لا توجد شخصية سليمة بالمعنى الحرفي للكلمة. ففي كل نفس جوانب مريضة لا تخفي على  لبيب، نرى أن هناك تعريف مناسب جامع للشخصية السليمة بأنها الشخصية بذاتها التي تسعد الآخرين لا تؤذهم ، هي في مثلها الأعلى تمثلت بشخصية الرسول (صلى الله عليه وآله) قد وصفه التنزيل بقول الله سبحانه وتعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم). كذلك شخصية بقية الأنبياء والرسل والأئمة المعصومين وشخصيات الصديقين والأولياء الصالحين من المؤمنين.

بكلمة مختصرة تعرف الشخصية السليمة بأنها الشخصية المؤمنة حقا أي قولا وفعلا والتزاما، ما عدا ذلك فنحن نوافق علماء النفس بأنه لا توجد شخصية سليمة بالمعنى الحرفي للكلمة.

لقد حدد القرآن الكريم معالم الشخصية السليمة بعشرات الآيات متفرقة ومجتمعة نكتفي بهذه الآيات من سورة الفرقان، إذ يجد فيها كل دارس في علم النفس موضوع أطروحة في معالم الشخصية السليمة.

أ - الشخصية السوية هي شخصية عباد الرحمن الذين لا يتكبرون ولكن يخاطبون الناس على قدر عقولهم: ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).

ب - الشخصية السوية هي المؤمنة هذه بعض صفاتها: ( والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما. والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن جهنم عذابها كان غراما. إنها ساءت مستقرا ومقاما).

ج - هي الوسط بين الإسراف والاقتار في الإنفاق . يقول سبحانه وتعالى: ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما).

د - القانتة التي لا تعبد إلها إلا الله وما أكثر الآلهة التي يعبدها الناس، فالنساء والبنون، المال، الشهوات، الطاغوت، هي آلهة أكثر الناس قديما وحديثا، ليست أصنام الجاهلية فقط: ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يزنون).

ه - الأوابة التي لا تتشبث بأخطائها وذنوبها إذا ضعفت أمام إلحاح النفس الأمارة بالسوء، بل ترجع الى الله وتستغفره: ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين. والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله، فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصبروا على ما فعلوا وهم يعلمون) آل عمران/ 134-135.

و - الصادقة التي لا تكذب ولا ترتكب المعاصي التي حرمها المولى: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما).(لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما).

ز- العاقلة العالمة تتدبر آيات الله وأحكامه فتفهمها فهما سويا نيرا علميا بالعمق، ليست تلك الشخصية المتشنجة، المتعصبة التي تفهم وتطبق أحكام الله من خلال عقدها وجهلها وتعصبها الأعمى: (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا). روي عن الرسول الكريم(ص) قوله: (ليس منا من دعا الى عصبية، ومن قاتل على عصبية، ومن مات على عصبية).

ح - الرحيمة التي تشفق على أفراد عائلتها من الضياع. تعمل على أن تؤمن السكينة للزوجة والزوج والأولاد، فالعائلة هي نواة المجتمع، بصلاحها تصلح المجتمعات: (قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين. فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) الطور/26-27 .(والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماما).

ط - الملتزمة التي استطاعت أن تلتزم بوصايا الله التي نجدها مجموعة في ثلاث آيات كريمة من سورة الأنعام، فليحفظها وليعمل بمضمونها كل من يريد أن يكون سوي الشخصية: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون. ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون. وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)الأنعام/151 -153.

ي - تختصر صفات الشخصية السوية الآية الكريمة الجامعة: (إن المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما)الأحزاب/35.

بقدر ما تقرب النفس الإنسانية من هذه الصفات وتعمل من خلال مضمونها، تتقرب من صفة الشخصية السليمة السوية أي المؤمنة، وبقدر ما تبتعد عن هذه الصفات قولا وعملا، تصبح شخصية مريضة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/آب/2010 - 6/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م