إتقان العمل ركن من أركان نجاح الحكومات

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: من بداهة القول ان نجاح الحكومات في ادارة شعوبها يتطلب تواجد بعض العوامل الداعمة لها من اجل أن تنجز المهام الملقاة على عاتقها، ويعتبر عامل اتقان العمل من هذه العوامل المهمة التي تساعد الحكومة في تحقيق اهدافها، وقد ركزت التعاليم الاسلامية الواردة في القرآن الكريم والمستقاة من السيرة النبوية وسيّر أهل البيت عليهم السلام على ضرورة اتقان العمل الى اقصى حد ممكن من اجل ضمان درجة مقبولة من النجاح فيه.

وفي هذا المجال يقول الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس) بكتابه الثمين الموسوم بـ (السبيل الى انهاض المسلمين):

(على القائمين بالحركة الإسلامية العالمية الإتقان في كل شؤونهم: العلمية والعملية، الأخلاقية والتربوية، التنظيمية والتوعوية وغيرها).

إذن فالاتقان لابد أن يشمل كل شيء ويتم وفق خطوات مبرمجة وبعيدة عن العشوائية او التلقائية التي تضمن نتائج محددة للعمل، وثمة نتائج جيدة تنتج عن اتقان الاعمال يشير اليها الإمام الشيرازي في كتابه هذا، منها:

(أولاً: الاتقان في العمل يسبب صحة العلم والعمل والفكر والحركة.

وثانياً: يسبب ثقة الجماهير بالحركة).

فالناس كما هو معروف تتابع وتراقب الاداء الحكومي بدقة، وتلاحظ النواقص والاخفاقات بنفس الدرجة التي تلاحظ فيها النجاحات في هذا الجانب او ذاك، ولعل الاتقان في العمل هو السبيل الأصح لضمان درجة عالية من النجاح للحكومة وبالتالي فإنها ستكسب الناس الى جانبها كون الامور واضحة للجميع واتقان العمل يجعل كل شيء مرئيا للجميع مثلما يضمن درجة مقبولة من النجاح في العمل الحكومي، لذلك لابد للجماهير أن تثق بقادتها في هذه الحالة، ويقول الإمام الشيرازي بهذا الصدد في كتابه الثمين نفسه:

(إن الناس يلتفون حول المتقن لأموره، وحول الأشياء المتقنة، فإن كل تقدم في الحياة إنما هو بفضل الأمور المتقنة. والمتقن من العلماء والخطباء والمؤلفين، ومن الدروس والخطابات والكتب والتنظيمات والنشاطات.. وحتى الماديات كالدور والألبسة والوسائل وغيرها.. هي المفضلة عند الناس).

لهذا تُعزى النجاحات في عموم مجالات الحياة الى اتقان العمل، ولهذا ايضا ركّز الاسلام على ضرورة تحقق هذا الركن الهام من اركان تقدم وتطور وارتقاء المجتمعات وكذلك نجاح الحكومات الذي يتوقف بدرجة كبيرة على عنصر او شرط اتقانها لأعمالها سواء تلك التي تتعلق بحياة الناس مباشرة كالخدمات المتنوعة او تلك الاعمال التي تخص صنع القرار وتنفيذه في آن، ولهذا جاء في الحديث النبوي الشريف: (رحم الله امرئ عمل عملاً فأتقنه).

ولم يقتصر اتقان العمل في جانب محدد بل يشمل عموم الاعمال مهما تنوعت ومهما صغرت او كبرت، وذلك بسبب النتائج المضمونة من النجاح التي تتحقق نتيجة لانتهاج الحكومات او الافراد لهذا المبدأ، حيث ترتبط درجة تطور وتقدم الشعوب بدرجة اتقانها لأعمالها، إذ يقول الإمام الشيرازي في هذا الصدد:

(بالإتقان في العمل يتقدم الإنسان، وبعدمه يتأخر، وليس له أن يكون هشاً في تفكيره وفي عمله وفي تأليفه وفي قوله وفي حركته ونضاله وسائر شؤونه).

إذن ليس مقبولا أن يتردد الانسان قيد أنملة في قضية اتقانه لعمله أيا كان نوعه او حجمه، كما أن هذا المبدأ لا ينحصر في اطار الاعمال والقرارات السياسية او غيرها، بمعنى أكثر وضوحا، أن الاتقان في العمل ينبغي أن يكون مبدأ ذا شمولية تعم الحياة البشرية برمتها، إلا أن التركيز على القادة السياسيين يأتي من باب المسؤولية الشاملة التي تقع على كواهلهم، فالحاكم حين يخطئ لا يضر نفسه او عائلته فحسب إنما يقع العبء الأكبر على غالبية الناس او المجتمع، وهنا يقول الإمام الشيرازي في هذا المجال:

(الحاكم والعالم والخطيب والثوري الذي يريد الحركة والتقدم وانتشال المسلمين، يلزم أن يكون متقناً لأعماله اتقاناً شديداً).

حيث تتضاعف المسؤولية للحاكم كون كل الاعمال والقرارات التشريعية والتنفيذية تتطلب اتقانا في الاداء والعمل وأن أي تردد او نكوص او تراجع في هذا الجانب سيعود بنتائج مؤذية لعموم فئات وشرائح المجتمع.

لهذا يركز الإمام الشيرازي على ان الاتقان ينبغي أن يكون شاملا من اجل ضمان النجاح الشامل ايضا، ويجب أن يتصدر العاملين بهذا المبدأ القادة السياسيون كون أعمالهم وقراراتهم ليست فردية بل ذات مردود عام يشمل أكبر عدد من افراد المجتمع، من هنا تكون انعكاساته هامة وكبيرة، لذا لابد للسياسي أن ينتهج هذا المبدأ لأن:

(الإتقان ليس معناه الإتقان في الكتابة، أو الإتقان في الزراعة، أو الإتقان في الصناعة فقط، بل معناه الإتقان في كل شيء، ومنه الإتقان في الحكومة والإدارة والسياسة، وفي الحاكم الأعلى، وشخصيات الثورة والدولة)، كما يقول الإمام الشيرازي (قدس).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/آب/2010 - 5/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م