الاستبداد يقمع الإبداع

مرتضى بدر

مثلما تحرق الحرب الأخضر واليابس، والحرث والنسل، كذلك الاستبداد يقمع الابتكار وروح الإبداع. نحن شعوب العالم الثالث ربما نلمس هذه الحقيقة أكثر من غيرنا من شعوب العالم، فبجانب الحروب البشعة التي قامت في منطقتنا والتي رافقتها عمليات إرهابية وسقطت بسببها ضحايا تقدر بمئات الآلاف، ناهيك عن الخسائر المالية والاقتصادية والصحية والبيئية، فبجانب ذلك كله ظل الاستبداد السياسي جاثمًا على صدور معظم شعوب المنطقة مما جعلتها تفقد بوصلتها ورسالتها في الحياة، ومن جانب آخر ساهم الاستبداد في انتشار جرثومة الطائفية البغيضة والعصبية المذهبية المقيتة في جسم الأمة.

لقد وقعت شعوب المنطقة بين كماشتين، وبتوصيف آخر بين المطرقة والسندان، مطرقة الحروب والإرهاب، وسندان الاستبداد. بعد هذه المقدمة الموجزة أود طرح الأسئلة التالية:

ما مدى تأثير الاستبداد على عملية الابتكار والإبداع؟ ولماذا حدث تطور صناعي وعلمي في بعض الدول التي حكمتها الأنظمة المستبدة؟ لماذا تقدمت الدول التي تحكمها الأنظمة الديمقراطية بينما تراجعت تلك التي حكمتها الأنظمة الاستبدادية؟

الحقيقة التي لا ينكرها عاقل هي أن سيف الاستبداد يقمع الإبداع، ويشل حركة الفكر والابتكار والاختراع والإنتاجية، كما يقضي على روح الشراكة الجماعية. وفي تعريف مختصر، نستطيع القول إن الاستبداد آفة إذا ما تحكّم في مجتمعٍ ما، فأول ما يسعى إليه هو غلق العقول وقمع الحريات.

 والمؤسف أن هناك من يقلل من تداعيات الاستبداد، ويشير إلى الدول التي استطاعت الاحتفاظ بتقدمها العلمي والصناعي رغم أنها كانت تحكمها أنظمة مستبدة، ويستشهدون بالاتحاد السوفييتي سابقاً. في المقابل، نرد على ادعاء هؤلاء بالمصير الذي آل إليه النظام السوفييتي، حيث تفكك إلى جمهوريات عديدة، وبسقوطه نالت الشعوب حريتها واستقلالها، فتلك كانت خاتمة الاستبداد. إننا لا ننكر أن الاستبداد يمكنه إيجاد نخبة من العقول الحزبية أو العسكرية، لكنه بالتأكيد لن يسمح بفتح عقول أبناء المجتمع أو بناء مجتمع منتج ومبدع.

للفيلسوف (أرسطو) مقولة مشهورة يقول فيها: “العبيد لا ينتصرون”، ويقصد بالعبيد كل شعب يعيش تحت ظل نظام استبدادي، سواءً كان استبدادًا سياسيًا أم ثقافيًا أم إعلاميًا، فالعبد وفق مفهوم أرسطو يعتبر إنسانًا مهزومًا داخلياً، والمهزوم غير قادر على الإنتاج، ناهيك عن التفكير أو الإبداع أو الاختراع. ومن هذه الزاوية، نجد الضعف الشديد في عملية الإبداع في الدول التي تحكمها الأنظمة المستبدة، بينما العكس في الدول التي تحكمها الأنظمة الديمقراطية؛ حيث البيئة السياسية والثقافية والاجتماعية تساهم في فتق العقول، وتشجع على الإنتاج والإبداع في ميادين شتى، سواءً الفكرية أو العلمية أو الصناعية أو غيرها من الميادين.

 أعداد المبدعين والمخترعين في كل من الدول التي تحكمها الأنظمة الديمقراطية، والأخرى التي تكتوي بنار الاستبداد قد تكون كافية لمعرفة هذه الحقيقة الساطعة التي لا ينكرها أي عاقل؛ فشعوب العالم الثالث في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط التي عانت ولازالت تعاني من استبداد الأنظمة الشمولية قد اعتادت على سماع مفردات الأمن القومي، والقيادة العليا، والمصلحة القومية، والأناشيد العسكرية، والأغاني التي تمجد في القائد الملهم الفذ!! هذه المفردات لا نجدها مطلقاً في الأنظمة الديمقراطية التي تحفظ للمواطن كرامته وحقوقه وحريته، وفيها يكون جميع أفراد المجتمع متساوين أمام القانون.

في الأنظمة الشمولية يكون الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب مسخّرًا لخدمة الاستبداد. العامل والطالب والموظف بمثابة عبيد لدى النخبة المستبدة، والمطلوب من الجميع أن يمجّدوا في القيادة المستبدة... الصحف وغيرها من وسائل الإعلام وحتى الكتب المدرسية تمجّد رموز الاستبداد، والقائمة بالطبع تطول، والقلم قد يعجز عن وصف أحوال الشعوب التي ترضخ تحت ظل أنظمة مستبدة. أرسطو كان صادقاً حين وصف بعض الشعوب بالعبيد؛ ذلك لأن الشعوب المهزومة نفسياً وفكرياً غير قادرة على التفكير والإبداع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/آب/2010 - 30/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م