كيف نقضي على حالة الغضب... رمضان فرصتنا لذلك

 

شبكة النبأ: الغضب حالة من حالات الشعور التي قد تلازم الإنسان فتصبح قائمة في سلوكه وتنغّص عليه حياته، لذا لابد أن يتجنب الإنسان هذه الحالة بقدر الإمكان، فالغضب كما يقول عنه أحد الكتاب: هو ثورة الأعصاب، وهو حالة من الانسياق الجارف مع الموقف الانفعالي الذي يسرق زمام النفس من (العقل) و(الإرادة) المتحكّمة ليُسلمه بيد (الغريزة)، والغريزة عوراء لا ترى إلاّ بعين واحدة.

من الممكن جدا أن يصبح الغضب حالة ملازمة لسلوك الإنسان، وبهذا المعنى يمكن أن يعتادها بصورة دائمة فتكون جزء من طبيعته اليومية فتصبح حياته سلسلة من المماحكات والانفعالات المنفلتة من دون أن تكون له يد في ذلك، أي أنه يفقد السيطرة على نفسه فتقوده الى الغضب الذي يجعل من حياته غاية في الصعوبة سواء كان ذلك في محيط العمل او داخل إطار العلاقات الاجتماعية مع الأصدقاء والأهل وحتى داخل العائلة، حيث يتجنبه الجميع، ويبتعدون عنه، فينتهي به الأمر الى العزلة بسبب عدم استعداد الآخرين للتعامل مع إنسان لا يستطيع السيطرة على أقواله وأفعاله فيتجاوز على الناس بسبب او من دونه.

هنا تصبح هذه الحالة نوعا من المرض الذي سيظل ملازما للإنسان وفي حالة عدم الاكتراث به ربما يتطور ويتعاظم ليقود صاحبه الى السقوط في مهالك الأمراض النفسية وربما الجنون اذا لم يحاول الانسان التصدي لغضبه والحد منه وتشذيب أقواله وسلوكه حيال الآخرين في أي مجال كان.

فهل يمكن أن يروض الانسان غضبه، وهل يمكنه الحد منه والتحايل عليه ثم الخروج تماما بعيدا عن سطوته؟.

يقول المختصون في هذا المجال هناك سبل عديدة للسيطرة على الغضب، ومن أهمها أن يصمم الانسان على تصفية الغضب تماما من خلال التعامل الحازم مع النفس وترويضها وإتباع الأساليب التي تحد من قيادة النفس لصاحبها او قيادة الغضب لحامله بدلا من ان تكون العملية عكسية، فالصحيح هو أن يقود الإنسان نفسه وبالتالي يكون قادرا على التحكم بغضبه ليكون عنصر بناء في المجتمع بدلا من أن يكون عنصر هدم.

وهنا يُطرَح التساؤل التالي: هل يمكن أن يكون رمضان الكريم فرصة مواتية لكي يتمكن الإنسان من فرض السيطرة على النفس والغضب في آن واحد ؟.

يجيب المعنيون بالقول:

إن النفس غالبا ما تدفع صاحبها الى حب السيطرة على الآخرين لتحقيق رغباتها حتى لو كان ذلك بالقوة، فيكون الغضب أحد أسلحتها في تحقيق مآربها، ومع الوقت يصبح الغضب حالة معتادة من الصعب التخلص منها بسهولة. ولكن في رمضان المبارك تهدأ النفس ويمكن للإنسان أن يستغل هذه الفرصة فيحجّم دور مشاعره وخلجاته ويضغط على نفسه في هذا الشهر الكريم ويحيّد جوارحه كافة، فيكون هادئا مطمئنا رحيما على نفسه وعلى الآخرين معا، فلا قلق ولا خرف ولا توتر ولا رغبة بالاستحواذ على المال او النفوذ او الجاه وما شابه، حيث تكون النفس في مثل هذا الشهر أكثر ميلا للقناعة والهدوء وهي بذلك تسهّل الأمر على صاحبها او حاملها، بمعنى من الممكن جدا للإنسان في هذا الشهر المبارك أن يعوّد نفسه على الالتزام والتقرب من الأجواء الإيمانية التي تجعل الانسان ذا رؤية نقية صافية محايدة للأمور كافة، فيعرف أن الحياة ليست لهاثا دائما وراء المال والمادة وما شابه، وانها ليست ساحة معركة للحصول على الفوائد المادية وحتى المعنوية.

بل الحياة لاسيما في شهر رمضان تتحول الى روضة زاخرة بالايمان والهدوء ومسك زمام الانفس وتوجيهها نحو الخير ونبذ الشر بأنواعه وتحييد حالات الغضب تماما، فيكون الانسان في هذا الشهر أكثر قربا الى الله تعالى، وهكذا تصبح حالات الصراع والتنافس واللهاث وراء الماديات أقل حدة وحضورا في النفس الغاضبة.

هنا لابد للانسان أن يستغل هذه الظروف الجديدة، فهو يركض ويتعب ويتحرك كالماكنة الآلية طيلة أحد عشر شهرا من السنة باذلا جهدا محموما للوصول الى اهدافه ومصالحه بشتى السبل والوسائل، بيد أن ثمة شهرا واحدا يختلف عن الشهور الاخرى هو شهر الهدوء النفسي والايمان والاتجاه نحو السماء بدلا من الغياب في تعقيدات الارض الشائكة، هذا الشهر هو شهر رمضان الكريم، حيث تسود اجواء السلام والرحمة والتسامح والتقرب الى الله تعالى وتشذيب النفس من أدرانها وتطهيرها من عثراتها ومن ضمنها حالة الغضب.

لذا يعتبر هذا الشهر فرصة الجميع للحد من حالة الغضب والقضاء عليها تماما، بل يذهب المعنيون الى القول بأنه بإمكان الانسان أن يستمر في السيطرة على نفسه وغضبه حتى بعد رمضان، حيث بإمكانه أن يروض نفسه ويجعلها تعتاد الهدوء والتعامل السليم مع الآخرين بعيدا عن حالة الغضب التي غالبا ما تسيء لصاحبها وإن حققت له بعض المكاسب المؤقتة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/آب/2010 - 1/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م